طق... طق... طق... هائمة على غير هدى في ذلك الشارع الذي طالما عبرناه معا.. هذا المساء، كان خاليا من كلّ صوت إلاّ من طقطقة حذائي يُنشد لحنا جنائزيا منذرا رحيل قافلة الحياة دوني لأنتقي وحيدة في شارعنا الطويل كطائر جريح أقعده الألم فتخلّف عن السرب... طق... طق... طق... دم من شراييني المقطّعة يتدفّق.. يلزمني خيط حتى أرطق من أحلامي الضائعة ما أستطيع أن أرطق... دقائق اليوم حُبلى بالخديعة وعُمُرٌ أسقط بتلاته وابتسامة تُسرق... طق... طق... طق... لصّ يمشي خلفي / طيف رجل أخرق... ولكن ماذا سيسرق منّي هذا اللّص؟ لم يترك الراحلون شيئا للقادمين.. وأرضي بلقاء، ملح الكاهنة فيها حلّ محلّ الصنوبر... وملح الكاهنة في أرضي أسقط شجر الصنوبر... حتّى السنديانة التي ورثتها عن أجدادي حطّبوها وأطعموها للغافلين عن فعلتهم حتى لا يطالبوا بنصيبهم من الكوثر... طق... طق... طق... صوت آنية الفخّار تتكسّر... فيض من الوحدة من جديد يتفجّر... طق... طق... طق... هائمة على غير هدى في ذلك الشارع الذي طالما عبرناه معا.. غريب أمر هذا الشارع وأوراق شجره التي تعتريها حمرة كالتي كانت تكتسح خدّي خلسةً وتذوب في اسمرار وجهي كلّما داعبتهما... كلّ جسدي كان ينتفض وتعتريه نوبات خجل أسطوريّ كلّما غمرتني بنظرة، بابتسامة، بلمسة أو قبلة... غريب أمر هذا الشارع، غصّ العالم بي ولم يفعل، ضاقت الأحلام بي ولم يفعل، أجهضتني الحياة فتلقفني بصوت حذائي الذي بدأ يفقد القط الرمادي المحتمي من خيوط المطر أمام باب احدى الحوانيت أعصابه... أنساني لهيب الغدر والشوق معا لسع حبات المطر... ما أعذب حبّات المطر.. ما أرقّها حين تنزل رذاذًا، ما أقساها حين تنهمر... أنت والمطر تتشابهان... في أرض مثل أرضي لا تتساقطان باستمرار... طق... طق... طق... هائمة على غير هدى في ذلك الشارع الذي طالما عبرناه معا... أسير بتؤدة، لا داعي للرّكض فأنت لست في انتظاري كما تعوّدت أن تفعل في نهاية الشارع... لا داعي للرّكض، لا داعي للإسراع فما من وردة حمراء في نهاية الطريق، ما من قصيد ما من رسالة أو «أحبّك»، ربّما طعم جديد للوجيعة من الخديعة وتاج براءة بلوري يتشقق... طق... طق... طق...