الأسرة الفلسطينية المجاهدة حين تبدأ رحلة الجهاد لا تتوقف ، بل تورث أبناؤها الراية جيلاً بعد جيل ، فترى في الأسرة ذاتها شهيد وجريح وأسير . في فواتح العام 1994 جمعتني أقدار الله ببشار الكرمي شقيق الشهيد في سجن الخليل المركزي ، فكان من خيرة من عرفنا أدباً وحباً لإخوانه . ثم تجدد اللقاء في العام 96 ، 97 ، 98 ، وفي كل حملة تقوم بها (إسرائيل) كان يبرز الاسم في لوائح الاعتقال . في العام 2002 ذات الأقدار جمعتنا مع الشهيد في سجن مجدو فوجدته بذات الصفات بل يزيد روعة . وأنا أحاول الكتابة بدأت مع شريط الذكريات التي التقينا معاً فيها ، لأدعي صدق من قال أن للشهداء في فلسطين سمات نعرفها قبل الشهادة ، بحيث لا يستطيع صاحبها الاختباء منها كأنها علامة إيمان لا تغادر كحال القمر وانعكاس النور . في حكاية نشأت مع الشهادة علامات على الطريق لا بد من المرور عليها كي تستقيم المرحلة التي تحتاج وقفة وكثير نقاش . العلامة الأولى و(إسرائيل )
أكاد أجزم أن إسرائيل تدرك أزمتها الحقيقية مع الشعب الفلسطيني ، نشأت الكرمي بملامحه وصفاته الرائعة و التي تنم عن شاب تنتظره الحياة الهادئة والمميزة . لكنه يترك الطموح الأرضي و يترجل باكراً من أمنيات البشر ليحمل السلاح ويقاتل ، يقود عملاً عسكرياً كبيراً وحين الوصف يكون بارعاً . ثم حين المواجهة لا يجبن ولا تلين له قناة ، يستميت في الدفاع عن كرامة المقاتل لا يرفع الراية البيضاء يستمر في المواجهة أكثر من عشر ساعات مع شقيق دربه النتشة . برغم أن العدو يقصفهم من السماء ومن الأرض ومئات الجند بدروعهم يحاولون الاقتحام لمكانهم فيفشلون ، ليسجل لبسالتهم العلامة الفارقة التي لا بد من وصولها إلى أركان الأمن الصهيوني أن شعباً تسرق أرضه لا تسقط رايته مهما حاول العالم التنكر والتزييف لحقيقة التاريخ . العلامة الثانية والسلطة الفلسطينية .
من خلال جنائز الشهداء كان واضحاً نبض الضفة ، وهتاف الناس ، والتفاعل الكبير مع المقاومة ، ورجالاتها ، وكيف كان الإجماع كبيراً على الوحدة تحت جسد الشهيد وهو يحمل على أعناق أبناء فتح ، وحماس ، والشعبية ، والجهاد وهتافهم جميعاً "بالروح بالدم نفديك يا شهيد " هذا الشعار الأخوي الذي ظل يسحر الناظر لتاريخ الشعب الفلسطيني لا بد له من أين يذكر بالدرب ، ويصحح المسار ، وإن يعيد الاعتبار لحقيقة المواجهة . أما العيش في الوهم الكاذب والتناحر على طبيعة المركبات العمومية ، وحصص البنزين ، وقانون التقاعد ، وعلاوة المعيشة في ظل وطن تستباح قدسه ، وتمس نساؤه ، ويحرق أبناؤه تحت عجلات الاستيطان ومجرميه ، فهذا جرم لا يغتفر وحال لا يتناسب وأمانة التاريخ . العلامة الثلاثة والمقاومة برغم قسوة ظروفها والهجمة عليها ، وتكالب الأرض على منهجها ، لكن التنبه مهم لمنهجية العلاقة بين الضفة وغزة ، وهذا الذي لوحظ في حرب غزة حين تركت الضفة شقيقتها تغرق في النار دون حراك ولا نصرة حتى لو كانت النصرة بالمظاهرة والحجر ، بالهتاف أو النشيد . لا بد أن يشعر المحتل أن الوطن لا يقبل القسمة بين الفرقاء ، لأن الروح لا تنفصل عن الجسد ،. لذلك فغزة عليها الانتباه كي لا يتكرر الخطأ والخطيئة التي قد تحصل إذا لم تتجنب بناءً يثقل عزيمتها ، ومعاش يحرف بوصلتها ، ومنطق لا يرد ساعة الجد ، وحسابات تركن للواقعية على المبدأ . العلامة الرابعة وقمة العرب الأجندة العربية ، الإستراتيجية العربية ، العمل المشترك ، الطموح المشترك ، الأمل المشترك ، الرؤية المشتركة ، كلها باتت على المحك . الصدف الفاضحة باتت مكررةً عند كل لقاء عربي ليكون على أجندتها ما يستحق النقاش العميق والذي يمكن سرد بعض منه كمجزرة الخليل ، وامتهان للشرف ، ودهس على أعين الإعلام طفلاً صغيراً حاول القول نحن هنا في القدس لنا وطن يسرق . ما أضافه الشهيد في علامة كانت في الأمس ملفتةً من خلال و سائل الإعلام الصهيونية والتي رصدتها على نشرة أخبار الساعة الثامنة على قناة العاشرة التي ذكرت لفظ اجتماع لجنة المتابعة العربية ثلاث مرات ، أما وتصفية ناشطي القسام أكثر من ثلاثين مرة بألفاظ مختلفة . ليكون اللقاء المقاوم بين شباب يبيعون حلي نسائهم ليقاتلوا المحتل أبلغ أثراً من إنتفاخة الحاكم العربي وجيشه حتى لو تحشد في قمة أو مؤتمر . في الأوراق الإسرائيلية اليوم شعور بالفرحة باغتيال الكرمي وصاحبه ، لكن شكنازي ظل يحذر من الأوضاع قد تأخذ بالتدهور في لحظة لا يمكن السيطرة عليها ، إن أغلق الأمل في المستقبل .