رئيس الجمهوريّة يؤكد على ضرورة المرور إلى السرعة القصوى في كافّة المجالات    جُودة دحمان: أسلاك التربية تدقّ ناقوس الخطر وتحذّر من تصعيد قد يصل إلى مقاطعة الامتحانات    ويتكوف يكشف موعد المرحلة الثانية من اتفاق غزة    تركيا ترسل الصندوق الأسود لطائرة الحداد إلى دولة محايدة    كاس امم افريقيا (المغرب 2025) برنامج مقابلات غدا الجمعة    طقس اليوم: ارتفاع في درجات الحرارة    بعد حادثة ريهام عبد الغفور.. نقابة المهن التمثيلية تعلن الحرب على مستهدفي نجوم مصر    ترامب مهاجما معارضيه في التهنئة: عيد ميلاد سعيد للجميع بما في ذلك حثالة اليسار    كوريا الشمالية تندد بدخول غواصة نووية أمريكية إلى كوريا الجنوبية    فوز المرشح المدعوم من ترامب بالانتخابات الرئاسية في هندوراس    تطوير خدمات الطفولة المبكرة محور لقاء وزيرة الأسرة ورئيسة غرفة رياض الأطفال    الفنيون يتحدّثون ل «الشروق» عن فوز المنتخب .. بداية واعدة.. الامتياز للمجبري والسّخيري والقادم أصعب    أمل حمام سوسة .. بن عمارة أمام تحدّ كبير    فاطمة المسدي تنفي توجيه مراسلة لرئيس الجمهورية في شكل وشاية بزميلها أحمد السعيداني    تحت شعار «إهدي تونسي» 50 حرفيّا يؤثّثون أروقة معرض هدايا آخر السنة    قيرواني .. نعم    الغاء كافة الرحلات المبرمجة لبقية اليوم بين صفاقس وقرقنة..    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    مناظرة 2019: الستاغ تنشر نتائج أولية وتدعو دفعة جديدة لتكوين الملفات    كأس افريقيا للأمم 2025 : المنتخب الجزائري يفوز على نظيره السوداني    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    الإطاحة بشبكة لترويج الأقراص المخدّرة في القصرين..#خبر_عاجل    بابا نويل يشدّ في'' المهاجرين غير الشرعيين'' في أمريكا: شنوا الحكاية ؟    من الاستِشْراق إلى الاستِعْراب: الحالة الإيطالية    عاجل : وفاة الفنان والمخرج الفلسطيني محمد بكري    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    تونس 2026: خطوات عملية لتعزيز السيادة الطاقية مع الحفاظ على الأمان الاجتماعي    في الدورة الأولى لأيام قرقنة للصناعات التقليدية : الجزيرة تستحضر البحر وتحول الحرف الأصيلة إلى مشاريع تنموية    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    زلزال بقوة 1ر6 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    عاجل: بعد فوز البارح تونس تصعد مركزين في تصنيف فيفا    قفصة: إصدار 3 قرارات هدم لبنانيات آيلة للسقوط بالمدينه العتيقة    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    عدّيت ''كوموند'' و وصلتك فيها غشّة؟: البائع ينجّم يوصل للسجن    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    قائمة سوداء لأدوية "خطيرة" تثير القلق..ما القصة..؟!    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    عاجل: هذا موعد الليالي البيض في تونس...كل الي يلزمك تعرفه    هام/ المركز الفني للبطاطا و القنارية ينتدب..    عركة كبيرة بين فريال يوسف و نادية الجندي ...شنوا الحكاية ؟    درجة الحرارة تهبط...والجسم ينهار: كيفاش تُسعف شخص في الشتاء    هذا هو أحسن وقت للفطور لخفض الكوليسترول    عاجل: تغييرات مرورية على الطريق الجهوية 22 في اتجاه المروج والحمامات..التفاصيل    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    بول بوت: أوغندا افتقدت الروح القتالية أمام تونس في كأس إفريقيا    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    عاجل/ العثور على الصندوق الأسود للطائرة اللّيبيّة المنكوبة..    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    عاجل: اصابة هذا اللّاعب من المنتخب    وزارة التجهيز تنفي خبر انهيار ''قنطرة'' في لاكانيا    عاجل/ قضية وفاة الجيلاني الدبوسي: تطورات جديدة..    كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025: برنامج مباريات اليوم والقنوات الناقلة..#خبر_عاجل    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤتمر التوحيدي بين حركة الشعب الوحدوية التقدمية وحركة الشعب
نشر في الشعب يوم 25 - 02 - 2012

اثبتت نتائج الانتخابات الاخيرة للمجلس الوطني التأسيسي ان العائلة القومية في تونس قد فوتت على نفسها فرصة ان تكون الكتلة الثانية داخل المجلس قبل المؤتمر من اجل الجمهورية كما فوتت على الساحة السياسية امكانيات هائلة في التخفيف من عبء الاستقطاب الثنائي، ذلك ان الحركة القومية الضاربة بنضالها في جذور التاريخ السياسي الحديث في تونس قد دفعت فواتير باهظة من ايقافات وسجون وشهداء لكنها ظلت غير ممثلة في المؤسسات الانتقالية الحالية.
ومع تنامي حركة الانصهار والتوحد والعمل الجبهوي بين الاحزاب السياسية، استطاعت كل من حركة الشعب الوحدوية التقدمية وحركة الشعب ان تمر عمليا وبسرعة فائقة الى انجاز مؤتمريهما التوحيدي الذي تنطلق اشغاله اليوم وتتواصل على مدار اليومين القادمين.
«الشعب» التقت الاستاذ زهير المغزاوي الامين العام لحركة الشعب الوحدوية التقدمية والاستاذ محمد البراهمي منسق حركة الشعب عشية انعقاد هذا المؤتمر التاريخي فكان هذا الحوار اللافت وجها لوجه.
زهير المغزاوي: مناضلو التيار القومي التقدمي لم يتمكنوا بعد الثورة من بناء أداة سياسية واحدة
الحزب الوحيد الذي يعقد مؤتمرين اثنين في ظرف زمني لم يتجاوز السنة، فما هي الدوافع السياسية والموضوعية التي تقف وراء ذلك؟
إن المؤتمر الاول المنعقد في شهر أوت 2011 هو مؤتمر حركة الشعب الوحدوية التقدمية، أما هذا المؤتمر، فهو المؤتمر الموحّد للتيار القومي التقدمي.
وفي هذا الاطار، أشير الى ان هذا المؤتمر الذي سينعقد يوم 24 25 26 فيفري 2012 ليس تأسيسا للتيار القومي التقدمي، فالتيار القومي التقدمي، سابق للحزب المزمع تأسيسه بتاريخه ونضاله ومشروعه اكبر من مشروع الحزب.
إن مناضلي التيار القومي التقدمي وبعد 14 جانفي لم يتمكنوا من بناء أداة سياسية واحدة لهم وذلك لاسباب كنا قد اتينا عليها بالحديث مطولا ولكن الايجابي ان الحوارات داخل العائلة القومية لم تتوقف رغم التعدد التنظيمي والرغبة في الوحدة كانت اكبر من كل العراقيل زادتها نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي رسوخا.
وانطلقنا في الحوارات داخل الجهات بين مختلف المناضلين المنتسبين إلى حركة الشعب الوحدوية التقدمية وإلى حركة الشعب وبقية المناضلين الذين لم ينتسبوا إلى كلا الحركتين، وقد توجت هذه الحوارات بانعقاد ندوتين بالمنستير، تقرر على اثرهما الشروع في التوحيد من خلال المؤتمر المزمع عقده بالتاريخ المذكور.
 ما علاقة بقية الفصائل القومية بما ستنجزونه اليوم؟
انت تعرف ان التيار العروبي في تونس يضم شقين البعثي والناصري.
ونحن في التيار الناصري ويشاطرنا في ذلك بعض الاخوة في التيار البعثي ان توحيد العائلة العروبية يجب ان يكون تدريجيا، وحتى بعض الحوارات والنقاشات التي اجريناها مع بعض الاخوة البعثيين كانت لهم نفس المقاربة، اي: جمع شتات التيار القومي التقدمي من ناحية وشتات التيار البعثي من ناحية اخرى، وسندخل بعد المؤتمر مباشرة في حوارات للبحث في صيغ العمل المشترك.
