كم عدد الأصابع التي احترقت شموعا لتضيء الدروب.. كم من حبر سال لملء جغرافية الوطن تربيعا وتكعيبا.. كم من دخان تحوّل الى أعمدة وبراكين.. كم من شعاع يوم جديد بددته الحيطان والحديد.. كم هم الذين رحلوا عنّا وما عادوا.. كم هم الذين تعطّل في صدورهم أكسجين الحرية ولم يموتوا كمدا... ههنا تستوقفنا حواجز التكرار الكمي رغم أنّ تأشيراتها لا تلغي النوعي.. لنقف أجلالا لمن رحل.. لمن صمد.. لمن صدق وتقديسا للحمام، لريشها الذي تحوّل إلى أقلام... خمسين شمعة أطفأتها الشعب.. لكن الإقحوانة الحمراء ظلّت مزهرة رغم الريح وندرة الندى على سياجات الموانع والمواجع تدلت وعلى دم حشاد نامت حالمة بشعاع فجر جديد. هي «الشعب» ان قلبت حروفها أو غيّرت نقاطها انقلبت عليك المكائد وطوقتك الأناشيد والأغاني.. فللاتحاد ألحان وللعمّال تاريخ ومعاني... ان قشرّت من الأفواه بسمة تسقط من العيون دمعة.. وان جففت من القلم حبرا يصير دم وشاحا.. وان جذبت خيطا أحرقت ابرة كوم التبن.. فيا سائر في دروب الشعب صديقا لك الشجر والحجر والبحر ولهم الحفر والصخر وبعضا من العبر فأمضي بلا تردد ان العواء قد ضاع صداه في الشُعُب.. فالمكارم وحدها تعانق شعاع الأفق خمسين شمعة أطفأتها الشعب أو تكاد من زمن الحرية رفرفت أجنحة الورق عاليا في السماء لتكتب ملحمة الأرواح الخالدة بهلال رمضان ونجمة القطب البعيد... ياوطن واحد والخمسين بالقلم كان لك الزمان والمكان والحدث والبيان، فانهض مصغيا اليوم لشعب عزفت نبضاته قلبه هوى وصبّا ولخلودك ودّعت الزغاريد أفراحها وشجاها تناثرت خلفها الأجساد سمادً أرض تصدّعت من فوقها الجبال من وجع حلم كلّ مدا وردة تنبت من مفاصلها لملأ شذاها أنوف الشامخين أبدا... شعب صوته لايزال أحداثا وأخبارا بين عقارب الزمان مرجعا وعنوانا.. فمن قبل الخمسين كان الحامي والقناوي ومن بعدهما غطّت الغابة اثر الدماء.. وتغيير موقع الجرمة النكراء إلى منتزه يُغرّد الطير لحن الحياة في صبحه المساء. كم حلمنا بموقع بين الفسحة الممكنة يربط بين ايقاعات ساعة «العهد الجديد» وتمثال ابن خلدون لشهيد حشد أمنياته للفناء والوفاء نحتته ترانيم الحياة ووشحته عواطف الكلمات في ثنايا الذاكرة «أحبّك يا شعب». «الشعب» لاتزال لسانا عربيا ينطلق من هدى الوطن ويفزع من وجع الكادحين ويشرب من عيون الملح التي لا تنضب ينابيعها، فجلود العاملين تعتصر ليونا للبلد والبلد الآن يحتفل بالواحد والخمسين لإستقلاله والشعب تمضي دائما نحو الأفق بالقرطاس والقلم بعد أن نامت سنة واحدة قبل أن يولد حرّا.. هو ذا البلد.. وبكل تأكيد هي ذا الشعب...