تعيش تونس هذه الايام مرحلة تاريخية فاعلة في رسم معالم ما ستكون عليه بلادنا في مستقبلها القريب والبعيد على حدّ سواء، مرحلة يخط فيها شعبنا العظيم صفحات من العزّة والكرامة ويثبت فيها لبعض »النخب الواهمة« التي تعتمد في خطابها على الفزاعات والمغالطات انه الفاعل الرئيسي في نحت مصيره ولا صوت يعلو فوق صوته. من العار علينا ان تعمد »نخبة الابراج العاجية« الى نعت شعبها بالغباء والجهل والحال انها عجزت عجزا غريبا عن صياغة مشروع مجتمعي طلائعي يناهض الاستبداد ويقضي على أسبابه ويفتح للرخاء أبوابًا واسعةً. أليس من العجيب ان يرفع البعض لواء الديمقراطية فيفشلون في صون اول اركانها وهو احترام ارادة الشعب في الاختيار الحرّ النزيه المسؤول؟ بل ان منّا من يعمل على شقّ الصفوف بإعلان »وقوفه في الطريق« مشكّكا محبطا للعزائم مهدّدا بمغادرة البلاد؟ ان تونس كما عهدتموها مثلما صدحت برأيها عاليا واقبلت على صناديق الاقتراع من كلّ فجّ عميق لا تقبل كما خبرناها ان يُقصى اي طرف وان حاول اقصاء نفسه بنفسه تقول له ولدت هنا وستظلّ هنا »مهاب الجناب حرام الحمى«، قدرنا يا سادتي الكرام ان نختلف وفي اختلافنا ثراء وتلاقح ولكننا نتقاسم الحلم بوطن يحترم الحريات ويتّسع للجميع نبنيه معا ونحمي البناء معا. مقولة من لم ينتخب طرفا ما متخلف جاهل تسيء الينا جميعا وتشوه صورة مسارنا الثوري النّاصع وتنمّ عن مجانبة الصواب وسوء التقدير، أليس من أرقى مظاهر الوطنية ومن أشدّ درجات الالتزام بالوفاء لدماء الشهداء ومعاناة الجرحى ان نمتثل لإرادة الشعب واختياره الحرّ فننصرف معا الى شأن أهم يتمثل في بناء المؤسسات الديمقراطية ومحاربة الخصاصة واقامة صرح العدالة؟ أما آن لنا ان نتخلّى عن منهج بائس موروث قوامه اثارة الفتن وبثّ الرعب في القلوب؟ فكيف يا سادتي الكرام نتبنّى مقولات أعلنّا رفضها وعددناها مظهرا من مظاهر تأبيد الاستبداد وثرنا عليها في هبّة شعبية رائعة ذات 14 جانفي؟ رهاننا اليوم ليس كما يصوره البعض استقطابا ثنائيا بين الاسلام والحداثة، فالتونسي الذكيّ اعرض عن كل هذا واجترح لنفسه طريق التوافق سبيلا ومنهجا وانبرى ململما قواه ساعيا الى استرجاع كرامة أهدرت ومكاسب قوّضت اركانها، وما على البعض إلا الارتقاء بالخطاب إلى ما يستهدف برامج التنمية والتشغيل واصلاح منظومة التعليم وبناء مؤسسات تحمي الوطن من السقوط وتكفل الحريات والتخلي عن تفاهات مججناها وولّى زمانها الى غيررجعة. لقد جرّب النظام السابق خطاب التخويف والشيطنة واختبره ولم يجده من السقوط نفعا، فأعرضوا يا سادتي الكرام عمّا كنتم في ما مضى ترفضون، ألاَ اتّحاد يهزّ أركان الفرقة؟ فقد تتقاطع خلفياتنا الفكرية وتصوّراتنا غير ان دقة المرحلة اوجب للتدبّر وصعوبة التحديات اقدر على صرف هممنا عن كل جدل عقيم يمسّ من نبل رسالة الشهداء، فمن أجل الوطن قال الشاعر الشهيد »عبد الرحيم محمود«: سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردّى فإمّا حياة تسرّ الصديق وإمّا ممات يغيظ العدى ونفس الشريف لها غايتان ورود المنايا ونيل المنى لقد نهض الشعب بدوره التاريخي في مختلف المراحل ومازال متيقظا متحفزا دافعا مستنفرا ووضع بين اياديكم امانة يثقل حملها على الجبال ولا يتصدّى لها إلاّ كل أبيّ كريم ولا يتخطّى مطبّاتها إلا كلّ عاقل منفتح حكيم ويخطئ من لا يقدّر المسؤولية حق قدرها غيران تكاتف الجهود وصدق العزائم بالنجاح كفيلات فليكن لنا في ما مضى من احداث خير سبيل ولتكن تونس فضاء للاختلاف البنّاء رحبا وليكن في ما قال »أبو الطيب المتنبي« ما يفتح في الممتنع مسالك: على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وتعظُم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم