النقابة العامة للضمان الاجتماعي اعتمدت تونس على الطريقة التوزيعية في صياغة أنظمة الضمان الاجتماعي وذلك لإرساء عنصر التضامن بين الأجيال حيث تمول مساهمات النشطين جرايات المتقاعدين وذوي الحق منهم و توفر هذه الأنظمة التوزيعية لمنخر طيها جرايات معتبرة تمكنهم في غالب الأحيان من المحافظة على طاقتهم الشرائية دون الأخذ بعين الاعتبار لتطور مؤمل الحياة عند سن الإحالة على التقاعد وهو المؤشر الذي يمثل المدة التي ينتفع بها المتقاعد بجرايته. غير أن احتساب الجرايات في إطار هذه الأنظمة على أساس الأقدمية المهنية والأجر المرجعي بدون الاعتماد على مساهمات المنخرطين طيلة سنوات عملهم يجعل التحكم في التوازنات المالية لهذه الأخيرة صعبا بسب تأثرها بعدة عناصر مثل : • تدهور المؤشر الديمغرافي حيث أن عدد المنتفعين يزيد بنسق يتجاوز نسبة تطور عدد المساهمين • تقلص حجم الاستثمارات بسبب انخفاض الاحتياطات المتوفرة حيث أصبحت شبه مفقودة في القطاع العمومي ولا تغطي الا جزء بسيط من التزامات أنظمة القطاع الخاص • تدعيم عملية التسريح لأسباب اقتصادية أو فنية. • ارتفاع عدد المحالين على التقاعد المبكر وهو ما يخلق نفقات إضافية تتحملها الصناديق. • ارتفاع مؤمل الحياة عند سن 60 سنة من20,4 إلى 22,2 سنة خلال الفترة الممتدة من سنة 2000 إلى سنة 2010 بالنسبة للذكور و من 25,6 إلى 27,2 سنة بالنسبة للإناث خلال نفس الفترة. • ظاهرة التهرب من دفع المساهمات والتصريح الحقيقي للأجور في القطاع الخاص. • ظاهرة التهرب من دفع المساهمات والتصريح الحقيقي للأجور في القطاع الخاص. وانطلاقا من حرص كل الفاعلين في قطاع الضمان الاجتماعي على إيجاد توازنا ماليا لأنظمة التقاعد وضمان استمراريتها للأجيال القادمة فقد أقروا منذ التسعينات العديد من الإجراءات الرامية إلى المحافظة على ديمومة الأنظمة نذكر من بينها : • الترفيع في نسب الاشتراك بعنوان نظام التقاعد في القطاع العمومي ب 2,2 % سنة 1994. • تحويل 2 %من فرع المنا فع العائلية لنظام الأجراء في القطاع الخاص غير ألفلاحي إلى فرع التقاعد مع زيادة نسبة الاشتراك على كاهل الأجير ب 1,5 % سنة 1994. • الترفيع في جويلية 2002 في اشتراكات نظام القطاع العمومي ب 2,5 %. • تحويل 1%من فرع المنافع العائلية لنظام الأجراء في القطاع الخاص غير ألفلاحي إلى فرع التقاعد سنة 2003. • الترفيع في نسبة المساهمات بعنوان نظام التقاعد في القطاع العمومي ب 3 %بداية من سنة 2007. • الترفيع في نسبة المساهمات بعنوان نظام التقاعد في القطاع العمومي ب 1 %بداية من جويلية 2011 على كاهل المؤجر. إلا أن فاعلية هذه الإجراءات والتي في معظمها اختصرت على الترفيع في نسب المساهمات كانت محدودة زمنيا فتسجيل النتائج الايجابية لا يستمر إلا لمدة قصيرة ثم سرعان ما يدخل النظام لمرحلة العجز من جديد. انطلاقا من هذه الوضعية فانه أصبح من الضروري التفكير بكل جدية في البحث عن طرق التمويل الناجعة وذلك لإعادة التوازن المالي لهذه الأنظمة والمحافظة عليها وضمان عدم تدهور الطاقة الشرائية للمضمونين الاجتماعيين وعدم تقلص مستوى منافسة المؤسسات. تجدر الإشارة إلى انه في ظل الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة وانطلاقا من ارتفاع نسب مساهمات أنظمة التقاعد من جراء الزيادات التي تكررت في عهد النظام السابق حيث بلغت هذه النسب 20,7 % في القطاع العمومي و12,5% في القطاع الخاص بالنسبة لنظام الجراء في القطاع غير فلاحي سنة 2011 ، ومن ارتفاع نسبة التضخم التي بلغت في جانفي 2012 ما يناهز5,1% ، أصبح طرح فرضية الزيادة في نسبة المساهمات أمرا يصعب تحقيقه خاصة إذا ما ركزنا على الانعكاسات السلبية لهذه الزيادات التي تم ذكرها سالفا. كيفية الاستعداد لمجابهة العجز المالي لهذه الأنظمة. ان الصعوبات التي تواجهها أنظمة التقاعد في تونس تستوجب من القائمين على القطاع إيجاد حلول بديلة وآليات تمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل النظام ألتوزيعي على غرار ما قامت به بعض الدول التي اختارت نفس هذا النوع من الأنظمة مثل فرنسا التي اعتمدت على عدة إجراءات نذكر من أهمها : - بعث آلية تسمى ( المساهمات الاجتماعية العامة ) CSG (contribution sociale généralisée) سنة 1991 في عهد الوزير السابق M. Rocard وتتكون موارده من المحجوزات على الأجور والمنح والجرايات......