بعد ان أصابوهم في أبصارهم قالوا لهم «إن العمى منظر قبيح» فأجابوهم «لفقدانكم يهون، وأضافوا واللّه ما في تونس غيركم تأسى لرؤيته العيون». ستون عاما والجبال والسهول تئن تحت وطأة السياسات التنموية المتعاقبة بفشلها على اقليم الشمال الغربي عامة وعلى سليانة خاصة.. إلى ان ولد من رحم أرض الخيرات جيل من الشباب صنع ربيع الثورات العربية، وتفتحت عيونه على رغبة جامحة في تغيير واقعهم المر آخذ في التعقيد دون توقف، من حيث ارتفاع نسب الاميّة... الفقر والتهميش، العطالة وتراجع معدّلات الفقر... انعدام التنمية وانقطاع الطرق السالكة نحو مستقبل أفضل... هذه العيون المشعة بنورها على الهضاب والشعاب، توجهت اليها قوات الامن المستقدمة من أماكن تعلمها خفافيش الظلام ببنادق واعيرة نارية لتطمسها وتفقأها حتى لا ترى عورة الساسة اصحاب اللحي المتدلية والجلابيب المنتفخة والنفوس المسكونة بالكراهية والحقد الدفينين. زرناهم في بيوتهم المتداعية وفي المستشفيات المكتظة وعلى أسرتهم البيضاء ولدت هذه الشهادات. عمى دماء، خصي وأضلع مكسرة محمّد المكي: شاب بلغ من العمر 37 سنة كان بصدد حلق ذقنه، فإذا به يصاب في صدره وعلى رجليه وفي عينه، فأجريت عليه عملية جراحية على مستوى الجمجمة، وعندما خرج من المستشفى والتقى به أحد المراسلين ل France24 يتعرض ثانية إلى اصابة بساقه. محمد المكي يدعو الاستاذ فتحي العيوني إلى التمسك برفع قضية عدلية ضد شباب سليانة الذين فقدوا ابصارهم، ويسأل «الشيخ» العجوز الحبيب اللوز عن مصير الاموال التي تحدث عنها وعن الحافلات التي جلبتهم إلى ساحات الاحتجاج وعن نساء سليانة اللائي وقع الحط من كرامتهن... محمد يسأل الرجلين ألهذا الحدّ يمكن لشباب سليانة ان يبيع ذمته وشرفه. حلمي بودريقة: شاب يبلغ من العمر 21 ربيعا، اصيب بثلاث رصاصات، لم تنزع منها الا اثنتان، كان ذلك مساء الاربعاء الماضي عندما همّ بالخروج من المصنع الواقع بالحي الصناعي بلسيانة. علي بودريقة: متزوج وأب لطفل، عندما كان في طريقة إلى الحقل لجمع الزيتون، رموه بقنبلة مسيلة للدموع وعندما سقط مغشيا عليه دهسوه بالسيارة واصابوا رجله التي اجريت عليها عملية جراحية وهو يخضع اليوم إلى راحة مؤلمة ستدوم حوالي نصف عام. مختار بودريقة: متزوج وأب لثلاثة أطفال لم يكفه نكد الدنيا حتى زادته قوات الامن القادمة من خارج الولاية ألما على ألم. سفيان جابالله: يبلغ من العمر 37 خريفا متزوج وأب لطفلين، هشموا أضلعه وكسروا يده وركبته، لانه كان عائدًا من العمل وبيديه علبتا حليب اقتناهما بالسعر الجديد الذي «عدّله» وزير الفلاحة محمد بن سالم مؤخرًا وبعد ان انهالوا عليه ضربا ورفسا أخذوه بعيدًا عن أعين المراقبين كاميرات الصحافيين، هناك في دهاليز منطقة الامن، وعندما اسدل الليل ستاره رموه«كالكلب» على قارعة الطريق. عبد الواحد البراري: المولود سنة 1958 من جيل الاستقلال اب لاربعة ابناء محمد 28 سنة، علي 24 سنة، هاني 21 سنة وحمدي 16 سنة، جميعهم بفضل حكومة الترويكا عاطلون عن العمل وبفضل التدخل الوحشي اصيب هاني في عينيه وحمدي رشوا جسده بالرش واصابوا عينه التي فقدت البصر نهائيا. هذا الأب يتساءل لماذا رفض الوالي «المخلوع» مقابلته في اربع مناسبات كما يسأل: لو كان هؤلاء الشباب من أبناء الجبالي او العريض، هل يمكن لقوات الامن ان تلحق بهم الاذية؟. محرز المرداسي: البالغ من العمر 57 سنة كان أمام داره يرقب بفزع شديد ما تتعرض اليه المدينة من قمع وبطش فما كان منهم إلاّ أن