في ظلّ ما يشهده القطاع البنكي والمالي من تطوّرات ومستجدّات بالغة الأهميّة وردت علينا من الجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية هذه التوضيحات التالية: يشهد القطاع البنكي والمالي، منذ فترة، تطوّرات ومستجدّات قد تكون لها آثار بالغة الأهميّة لا فقط على مستوى ضمان سلامة ونجاعة تمويل الاقتصاد الوطني ودفع التنمية الجهوية وخلق مواطن الشغل، بل وحتى على مستوى الحفاظ على مكاسبنا الاجتماعية والاقتصادية. والجامعة العامة إذ تثمّن الدور التاريخي الذي قام به النظام البنكي، من القطاعين العمومي والخاص على حدّ السواء، في تمويل ودفع الاقتصاد التونسي برغم العراقيل والتناقضات المرتبطة بالخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي حتمها منوال التنمية على مرّ أكثر من خمسة عقود، فإنّها ترفض أن يقع التلاعب، بأي شكل ومهما كانت الدوافع السياسيّة، بإحدى أهمّ ركائز السيادة الوطنية. وقد مثّل التردّد والضبابيّة في تصريحات سلطات الاشراف والرقابة حول سلامة الأسس المالية والنجاعة الاقتصادية للبنوك التونسية إلى حدّ التضارب خاصّة خلال فترة تغيير محافظ البنك المركزي والجدل حول محدّدات السياسيّة النقدية، ثمّ مع تخفيض بعض المؤسسات الخارجية للترقيم السيادي، ثمّ تراجع التصنيف الإنتمائي للبنوك التونسية وما رافقها من جدل حول سيولة البنوك، وحجم القروض المصنّفة، وإعلان طلبات عروض دولية للقيام بتدقيق شامل لثلاثة بنوك عموميّة كبرى والبنك المركزي التونسي والتسرّع في التفويت في الممتلكات المصادرة بما يهدّد الثروة الوطنية. لقد طالبنا ولازلنا نتمسّك بفتح ملفات الفساد والتتبع القضائي لكلّ من تورّط في منظومة الفساد الاداري والمالي والاقتصادي التي شكّلت إحدى أهمّ العوائق للإرتقاء بالنظام البنكي والمالي، من التّفويت في العديد من المؤسسات للعائلة الحاكمة، إلى شطب ديون رجال الأعمال المتنفذين، إلى تحويل موارد التمويل من الجهات المحرومة إلى مشاريع تبييض الأموال... وما خفي قد يكون أعظم. فلماذا تتجاهل سلطات الاشراف والرقابة البنكيّة، حكومة ومحافظة البنك المركزي وغيرهم، التتبع القضائي الفعلي للفاسدين من رجال الأعمال والمسيّرين السابقين منهم والحاليين؟ وماهي دلالات الرسائل المتناقضة حول سلامة الأسس المالية للبنوك التونسية؟ وماهي خفايا ومخاطر تقديم كافة المعطيات المالية والتجارية الخاصة بالبنوك لجهات خارجية؟ وماهي الغايات من التسريبات حول دمج والتفويت في بعض البنوك العموميّة؟ وأين نحن سائرون بالقطاع البنكي بهكذا ضابيّة وإنعدام استراتيجية واضحة لتطوير حوكمة وتنمية النظام البنكي والمالي بتونس؟ إنّ الجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية: 1) تجدّد دعوة الحكومة والبنك المركزي لفتح ملفات الفساد بالقطاع البنكي ومقاضاة المسؤولين المورّطين في منظومة الفساد الإداري والمالي. 2) تنبّه كافة الأطراف الاجتماعية، من سلطات أعراف وإ شراف ورقابة، إلى عدم الزجّ بالقطاع البنكي في التجاذبات السياسيّة والحزبية لما لذلك من تأثير مباشر، لا على سلامة حسن سير النظام البنكي فقط، بل وأيضا على جميع قطاعات الاقتصاد الوطني ككلّ. 3) تدعو سلطات الإشراف لمراجعة النظر في طلب العروض الدولي الخاص بتقديم كافة المعطيات المالية والتجارية للبنوك العموميّة الثلاثة الكبرى أي ما يزيد عن نصف الأصول البنكيّة التونسيّة والبنك المركزي التونسي تحت عنوان «القيام بمهمّة تدقيق شامل» والتنبّه لمقتضيات الحفاظ عن الأمن المالي والاقتصادي الوطني المرتبط بالتّفريط في المعطيات الخاصة بجميع الحرفاء والقطاعات الاقتصادية لجهات خارجية. 4) تحذّر سلطة الاشراف من الإنجرار أو الجرّ، تحت أيّ غطاء وأيّ مبرّرات، نحو أي مشروع يؤدّي للتّفويت في أيّ من البنوك العموميّة وتدعو الحكومة لتقديم برنامجها لإصلاح القطاع البنكي والمالي والتقيّد علنا وبشكل صريح أنّه لا مجال للتفويت في البنوك والمؤسسات المالية العمومية. 5) تعتزم تنظيم ندوة وطنية حول واقع وآفاق تطوير القطاع البنكي والمالي بتونس، سينشطها أساتذة وخبراء وطنيون، وذلك إسهامًا منها في بلورة تصوّر تقدّمي لإرساء آليات الحوكمة العصريّة ودفع دور القطاع في التنمية المتوازنة والتشغيل.