انعقدت ندوة وطنية حول إصلاح قطاع الصحة بتونس وذلك بإشراف رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي وحضور وزير الصحة عبد اللطيف المكّي وعدد من المهتمين بالشأن الصحي في تونس وكان حضر هذه الندوة الأخ حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل الذي ألقى كلمة جاء فيها بالخصوص: ان قضية الصحة قضية وطنية على غاية من الأهمية وهي شأن وطني يجب أن يخوض فيه المواطنون والجمعيات والمنظمات والأحزاب والمؤسسات على طاولة الحوار. وان الاتحاد العام التونسي للشغل هو احد الأطراف الرئيسية في هذا الحوار وقد سبق أن قدم مقترحات ومشاريع في السابق وهو اليوم مصرّ أكثر من أي وقت مضى على لعب دوره الوطني في المساهمة في وضع السياسات الصحية وفي اصلاح قطاع الصحة وينظر بتوجّس الى رغبة البعض في تغييبه عن هذا الدور التشاركي . ولما كانت قضية اصلاح قطاع الصحة قضية وطنية فانه من الضروري تشريك كل الأطراف في ذلك دعم اتخاذ اجراءات أحادية خاصة في العناصر الجوهرية مثلما هو الشأن بالنسبة الى « هيئة الاعتماد الصحّي » التي غابت فيها استشارة الأطراف الاجتماعية ولقيت اعتراضا من عمادة الاطباء خاصة أنها مشروع يرجع الى سنة 2010. كما أن اصلاح المنظومة الصحية في حاجة الى موارد مالية والى شركاء ونحن ننتهز فرصة انطلاقة هذا الحوار الوطني حول السياسات والاستراتيجيات والمخططات الوطنية للصحة لنؤكد على ضرورة استشارة الأطراف الاجتماعية ، ونحن جزء منها في أي تفاوض مع شركائنا سواء من البلدان أو من المؤسسات المالية العالمية ، وندعو الى القطع مع كان يحفّ بهذه المفاوضات من سرّية وغموض ، تأكيدا على مبد أي ضمان الشفافية وحق النفاذ الى المعلومة وبعيدا عما كان يفرض على بلادنا من شروط مجحفة والتزامات مذلّة . ان الخدمة الصحية العمومية هي خدمة اجتماعية لا تخضع الى منطق الربح والخسارة والى السلعنة فأوسع الفئات الاجتماعية تتجه صوبها وتستفيد من خدماتها وخاصة منهم ضعاف ومتوسطو الدخل ، واذا كان هناك خلل مالي فيجب معالجته ، بعد تحديد سياسة صحية شعبية ، بالحاكمة الرشيدة عبر حسن التخطيط والتصرف والمراقبة ، وبتعميم التغطية الاجتماعية على كل المواطنين . ان واقع الصحة في تونس اليوم يبعث على الانشغال ان لم نقل على الفزع ، وهي صحة تسير بسرعات متفاوتة حتى وجدنا التونسيين غير متساوين أمام المرض ، الى جانب اللاتكافؤ بين الجهات الداخلية والجهات الساحلية وبين القطاع الخاص والقطاع العام لان المشكل ظل مشكل سياسات وخيارات بالأساس لا مشكل امكانيات فحسب ، لذا لابدّ من سياسة صحية عادلة تحفظ كرامة المواطن وتكفل له العلاج والمتابعة وتؤمن له الحياة دون أن تثقل كاهله بالأعباء الاضافية مقابل ذلك . وبما أن أكثر من 70% من التونسيين يجدون في المستشفى العمومي ضالتهم ومقصدهم فقد وجبت العناية بهذا المرفق العمومي الذي يعيش وضعا متردّيا على جميع الأصعدة سواء منها النقص في الموارد البشرية أو في التجهيزات او في البنية التحتية أو في التأطير. ان تحديد سياسة صحية ناجحة مستدامة يفترض التخطيط الاستراتيجي بعيدا عن الحلول الترقيعية والاجراءات الارتجالية ونهج المغامرات. ويجب أن يقوم كل ذلك على مبدأ اعتبار الخدمة الصحية حق دستوري يكون فيها المواطنون متساوين أمام المرض. وعليه لابد من تأهيل الخارطة الصحية وتأهيل المستشفيات، ادارة وتسييرا وتجهيزا ، واعتماد معايير مرجعية يقع الاتفاق عليها مع الأطراف الاجتماعية حول الموارد البشرية والخدمات والمواصفات والتقييم باعتبار المؤسسة العمومية مرجعا للخدمة الصحية وللتكوين والبحث العلمي حظي كما ينبغي اعادة التوازن في العلاقة بين القطاع العام والقطاع الخاص هذا الأخير الذي حظى بالدعم الكبير وتضخّم دون أن يكون قادرا على أداء مهامه وخاصة بالنسبة إلى لصحة الاجتماعية ، في حين تم تهميش القطاع العام الى درجة أننا أصبحنا متخوفين من الهجرة الجماعية للكفاءات خاصة بعد تفقير المؤسسة الصحية العمومية. اذا تحدّثنا عن اصلاح المنظومة الصحية، فانه لزام علينا أن نتحدث عن وضع عمودها الفقري ألا وهو اطاراتها وأعوانها ، وذلك باعادة الاعتبار إليهم عبر تثمين جهودهم وتحسين ظروفهم المادية والمعنوية والارتقاء بظروف عملهم ، وهم الذين اثبتوا جدارتهم وكفاءتهم وطنيا وعالميا ، وقدّموا التضحيات الجسام عبر عقود من البذل والعطاء وخاصة في سنتي الثورة الأخيرتين رغم ما يتعرضون له من اعتداءات وتشويهات وضغوطات . ونحن نتحدث عن اصلاح المنظومة الصحية وجب أيضا أن نكبر كفاءة مؤسساتنا الجامعية التونسية العمومية المختصة والتي استطاعت ان تنتج أرقى الكفاءات وأجود الباحثين والمؤطرين، وقد حان الوقت الى دعم هذه المؤسسات العمومية وتطويرها لتبقى المصدر الوحيد لكل تكوين علمي وميداني طبي وشبه طبي ، وكضامن وحيد من حيث المعايير والمرجعيات ، لصحة شعبية ذات جودة عالية وأداء كفء ضمن مبدأ عام ألا وهو دعم المرفق العمومي وتطويره لأنه الأقدر على احتكار الخدمة الاجتماعية. وفي الأخير نتمنى ان تكون هذه الانطلاقة موفقة من أجل عمل تشاركي دائم بين جميع الأطراف لصالح المواطن ... ومن أجل صحة للجميع ... ومن أجل تونس .