تعيش الحركة القومية الناصرية هذه الأيام على وقع الاستعدادات الحثيثة لعقد مؤتمرها التوحيدي في خطوة ليست بالجديدة من أجل توحيد الصف القومي الذي عانى من التشتت رغم رصيده النضالي على غرار عدة تيارات أخرى. السيد خالد الكريشي عن حركة الشعب المؤتمر التأسيسي الموحد للتيار القومي التقدمي تحدث ل«الشروق» عن آخر الاستعدادات لهذا المؤتمر وانتظارات العائلة القومية منه. لو تعطي للقراء فكرة عن تاريخ الحركة القومية في تونس قبل الثورة؟ تاريخ العمل القومي في تونس ممتد منذ خمسينات القرن الماضي بداية من التجربة اليوسفية ثم تجربة الطلبة العرب التقدميين الوحدويين والتجمع القومي العربي والوحدويين الناصريين بتونس كما وقعت عدة محاولات للم شمل القوميين وتوحيدهم في حزب واحد وموحد يعكس حجم وتضحيات القوميين في تونس وهذه المحاولات كانت تتم في السرية وبعيدا عن تدخل نظامي بورقيبة وبن علي الذي عمل على ضرب المشروع القومي بتأسيسه لحزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي وتعيين عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الدستوري عبد الرحمان التليلي أمينا عاما له. بماذا تفسر اتفاق بورقيبة وبن علي ضد القوميين ؟ نظام بورقيبة يكن عداء شخصيا للتيار القومي بحكم تكوينه الفرنكفوني المرتبط بالغرب ومنفذا لمشروعه في المنطقة العربية تصديا ومواجهة للمشروع القومي النهضوي العربي الذي حمل مشعله آنذاك الرئيس جمال عبد الناصر فكان يعتبر تونس أقرب إلى باريس وروما منه الى القاهرة والسودان ودمشق وبغداد إضافة الى أن القوميين بزعامة صالح بن يوسف قد وقفوا سدا منيعا أمام اتفاقية الاستقلال الداخلي سنة 1954 كما انههم بحكم مرجعيتهم الفكرية والسياسية يعادون الأنظمة الإقليمية المجسدة لجريمة التجزئة. بعد الثورة لم تعد هناك مبررات لتواصل غياب الحركة عن المشهد السياسي؟ كانت العملية صعبة ولم تكن هينة بالنسبة لتيار فكري سري شللي مقموع يتحول إلى حزب سياسي قد شابته في البداية أي بعد 14 جانفي 2011 عدة عثرات لأن تاريخ أكثر من نصف قرن من التشتت والسرية والاحتواء والتدجين الذي تعرض له التيار من الصعب جدا معالجته في أسابيع او أشهر خاصة مع عوامل ذاتية وموضوعية تتعلق بالبعد الاقليمي أمام مانعيشه من عصر «إسلامي» في ظل المد الذي تشهده الحركات الاسلامية الآن بعد ما شهده الوطن العربي من مد قومي في الخمسينات والستينات ومد شيوعي في السبعينات من القرن الماضي وكذلك تواصل نظام بن علي إلى اليوم بأجهزته الأمنية والقضائية والحزبية مما أثر على لم شمل القوميين في حزب واحد إلا أن ما لا يدرك كله لا يترك جله فتوصلنا والحمد لله إلى تأسيس حزبين قوميين ناصريين وتركيز هياكلهما وهما حركة الشعب وحركة الشعب الوحدوية التقدمية وخاض كل حزب منفردا انتخابات المجلس التأسيسي في كل الدوائر ورغم هذا التشتت والحصار الإعلامي وانعدام الإمكانيات المالية تمكنا من التمثل داخل المجلس التأسيسي بمقعدين لم تحصل عليهما احزاب تملك إمكانيات مالية مهولة ومفتوحة أمامها وسائل الإعلام والدعاية التي حرمنا منها. هناك أكثر من محاولة توحيدية ألا تخافون الفشل مجددا ؟ لا أنكر أولا أن النتائج التي حققناها في الانتخابات كان لها دور أساسي في دفع مسار التوحيد داخل العائلة القومية الناصرية وإن لم تكن حالة التشتت والتعدد التنظيمي هي السبب الوحيد للنتائج السلبية ومع ذلك تشبثنا بمسار التوحيد الذي بدأناه منذ 14 جانفي مع تجنب تكرار اخطاء الماضي وتوفير الضمانات الأساسية اللازمة لنجاح عملية التوحيد. وما هي هذه الضمانات ؟ أولا أعضاء المكتبين السياسيين لحركة الشعب وحركة الشعب الوحدوية التقدمية يقتصر دورهم على تصريف الشؤون اليومية لكل حزب على ان تشرف لجنة مستقلة على عملية التوحيد وقد انتقل أعضاؤها إلى الجهات وحاوروا الإخوة كما أن عملية التوحيد لن تتم كما وقع سابقا بل من القاعدة إلى القمة ومن الجهات إلى المركز مع استعداد المكتبين لحل نفسهما أو أحدهما لفائدة الحزب الموحد كما أن مسار التوحيد هو مسار ديمقراطي مفتوح لكل الأخوة القوميين في تونس دون إقصاء أواستثناء لأحد إلا من اقصى نفسه إضافة إلى أن المحاصصة ممنوعة وخط أحمر وبالتالي سيكون المؤتمر القادم ديمقراطيا ومفتوحا للجميع للمشاركة ترشحا وانتخابا طبقا لتقنيات اختيار المؤتمرين. هل هناك من أقصى نفسه من المشاركة معكم ؟ أولا أود التأكيد أن الأمر لا يخص حركة الشعب وحركة الشعب الوحدوية التقدمية بل يشمل كذلك كل الإخوة غير المنتمين ومن كانت لهم تجارب تنظيمية أخرى وحتى من كانوا غير قابلين بجدوى العمل السياسي الحزبي وما انعقاد المؤتمر تحت اسم حركة الشعب المؤتمر التأسيسي الموحد للتيار القومي إلا دليل على وحدة التيار التقدمي وحدة سياسية وفكرية في انتظار أن تكتمل الوحدة الحزبية في المؤتمر كما ان تكفل حركة الشعب بالتنظيم ليس إلا تطبيقا للأحكام القانونية للمرسوم المنظم للأحزاب السياسية وأدعو بالمناسبة كل الأخوة للقيام بدورهم التاريخي و المشاركة في المؤتمر التأسيسي الموحد دون إقصاء ونبذ كل الحساسيات والحزازيات وتغليب مصلحة التيار على أي مصلحة ذاتية ضيقة وهم مدعوون اليوم للعمل بدل الجدل العقيم. ألا يمكن اعتبار هذا المؤتمر التوحيدي آخر فرصة للقوميين؟ هذه ليست آخر فرصة لأن مؤتمر 24و25و26 فيفري وإن كان حدثا تاريخيا بالنسبة للقوميين فهو ليس المحطة الأخيرة وسنواصل العمل من أجل استكمال مسار التوحيد لأنه بالضرورة هذا المؤتمر لن يحوز على رضاء الجميع ونحن نجتهد حتى يكون مؤتمرا جامعا وسنواصل الحوار بعده مع كل من له تحفظات أو موانع للانخراط في المسار التوحيدي ثم التوجه نحو بقية الفصائل القومية الأخرى وخاصة البعثية وذلك حسب الاتفاق الضمني المسبق والقاضي بالبدء بالعائلات الناصرية ثم العائلة البعثية لتسهيل عملية التوحيد ولا نسقط في رد الفعل العاطفي لأن العملية صعبة وتتطلب مجهودا مضاعفا وعلميا خطوة بخطوة. ماذا عن الحزب الجديد وهل ستكون من بين أعضائه؟ بالنسبة لي قررت عدم الترشح لأي هيكل قيادي في المؤتمر القادم من منطلق فسح المجال لكل الطاقات للقيام بدورها وخاصة الشباب والمساهمة من الخارج قدر المستطاع في لم شمل بقية القوميين فشعاري في الحياة هو الموقف قبل الموقع دائما وبالنسبة لمداولات المؤتمر فاللجنة أعدت ورقات فكرية سيتم مناقشتها بما فيها إسم الحزب وبرامجه واختيار قادته وهياكله وتحديد ملامح التحالفات السياسية القادمة للحزب والاستعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة. هل سيشهد المؤتمر حضور ضيوف كبار؟ وجهنا الدعوة لمختلف الأحزاب القومية في الوطن العربي وعدة شخصيات مثل محمد عصمت سيف الدولة وحمدين صباحي المرشح المحتمل للرئاسية المصرية وعبد الحكيم جمال عبد الناصر وخالد السفياني من المغرب وأسامة سعد من لبنان وغسان بن جدو ... ومن تونس سنوجه الدعوة للرئيس المنصف المرزوقي ولرئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي وكل الأحزاب السياسية. هل سيساهم الحزب الجديد في استرجاع مكانة القوميين على الساحة ؟ بعد المؤتمر ستكون الانطلاقة الحقيقية للتيار القومي في الساحة السياسية خاصة في ظل الاستقطاب الثنائي بين الإسلاميين واليساريين لأن القوميين هم الطرف الوحيد الذي بإمكانه قيادة خط ثالث بينهما بحكم وسطيته واعتداله وتماس التقائه مع الإسلاميين واليساريين على نفس المسافة وأنا أدعوهم للكف عن سياسة تأجيج الاستقطاب الثنائي التي يفتعلونها للخوض في معارك انتخابية وتحقيق مكاسب سياسية أما على الأرض فالثورة لم تقم من اجل دولة دينية إسلامية او دولة علمانية. تشهد الساحة الحزبية موجة من التحالفات ماذا تقول عنها ؟ هي محاولة للخروج من الانفلات الحزبي الذي عشناه بعد الثورة وأفسد الحياة السياسية كما أفسدها بن علي بتأسيسه لأحزاب سميت زورا أحزاب معارضة وما نشهده اليوم من تكتلات هو عودة الرشد للسياسيين لأن الأحزاب تتأسس على أرضية عقائدية موحدة وبرنامج مستمد من أرضية فكرية واحدة ومن الطبيعي أن يكون اليوم في تونس 4 أحزاب كبرى تمثل التيار الليبرالي والتيار الإسلامي والتيار اليساري والتيار القومي. كيف تتصورون الطريقة التي يجب أن تدار بها المرحلة الحالية لتجنب حالة التوتر؟ نحن نعيش المرحلة الانتقالية الثانية بعد الانتخابات ولم نصل الى المرحلة الدائمة وهي مرحلة الشرعية الدستورية ومن سمات المرحلة الانتقالية عدم الاستقرار والضبابية وهي مرحلة تدار بالتوافق ولا تدار بمنطق الأقلية والأغلبية وبمنطق الفائز في الانتخابات وجماعة الصفر فاصل لأن الحكومة الحالية وإن كانت شرعية ومنتخبة فهي الحكومة الثانية للثورة ولا تكتسب مشروعية سياسية. ما هي الخطوط الكبرى للقوميين عند صياغة الدستور؟ سنسعى عبر ممثلينا في المجلس التأسيسي إلى سن دستور يعكس تطلعات شعبنا ويرتكز على خمسة مبادئ كبرى هي تجذير انتماء تونس إلى الأمة العربية والتنصيص على ذلك صراحة باعتبار تونس جزء من الأمة تعمل على وحدتها في نطاق المصلحة المشتركة وثانيا الهوية العربية الإسلامية باعتماد اللغة العربية لغة رسمية وحيدة لتونس وتبني سياسة التعريب في مختلف الاختصاصات ومراحل التدريس والادارات وتجريم كل من يعتدي على الهوية كاستنقاص من اللغة أو الاستهزاء منها أو الدعوة لاستعمال لغة أخرى مكانها وثالثا تجريم التطبيع مع العدو الصهيوني بمختلف أشكاله واعتباره من قبيل الخيانة العظمى ورابعا تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الجهوية العادلة ضمن قطاع عمومي قوي وحيوي مع تشجيع المبادرة الخاصة وأخيرا وخامسا تبني خيار الدولة المدنية الحديثة التي تحترم كل الحريات مع التنصيص على أن القوانين لها دور وحيد وهو تسهيل ممارسة القوانين لا التقييد عليها لان دستور 1956 منح كل هذه الحقوق بيد وسحبها بيد أخرى عبر القوانين المنظمة لها لأن الفصول كانت تنص على أن الحقوق تمارس حسب ما يضبطه القانون ولذلك لا بد من وجود محكمة دستورية لمراقبة تطبيق بنود الدستور.