يُقال إن ذيل الكلب وضعوه داخل قصبة طيلة اربعين عاما، فلم يغيّر فيه شيء ليعود إلي اعوجاجه.. وهي حكاية دل على أن من شب على شيء شاب عليه أو ان «العادة تغلب العبادة» مثلما يقول مثلنا التونسي. من بين خلافاتي مع زوجتي الايطالية مبالغتها في النظام والتنظيم والنظافة إلى حد «التوسويس» من ذلك انها مثلا تصر الحاحا كل يوم على ان تقوم بفرز «الزبالة» لتضع البلور في وعاء، والاوراق البلاستيكية في وعاء اخر، والعلب الكرتونية في وعاد مخصص لها وكذلك فواضل الأكل... اما انا فانني «أشخبط وألخبط» لأضع كل شيء في وعاء واحد وألقي به في سلة المهملات لأنّ ما تفعله زوجتي وغيرها يتطلب وقتًا وتركيزًا وسعة بال ومن اين لي كل ذلك، وأنا القادم من حي شعبي لا يعرف ولا يعترف سكانه بهذا النظام، وكذلك كل الاحياء الاخرى الشعبية منها والراقية في كل مدن وقرى جمهوريتنا؟! اعرف ان لزوجتي الحق في ذلك لانها تنسج على منوال جيرانها وابناء جلدتها اذ تتوفر الاوعية المختلفة والخاصة بانواع «الزبالة» في كل حي وامام كل عمارة ومسكن متواضع وفيلا فخمة، أولا لأن بلدية المكان هي التي تفرض ذلك وثانيا وهذا الاهم هو أن كل الفواضل ودون استثناء تعاد رسكلتها لتصنع منها اشياء اخرى وخاصة منها المواد البلورية حيث توجد معامل خاصة بذلك وعندما يصادف ان يخطئ أحدهم ويلقي بالفواضل المنزلية في وعاء اخر خاص بالبلور مثلا فإنّ خطية من البلدية تنتظر كل السكان وان شوهد من طرف احد الجيران فإنّه يعلم عنه لتقع تخطئته وهو ما وقع لي مرة عندما كنت اسكن بمدينة pioltello المجاورة لمدينة «ميلانو الايطالية، حيث شخبطت» كما اردت و«لخبطت» مثلما اشتهيت في غياب زوجتي طبعا، ولم يمر اسبوع واحد لتتلقى زوجتي خطيّة مالية من طرف البلدية ولتقول لي: لقد فعلتها، رغم انني نبهتك اكثر من مرة؟ ولاقول في نفسي: «لقد فعلها ابن ال....» واقصد احد الجيران الذي كان لي بالمرصاد وكانه يعرف من اين اتيت وعلى ماذا تعودت.. وكأنه ايضا يعرف حكاية ذيل الكلب! استوعبت الدرس منذ تلك المرة واصبحت اكثر نظاما وتنظيما من زوجتي حتى لا اخصص ميزانية خاصة بالخطايا البلدية من مرتبي الشهري المتواضع وها اني امنّي النفس ان ينسج بلدي على منوال ايطاليا وغيرها من البلدان الاخرى والذي لا يتطلّب سوى اجتهاد من بلدياتنا وجهدًا صغيرًا من السكان حتى لا نواصل الى ما لا نهاية ما جاء على لسان «نانسي عجرم شخبط شخبيط... لخبط لخبيط». وهاهي أكوام مكوّنة من القوارير الفارغة.. قوارير المرّ والكو.. وغيرها من المشروبات الكحولية يقع القاؤها اينما اتفق بعد تناول محتواها، وستصبح جبالا ان لم يقع تلافي الامر لجمعها ورسكلتها في معامل البلور وهي كثيرة عندنا