 لماذا اقتصر الجهد على توحيد تيارين ناصريين في حين أن العائلة القومية متنوعة وعنقودية الشكل؟
سنبحث في كل الصيغ الممكنة والدائمة بين العائلتين الناصرية والبعثية حتى نضمن عدم الارتداد والعودة الى المربع الاول.
 وهل بادر البعثيون في توحيد شتات شكلهم استعدادا لوحدة قومية اشمل في تونس؟
أعتقد أنهم بصدد البحث في امكانيات تجاوز التشتت التنظيمي.
 لماذا فشلت حركة الشعب الوحدوية التقدمية وحركة الشعب في التوحد قبل انتخابات المجلس التأسيسي، وما الذي تغير الآن؟
في الحقيقة لم يكن هناك خلافات نظرية ولا سياسية ولكن توجد اسباب اخرى أهمها أن ادارة الحوار كانت سيئة خاصة بعد 14 جانفي 2011.
وثاني الاسباب تعلقت بأن التيار القومي التقدمي وبعد سنوات العمل السري والعمل في المنظمات والجمعيات لم يكن من السهل المرور الى العمل الحزبي العلني أو ما يتطلبه من مقاربات.
وخلال المدة الاخيرة، ومن خلال الحوار الهادئ اقتنع الجميع انه لا يمكن للقوميين في تونس ان يلعبوا دورهم التاريخي في هذا الظرف الذي تمر به تونس والامة العربية الا بوحدتهم وقدرتهم على ادارة خلافاتهم داخل المؤسسات.
وفي النهاية، ان ظاهرة التشتت الحزبي، ليست ظاهرة قومية، فحسب، فكل العائلات السياسية تقريبا تعرف مثل هذه الظاهرة، ونحاول تجاوزها.
 كان بإمكان العائلة القومية أن تكون القوة الثانية داخل المجلس التأسيسي لو وحّدت قائماتها ودخلت متجانسة الصفوف، فهل ستستفيدون من هذا المتغير؟
لا شك في ذلك، فالقوميون يشعرون انهم اضاعوا فرصة تاريخية عليهم وعلى تونس من اجل يكونوا القوة الضامنة
في ظل الصراعات التي تشهدها البلاد والتي في غالبها مصطنع.
وعلى القوميين اليوم، ان يلعبوا دورهم التاريخي في حماية المسار الثوري واستكمال أهدافه.
 ما الذي يجعلكم اليوم واكثر من اي وقت مضى مسكونين بهاجس التوحد وتجاوز حالة التشتت والتشرذم؟
هناك اجماع بين القوميين خلال المرحلة التأسيسية على هدفين رئيسيين:
أول بناء حزب قائم على المؤسسات لا على الافراد والشِّلَلِ، تكون الديمقراطية اسلوب تطوره.
وثاني الاهداف هو المشاركة في كل الاستحقاقات السياسية التي ستعرفها تونس خلال الفترة القادمة.
 الملاحظ ان الشباب القومي مقبل على إنجاز ما عجز عنه جيل الرواد والرموز، فماذا الذي استطاع الشباب تجاوزه من نواقص الرواد والرموز؟
لا يوجد صراع بين الشباب والشيوخ، كل ما هناك ان المقاربات لا تختلف فقط بين الشباب فيما بينهم ولا بين الشباب والشيوخ، بل نحن لسنا في قطيعة مع جيل المؤسسين الذين كان لهم دور تاريخي وسيظل.
الحزب سيبنيه الشباب والكهول والشيوخ معا. كلٌّ حسب مقدرته ونضاليته.
 هل أن الثورات العربية هي اليوم عامل مساعد على توحيد العائلة القومية والوحدوية أم عامل معرقل لهذا المشروع؟
ما حدث في عديد الاقطار العربية هو تأكيد على صحة المشروع القومي، فما حصل، هو في جزء كبير منه تعبير عن فشل النظام الرسمي العربي، وفشله في تحقيق التنمية والديمقراطية، وفشله في حماية الامن القومي العربي.
فالجماهير التي خرجت الى الشوارع تنادي باسقاط الانظمة، قد ادركت انه لا يمكن لها ان تحيى وتعيش بكرامة في ظل هذه الانظمة، اذن، ما يحدث رغم التآمر عليه من الداخل والخارج، هو توق الجماهير إلى التحرر من الاستبداد وللعدالة الاجتماعية.