يمول التغطية الصحية والمنح العائلية وصندوق التضامن للشيخوخة (FSV : Fonds de solidarité vieillesse)) الذي تم بعثه سنة 1994 لتغطية عدة نفقات كالجراية الدنيا. - بعث صندوق احتياط التقاعد ( FRR= Fonds de réserve de retraite)سنة 1999 يتمثل دوره في تكوين احتياط لتدعيم تمويل الأنظمة خلال الفترة الممتدة من سنة 2020 إلى 2040 ونظرا إلى العجز الذي تعرضت له أنظمة التقاعد وفي انتظار إعادة توازناتهم المالية خلال سنة 2018 حسب توقعات دراساتهم الاستشرافية المنجزة سنة 2010 فقد تكفل هذا الصندوق بتغطية عجز هذه الأنظمة طيلة الفترة ( 2010 - 2018). كما لايفوتنا ودائما حسب التجربة الفرنسية التذكير بالنقاشات التي تدور حاليا بين الحكومة والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني حول تدعيم طرق التمويل الحالية بواسطة الترفيع ب 1,6 %من الرسم على القيمة المضافة TVA . ويعتبر الرسم على القيمة المضافة نوعا من الضرائب غير المباشرة وقد تكبر حصيلته في حالة الانتعاش الاقتصادي وتدني نسبة البطالة وإقبال المواطنين على الاستهلاك بصفة ملحوظة و ينعكس كل ارتفاع في الرسم على القيمة المضافة سلبا على الطاقة الشرائية للمستهلكين نظرا لأن أعباء هذا الأخير يتحملها المستهلك بسبب دمجها في سعر الاستهلاك. تستنتج من خلال التجربة الفرنسية أن إصلاحات الضمان الاجتماعي تبقى مستمرة خاصة بالنسبة للأنظمة التوزيعية ذات المنافع المحددة والتي تخضع توازناتها المالية إلى توفر عنصر مهمّ يتمثل في التشغيل. أن الإصلاحات التي تم اتخاذها في الفترة السابقة في بلادنا كانت ترقيعية واقتصرت في مجملها على الزيادة في نسبة المساهمات وهو ما يفسر تواصل العجز المالي لأنظمة التقاعد . لقد تدهور المؤشر الديمغرافي في الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنسبة لنظام الأجراء غير ألفلاحي من جراء النسق الضعيف للتشغيل رغم تحقيق نسبة نمو قدرت ب 5 % خلال عدة سنوات علما أن نسبة 1 %من النمو تشغل أكثر من 16000 عامل وهو ما يمكن الصناديق الاجتماعية من الحصول على مزيد من الموارد يمكن بفضلها إعادة التوازن المالي للأنظمة او في أدنى الحالات التقليص من مستوى العجز. كيفية تمويل أنظمة التقاعد في تونس لقد بات من الضروري إيجاد حلول تمويلية لأنظمة التقاعد في تونس والتي يمكن توزيعها الى حلول عاجلة وأكيدة وحلول آجلة. الحلول العاجلة : - تخصيص نسبة مئوية من الأموال المنهوبة والأموال المتأتية من بيع العقارات المنقولة وغير المنقولة التي كانت على ملك أصهار الرئيس السابق لتمويل أنظمة الضمان الاجتماعي. - إعداد القوانين الضرورية لبيع الشركات المصادرة مع تخصيص جزء من هذه الأموال لتمويل أنظمة الضمان الاجتماعي. - إعداد القوانين الضرورية لتحويل 25 %من رأس مال شركة «تونيزيانا» والتي وقعت مصادرتها من قبل الحكومة على ملكية الصناديق. - فرض ضرائب على الكحول والتدخين والكماليات المرتفعة الأثمان وألعاب الحظ والمضاربة والإشهار. - تخصيص نسبة مئوية من مدا خيل القطاع البنكي المتأتية من العمليات المالية لتمويل أنظمة التقاعد . الحلول الآجلة : - إعداد خطة لإصلاح هيكلي لأنظمة التقاعد في القطاعين العمومي والخاص بما يمكن هذه الأنظمة من الإيفاء بالتزاماتها إزاء منظوريها على المدى البعيد. - بعث صندوق ( Fonds) يمول من قبل الجباية بعد إصلاحها لتكوين احتياطات مالية للصناديق يساوي حجمها مرتين متوسط النفقات المنجزة خلال الثلاث السنوات الأخيرة مع تكليف فريق من الخبراء الماليين لإدارة عملية استثمار احتياطات هذا لصندوق بطريقة ناجعة وفعالة اعتمادا على تشريع جريء في ما يتعلق بالاستثمار. - تكليف هذا الصندوق بتغطية منحة الشيخوخة والجراية الدنيا وبتغطية كل عجز محتمل لأنظمة التقاعد على غرار FSV. - توقف العمل بمقتضيات القوانين التي أرست إعفاء بعض المؤسسات الاقتصادية من دفع المساهمات بعنوان الضمان الاجتماعي المحمولة على كاهلهم .