احتلت هذا الاسبوع النشرة الجوية صدارة اهتمام المواطن التونسي وفاقت نسبة متابعته لتفاصيلها كل التوقعات رغم ما يَجدُّ على الساحة من احداث سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية جديرة بالاهتمام والمتابعة. الصورة فرضتها الظروف المناخية القاسية جدا التي شهدتها اغلب جهات البلاد خاصة في الشمال والشمال الغربي والوسط اذ ان العواصف الثلجية التي اجتاحت هذه المناطق أبت الا ان تكشف عن المستور وتعري الواقع وتؤكد ان في بلادنا المستقلة منذ اكثر من ستة عقود جهات مازالت تعيش على عتبات الفقر وان في بلادنا مواطنون مازالوا يعيشون الجوع والعراء والحرمان والاقصاء والتهميش بل هم محرومون حتى من ابسط حقوق المواطنة مثل الصحة والتعليم. اين هي مخططات التنمية واين هي برامج التشغيل والاسكان واين هي أمثلة التهيئة العمرانية والبنى التحتية واين... وأين؟ إن انشغالات الدولة بالتنمية كانت كذبة كبيرة ظلت جاثمة على صدورنا على مدى عقود طويلة ملفوفة في كاغظ من الالمينوم المانع لتسرب اي رائحة تطمس الحقيقة وتحجب الرؤية عن كل نقيصة. نقول هذا لا من باب المزايدة على واقعنا الذي عرته الطبيعة مثلما عرت الثورة كلمة الحق اذ ان الاتحاد العام التونسي للشغل كان قد نبه الى هشاشة التنمية في عدة جهات من خلال اعداد دراسات خاصة تشكل بدائل للتنمية فيها لكن يبدو ان سعف النخيل والكرطون «أصلب» من هذه الدراسات. ان المناخ المتقلب الذي عاشته هذه الجهات في الايام الاخيرة قد فضح واقعنا بالابيض والاسود فما حملته لنا الاخبار من عزلة لعدد كبير من المناطق بجندوبة والكاف وسليانة والقصرين وغيرها وما بثته عدة قنوات من مظاهر بؤس وفقر مدقع وعراء وجوع اكد لنا زيف الواقع الذي كان يمرر لنا. ان منوال التنمية الوحيد الذي «نجح» هو الصورة الملوّنة لتونس التي كان يروج لها النظام السابق وزبانيته ويغدقون عليها الاموال الطائلة من أموال المجموعة الوطنية التي كان يُعتقدُ ان توجه لتنمية هذه الجهات بصفة عادلة وشاملة. أمام هذه الصورة الحقيقية لواقعنا بعد ستين سنة من التجارب التنموية الفاشلة نندفع اليوم الى تنبه الحكومة الحالية والتي شاهدنا عبر التفاعل مع المد التضامني بين التونسيين وعبر بعض الزيارات الميدانية على غرار زيارة رئيس الحكومة الى جهة جندوبة حيث وقف عند حقيقة معاناة المواطنين هناك وانشغالاتهم ننبه الى ان الحلول الوقتية والترقيعية على قيمتها في هذه الظروف المناخية صعبة لا تلبي الحاجة ولابد من الاسراع بقطع خطوات ملموسة في مجال التشغيل أولا لأن الشغل وحده هو الكفيل بحفظ كرامة المواطن والارتقاء به الى مرتبة المواطنة الحقيقية ثم لابد من توجيه الاستثمار الوطني الى هذه الجهات في غياب ارادة استثمارات خارجية ولابد للدولة ان تقوم بدورها خاصة على مستوى البنية التحتية لأن ما شاهدناه من عزلة لعدد من المناطق يظل مبعثا للريبة والشك والانشغال حول كل الاعتمادات التي رصدت لذلك وهو ما لا يجوز المرور عنده دون مساءلة والحكومة الحالية مدعوة الى العمل على ذلك مع اعادة ترتيب الاولويات في المخططات التنموية بما يحقق لهذه الجهات المناعة في كل الظروف.