وهذا هو، جوهر المشروع القومي فهو مشروع تحرري في مواجهة الاستعمار، مشروع ديمقراطي في مواجهة الاستبداد، ومشروع عدالة اجتماعية في مواجهة الاستغلال.
اذن المشكل ليس في المشروع القومي بل المشكل في القوميين الذين يجب ان يدركوا أنّ هناك دورا موضوعيّا يدعوهم إلى يقوموا به، حماية لما تحقق ووقوفا ضد كل محاولات التآمل الخارجي والداخلي.
 لم يبك شعب زعيمه غير القوميين عند رحيل جمال عبد الناصر ، فهل عدم إنجاب زعيم بحجمه اليوم يفسر باستمرار البكاء عليه؟
الحركة القومية في الوطن العربي لا تعبد شخص جمال عبد الناصر، فهي لا تعبد الا الله سبحانه وتعالى، ولكنها تستلهم من تجربة عبد الناصر افكارها ومشروعها.
فالمشروع الناصري، هو مشروع حضاري ومشروع تحديثي اصبحت الامة اليوم في حاجة اليه اكثر من الماضي، عبد الناصر شخص لن يتكرر لان التاريخ لا يعيد نفسه، ولكن افكاره ومشروعه مازالت قائمة وتثبت صحتها من يوم الى آخر.
 إذا نجحت التجربة الاشتراكية في غير تربتها، فهل ستنجح التجربة القومية في تونس حيث فشلت في الشرق العربي؟
أولا: فالتيار القومي في تونس هو ابن تربة هذه البلاد، فحتى قبل الناصرية، فان التيار العروبي كان موجودا في تونس وخاض صراعات ضد المستعمر الفرنسي وضد الخط الفرنكفوني المرتبط به من اجل عروبة تونس واسلامها.
ويكفي ان نذكر الشيخ عبد العزيز الثعالبي، والفاضل بن عاشور وصولا الى صالح بن يوسف والحركة اليوسفية عموما.
إذن، هذا التيار ليس«مستوردا» من الشرق العربي كما يحاول البعض ترويجه، بل انه ضارب في عمق تاريخ هذه البلاد رغم التعتيم الكبير على رموزه ونضالاته، والتيار القومي التقدمي في تونس اليوم، هو امتداد لهذا التاريخ وتطوير له.
وما يميزه ربما عن تجارب في الشرق العربي، انه اكثر انسجاما على المستويين الفكري والسياسي، مما يسهل الاندماج والتوحد ولعب دور نطمح الى ان يكون له تأثير في حركة التاريخ والمجتمع، وعلى التجربة القومية في الوطن العربي.
 تعقدون مؤتمرا موحدا يتزامن مع ذكرى اندماج مصر مع سوريا، ألا تخشون من إعادة إنتاج الفشل القومي؟
ان الوحدة بين مصر وسوريا في 22 فيفري 1958، هي أول وحدة عربية في تاريخ الامة سرعان ما تمكن الانفصاليون من الاجهاز عليها.
والدرس الذي استوعبه عبد الناصر وبعده القوميون من فشل هذه التجربة ان الوحدة العربية لا يمكن ان تنجزها انظمة ولو كان على رأسها قائد مثل عبد الناصر. الوحدة العربية مهمة انجازها ملقاة على جماهير الامة صاحبة المصلحة الحقيقية فيها.
لذلك، وبعد الانفصال وتحديدا سنة 1963، دعا عبد الناصر القوميين الى ضرورة بناء الحركة العربية الواحدة اي الحزب القومي القادر على بناء الوحدة العربية وتحرير الامة من الاستعمار وتحرير الانسان العربي من الاستبداد والاستعمار.
 فيما فشلت الحكومات في توحيد الشعوب العربية، هل تعتقدون أن هذا المشروع يمكن أن تنجزه الأدوات السياسية خارج الحكم؟
ان مشروعنا القومي، لا يمكن اختزاله في حزب، انه مشروع حضاري تثويري، الحزب المزمع بناؤه هو جزء منه.