رشوه رشا فظيعا في كامل جسده حتى لا يكون أحد الشهود ضدّهم. محمد الأمين عطيّة: صاحب ال 20 ربيعا والطالب بشعبة الميكانيك، وقع رشه بالغاز وبالرش، ثم انهالوا عليه ضربا وشتما. بشير العامري: يبلغ من العمر 22 سنة، لما كان عائدًا من عمله ومارًّا بالطريق العام فوجئ برش رجليه ويديه وعينيه. عادل بن أحمد: البالغ من العمر 38 سنة متزوج واب لثلاثة أطفال، عندما قصد دار الثقافة، قدموا له آخر الاعمال الابداعية من رش على جنبيه واصابة عينيه اليمنى. عمر العاني: البالغ من العمر 37 سنة متزوج وأب لطفلين، اقتحموا مقر عمله بمستودع الشركة الجهوية للنقل ليرشوا عينيه ويكسروا رجله اليمنى، ثم يحدّدوا نسله باعمال شنيعة يندى لها الجبين ويستحي العاقل من ذكر تفاصيل ما اصاب ذكورته!! حسام بين حمادي: البالغ من العمر 22 سنة، ولانه صاحب امتياز باشتغاله ضمن الحظائر، قدموا له مكافأة تمثلت في كسر كتفه ورجله اليسرى ولما فقد القدرة على السير نحو المستشفى لتلقي العلاج دهسوه بالسيارة. السيدة ابتسام المحواشي: البالغة من العمر 38 سنة وام لبنتين، تمت مواجهتها بالغاز المسيل للدموع ورش صدرها وفي انتظار ان تعود الدماء الى سريانها في شرايين صدرها، ستجرى عليها عملية جراحية دقيقة. وليد الجندوبي: البالغ من العمر 27 سنة والمتزوج حديثا انهال عليه 17 شرطيا بالضرب والرفس وبعد ان قطعوا الكهرباء على حيه، ادخلوا عصيهم في دبره واصابوه في خصيتيه حتى لا يؤمن بالمال والبنين زينة الحياة الدنيا. حسام العبيدي: البالغ من العمر 38 سنة متزوج عامل بالشركة الوطنية للنقل لم يغادر يوم 30 نوفمبر مقر عمله لانه من الشباب الواعي والحريص على حماية مؤسسته، داهمته الشرطة وانهالت عليه ضربا على وجهه وصدره وأصابوه في منطقة حساسة من اعضائه حتى صار يتبوّل الدم!! يتساءل حسام: لماذا لم يتم حرق مقر الولاية بعد ان اقتحمها الشباب؟ لماذا استعمل اعوان الامن موظفي الولاية دروعا بشرية، ثم لماذا قدم الامن الى سليانة مشحونا ضد أهلها الذين قالوا لا لبن علي منذ بداية التسعينات؟ هيفاء محمّد: تلميذة تبلغ من العمر 18 سنة لما كانت رفقة جيرانها من نساء الحي وشاباته ترقب ما يلحق المدينة من اعمال عنف وقمع ووحشية، قدمت اليهن سيارة شرطة لترشهنّ رشا ثم يتحرش الاعوان بهن ويمسهنّ في مناطق حساسة من اجسامهن. هيفاء اليوم، وجهها مشوه بالرش وصدرها مثقوب «كالكسكاس» بحبات «البنادق اللطيفة». بلال الونيسي: صاحب 24 ربيعا، بعد ان اصابوه في عينه بالرش وبالغاز المسيل للدموع رشوا أيضا كامل مؤخرته، بلال ورفاقه يطالبون بمحاكمة المعتدين. وليد جاب الله: البالغ من العمر 28 سنة لما كان عائدا من مصنع الكابل يوم 28 نوفمبر اصابوه في بؤبؤ العين حتى يرى مستقبله أسود وحتى لا يميز بين ألوان القائمات الانتخابية في المحطة القادمة. ناجح عطية: البالغ من العمر 29 سنة متزوج واب لثلاثة أطفال، اصابوه يوم صلاة الجمعة بقذيفة اصابت يده اليمنى فحوّلتها الى حطام. معز الصادق: البالغ من العمر 34 سنة أعزب لما كان متوجها صبيحة الاربعاء الماضي إلى مركز البريد واجهته قوات الامن برش كامل جسده من اعلاه إلى أسفله وبعد ان سقط ارضا كسروا يده اليسرى ورجليه!! في مستشفى الرايس بباب سعدون تفقأ العيون رياض الرياحي البالغ من العمر 24 سنة أجريت عليه الى حدّ الآن عمليتان جراحيتان على عينيه وهو لا يزال يرقد بمستشفى الرايس باب سعدون. بدرالدين الحملاوي: 18 سنة أجريت عليه عملية جراحية لانتزاع رصاصة من عينه