زعيما الحركتين وجها لوجه:
محمد البراهمي: نسعى إلى تحقيق حلم إزالة الحدود السياسية؟
هل أنّ واقعات الوعي هي التي دفعتهم إلى التوحد أم أنّ واقعات الواقع هي التي فرضت عليكم الانسجام في هذه اللحظة التاريخية؟
إنّ الوعي مسألة مطلقة يصعب حصرها في حدود، غير أنّ معظم القوميين، وانطلاقا من معاناتهم في هذا الواقع المصنّف بالأليم، دفعهم إلى ضرورة خلق أداة سياسية تنسجم مع متطلّبات هذا الواقع الجيم سياسي، يخوضون بها ومن خلالها نضالهم اليومي بهدف تحقيق أهداف شعبهم وأهداف أمّتهم العربيّة، بمعنى العمل اليومي والدؤوب لحل المشاكل الحياتية التي يعيشها المواطن العربي في تونس والعمل بالتوازي لتحقيق حلم طالما راود المناضلين وهو ازالة الحدود السياسية بين الدول العربية بما يحقّق حرية المواطنين في سائر أقطار الوطن العربي من التنقل والاقامة والعمل والتملّك في وطنهم الواحد.
 ألا ترون معي أنّ كثرة عناصر الوحدة بين التيارات القومية، قد سقطت بالضربة القاضية أمام ندرة عناصر التشتّت والتشرذم؟
انّ سنوات المنع السياسي وحالة التصحّر التي فرضها النظام السابق في نسختيها البورقيبيّة والنوفمبرية وحرمان القوميين من فرصة التنظم والعمل السياسي كانت هي الأسباب الموضوعية والرئيسية التي انتجت مجموعات وتجارب متعدّدة ومختلفة.
ورغم بصمات القوميين خلال كلّ هذه المرحلة من الخمسينات إلى غاية تاريخ تهريب بن علي، ورغم اعداد الشهداء الذين جاد بهم التيار القومي والذين يتجاوز عددهم تسعين شهيدًا، الاّ أنّ التيار القومي قد حرم من فرصة اختبار تصوّراته لحل المشاكل الاجتماعية في تونس وحرم من بناء أداته السياسية التي يختبر من خلالها المجتمع هذه التصورات.
ونعتقد أنّ الساحة السياسية الآن تحتاج الى مساهمة هذا التيار المناضل العريق، خصوصا أنّ حالة استقطاب سياسي قائمة على ثنائية غير عقلانية وهي ثنائية الايمان وعدم الايمان التي يُحاول البعض أن يفرضها على مجتمعنا المسلم بطبعه والعربي بلا أي شك.
اذن فضرورات الواقع والوفاء لتضحيات الشهداء والرغبة في المساهمة بجدية وفاعلية في صياغة مستقبل شعبنا في تونس هي الدوافع الأساسية وراء الجهد النضالي الذي سيفضي باذن اللّه الى لمّ شمل القوميين في أداة سياسية واحدة.
 عفوًا لم تتطرّقوا إلى جملة الأسباب الموضوعية وراء حالة تشتتكم، فهل من توضيحات إضافية؟
انّ أي مشكل يجب أن يفهم بعمق حتى نستطيع أن نجد له الحلول المناسبة وحالة التشتّت التنظيمي للتيار القومي تحتاج إلى دراسة أسبابها الذاتية والموضوعية.
أمّا الأسباب الموضوعية فقد أشرت إليها أعلاه، وأمّا الأسباب الذاتية فهي عديدة ومن أهمّها تدنّي مستوى الانسجام السياسي رغم درجة الانسجام الفكري المرتفعة. ويعود ذلك إلى تعدّد التجارب التي سمحت بها الظروف خلال العهد السابق.
وكان للناصريين فرصة العمل في فترة من منتصف سبعينات القرن الماضي ضمن تجربة الطلبة العرب التقدميين الوحدويين التي استطاعت أن تفرّخ عددًا هائلا من المناضلين وجدوا في تجربتهم الموحدة امكانية أفضل لبناء حركة سياسية، الشيء الذي افتقدوه عندما حاولوا دفع الحوار مع غيرهم من مكوّنات التيار القومي عموما. بمعنى وحدة التجربة السياسية قد سهلت هذا التمشّي ولكنّها سوف تنفتح أكثر على التيار القومي خلال المراحل القادمة.