وينتظر اجراء عملية ثانية بحثا عن رصاصة مازالت تسكن منطقة داخلية بعينه الأخرى. حسام بلحاج: البالغ من العمر 20 سنة طالب بشعبة الاعلامية، اجريت عليه عملية جراحية لوقف النزيف من عينه في انتظار اجراء أخرى لنزع الرصاصة. محجوب الحرباوي: عامل مختص باحدى الادارات العمومية اجريت عليه صباح الثلاثاء الماضي عملية جراحية أولى دامت اربع ساعات و30 دقيقة ثم اجريت عليه ثانية دامت نفس التوقيت، لكنه فقد عينه اليمنى وظلّ شفاء الثانية من اسرار القدر القادم من افواه بنادق أمن اوّل حكومة شرعية في شراستها القمعية. حمدي البراري: طفل لم يتجاوز 15 سنة اجريت عليه عملية جراحية لنزع رصاصتين وصلت واحدة منها الى حدود الدماغ ثم اخذوه الى مستشفى الرازي بمنوبة اين خضع الى فحوصات اكثر دقة. صلاح القرمازي: البالغ من العمر 24 سنة حاصل على شهادة في الصيانة الصناعية وعامل بمصنع الكابل بسليانة اجريت عليه عملية جراحية بعد اصابة بياض العين والقرنية فالشبكية يرقد الى الآن في المستشفى في انتظار ما ستفرزه المراقبة الصحية من تطوّرات نتمنى ان تكون ايجابية. عبد الستار المناعي: عضو المكتب التنفيذي الجهوي واحد الاطارات بمستشفى سليانة حدثنا عن حالة الفزع والهلع التي عرفها مستشفى الجهة خلال الايام السوداء التي عرفتها الجهة وحالة التجند القصوى التي عاشها المستشفى وذلك التضامن التلقائي بين مختلف ابناء الجهة في مقدمتهم الاطار الطبي وشبه الطبي والممرضين والعملة الذين تجنّدوا لتقديم الاسعافات واجراء الفحوصات وتقديم مختلف الخدمات الطبية في ظرف زمني كان على غاية من الخطورة. سامي قداده: الناظر العام بالمستشفى الجهوي بسليانة قدّم لنا احصائيات دقيقة حيث تم اسعاف نحو 303 مصابا منهم 7 مقيمون و20 مصابا تم نقلهم إلى تونس. التنمية في سليانة تحت خيمة بلاستيكية في العراء تسكن عائلة تحت خيمة بلاستيكية دون ادنى المرافق حيث يقضي البشر حاجاتهم الانسانية. قدرية عزوز: تبلغ من العمر 35 سنة ام لخمسة اطفال ثلاثة منهم دون سن الدراسة ودون عتبة الفقر بمسافات ضوئية الارجل حافية والمدامع محمرة من الفقر والجوع والمرض، زوجها الجمعي الرحيمي تجاوز عتبة الثمانين، جاءته جهات نافذة في الحكم واطلقت وعودا اجمل من تنوّع ألوان زهور الربيع لكن في غفلة من هذه العائلة البائسة ثم احراق هذه الخيمة النتنة التي لم أقدر على دخولها من فرط الروائح الكريهة التي تنبعث من داخلها. تقول السيدة شاذلية بنت علي التي تتولى بيع الملابس القديمة، انها تتولى مساعدة هذه العائلة الشقية بالطعام وتدريس ابنيها المتفوقين بامتياز ملفت للنظر، وتضيف شاذلية انها مستعدة لاقتحام قصر القصبة لابلاغ السيد حمادي الجبالي بحالة البؤس والشقاء التي تعيشها هذه العائلة التي لم ترتق ظروفها الى المستوى البشري. وكانت السيدة شاذلية قد بلغت السلطات الجهوية بما تعانيه هذه العائلة التي تظلّ في حاجة ماسة الى بيت يؤويها وإلى اعانة تخفف عنها وطأة الزمن والى دخل يكفل نجاح الابناء. الواجهة الاخرى للتنمية السيد عبد الستار فرحات الجلاصي الذي سافر الى كندا منذ الثمانينات رفقة اخويه، عاد منذ مدّة للاستثمار في مدينته الجريحة وذلك من خلال بعث مركز تجاري وبناء شقق للسكنى، لكن ما عاشه خلال الايام الماضية من اعتداء عليه بالضرب والاهانة من قبل رجال الامن ومن اعتداء بتهشيم بلور سيارته وسرقة امواله واتلاف وثائقه جعله يفكر في العودة رفقة ابنائه إلى كندا ومن ثمّة نصح اخوته بعدم العودة الى تونس.