 لو توحد القوميون في قائمات انتخابية لفكّوا حالة التجاذب الثنائي داخل المجلس التأسيسي، فكيف ستتداركون مستقبلا هذه الفرصة التاريخية الضائعة؟
صحيح أنّ الشعب قد حرم من هذه الكتلة التاريخية التي تمنع من الاستقطاب الثنائي الذي تحدّثنا عنه سابقا، وصحيح أيضا أنّ القوميين قد أخفقوا خلال انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في التعبير عن قطاعات واسعة جدّا من المجتمع، ترفض التطرّف من ناحية اليمين أو من ناحية اليسار وصحيح كذلك أن لو خاض القوميون معركة الانتخابات في أداة سياسية واحدة لما كان المشهد السياسي على ماهو عليه اليوم.
ولكن وحدة القوميين مسألة استراتيجية ومبدئية قيل ذلك، بحيث حتى ولو لم يكن استحقاق الانتخابات مفروضا عليهم فلا مناص من وحدتهم في حزب سياسي يليق بتضحياتهم وبآمالهم.
 إذن، يعتبر الاستحقاق الانتخابي القادم هو العنصر الرئيس في مشروع توحيد الحركتين؟
هو صدقا، كان لنتائج الانتخابات أثرًا مهمّا في تصحيح بعض المفاهيم التي سيطرت على ذهنية القوميين خلال عهود الاستبداد ولكن، كما قلت مسألة بناء الحزب القومي المناضل في تونس كان سيحصل لأنّ تلك صيرورة حتمية، لن يقدر على الافلات منها هؤلاء المناضلين الذين أفنوا شبابهم من أجل أن يحققوا احدى أهدافهم في الواقع.
نعم كان لنتائج الانتخابات صدمتها الايجابية التي عجلت بانضاج الظروف وتسريع الخطى نحو هذا الهدف.
 لئن تميّز الطرح القومي بمدعمات موضوعية تنهض على وحدة الأرض واللغة والدين، فإنّ هذا الطرح ظلّ بمثابة الحلم بعيد المنال؟
نحن نحلم بمجد أمّة وسوف نبني هذا المجد، ونحن أعلم من غيرنا بدقة المرحلة وصعوبة المهمّة ولكن ذلك لا يثني عزائمنا وسوف نحقّق باذن اللّه ما أخفقت فيه الأنظمة التي حكمت باسم القومية، والتي تشكّل وعينا السياسي على رفضها والتنبؤ بفشلها لأنّها وان رفعت الراية القومية، فقد أخفقت في بناء الانسان بناء سليمًا، وأخفقت في توفير أسباب تجاوز الدول التي سجنت الجميع.
ففشل هذه الأنظمة، لا يمكن أن يحسب على الفكر القومي ولا على المشروع القومي، لأنّ هذا المشروع نراه الآن أكثر ضرورة من أي وقت مضى.
ففي الساحة هناك ثلاثة مشاريع كبرى تتنافس على السيطرة على المنطقة وهي المشروع التركي والمشروع الفارسي والمشروع العربي وأعتقد أنّ الأمّة العربية رغم كلّ المآسي التي لحقت بها قادرة على لعب دور تاريخي في هذا العصر، كما لعبت في الماضي دور تاريخي في الحضارة الانسانية.
 في المكان نجري الحوار بشارع جمال عبد الناصر وفي الزمان نستحضر ذكرى الوحدة بين مصر وسوريا، فما دلالات ذلك رمزيا وسياسيا وتاريخيا؟
قد تكون من حسن اختيار الصحافي ان نلتقي في يوم ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة وبشارع جمال عبد الناصر قائد هذه الوحدة.
وان كانت مصادفة، فأعتقد أنّ الفضل يعود إلى جريدة «الشعب» لسان حال الفئة الأكثر تطلعا إلى الاستفادة من ثروات أمّتها المجزّأة والفئة التي سوف تقود عمليّة التوحيد.
في هذا العصر، بعد ان أخفقت جميع الأنظمة التي حكمت باسم القومية ومن أجل الوحدة.
فكما كان للشغالين وللاتحاد العام التونسي للشغل دور رياديّ في تأطير ثورة 17 ديسمبر وحمايتها، سوف يكون لهم دورٌ رياديّ في تحقيق الوحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.