بعد العنف اللفظي والمادي بشكل مباشر، ورغم المساندة المطلقة من كل قوى المجتمع المدني والسياسي في تونس ومن المنظمات النقابية والحقوقية في مختلف أنحاء العالم،اثر الإعلان عن الدخول في إضراب عام، تواترت طرائق التشويه والتضييق وتوحد مصدرها الرئيسي الذي جند وسائله الخاصة واستغل مؤسسات الدولة لضرب حق دستوري أقرته كل المواثيق الدولية، ففي أسبوع واحد «تفتق» العقل السلطوي الجديد ليتمترس في زاوية حادة مهمتها الوحيدة إفشال الإضراب العام، فرأينا أكثر من مائتي جمعية، لم نسمع لها بنشاط وطني وقّعت على بيان رافض للإضراب العام مثل جمعية الكرامة والبر والإحسان والجمعية القرآنية أهل القرآن والرحمة للأعمال الخيرية وكنوز الخير والنور ونسائم الخير النسائية وزهرة الأمل وأسوة وأصدقاء اليتامى والكوثر الجاري والرحمة للتكافل الاجتماعي وكفالة ورحمة لرعاية الأيتام وتراحم للعمل الخيري والمشكاة الخيرية والتواصل وجمعية القدس الخيرية وجمعية أحياؤنا وجمعية البر والتعاون الخيرية وجمعية أسرتي سر سعادتي وجمعية النور وجمعية الرحمة ورابطة شباب المساجد وجمعية أم البنين وجمعية البركة وأفق الخيرية واليسر للتنمية والإحسان الخيرية ونساء أصيلات والأسرة السعيدة وينابيع الخير والبشرى للتنمية ومنة الرحمان ورحاب الخير وشباب الغد وجمعية المرأة الحرة والجمعية التونسية للاقتصاد الإسلامي والدعوة والإصلاح وفرسان الخير ولجان المساجد وتواصل التونسية الليبية وجمعية إحسان للزكاة ومقاصد الخير ودار القرآن وجمعية آل الخير وجمعية الأيادي الحميدة وجمعية أم سلمى... وقرأنا بيانا من ستة جمعيات، تطلق «حكما شرعيا» مفاده أن الإضراب العام يُعتبر «فساد في الأرض ولا يجوز الدعوة إليه أو الرضا به أو المشاركة فيه»... وانخراط عدد كبير من الأئمّة الخطباء في الصّراع السّياسي وقيامهم بحملة تحريض وتهييج ضدّ الخصوم السّياسيّين للحكومة وضد الإضراب العام والاتحاد العام التونسي للشغل، وحضور لافت لعدد من قيادات «حركة النهضة» في طليعة المسيرات التي قادها الأئمّة والدعاة... وتابعنا حملة ممنهجة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والالكترونية لتشويه العمل النقابي عموما والإضراب العام خاصة، وضغط حكومي في الوزارات على الموظفين والعمال لعدم المشاركة في الإضراب العام... وخطاب موحد لأغلب قيادات حركة النهضة سعى إلى تقسيم المكتب التنفيذي إلى شق وطني وشق متسيس... وتتالت أخبار «الترهيب» و»التخويف» فوردت علينا الأنباء عن اشتباكات على الحدود الجزائرية واغتيال عون حرس وإلقاء القبض على سلفيين بجندوبة بحوزتهم متفجرات ثم العثور على كميات كبيرة من الذخائر والأسلحة في تاجروين وبعدها العثور على قنبلة في محطة حافلات بالقيروان ... كل هذه الممارسات أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن حركة النهضة هي حركة دينية بامتياز، ولا تتوانى في تدنيس المقدس للاستحواذ على السلطة، كما تكشف هذه الممارسات فائض العدوانية للمكتسبات المدنية والحضارية لتونس، وإعلاء ثقافة الغنيمة، وكل هذه المؤشرات تدل على أنها ظرفية وتحمل بذور زوالها وانتهائها تمام مثلما انتهى النظام السلطوي السابق الذي كان قائما على نفس الأسس تقريبا، لأن مسيرة افتكاك الحرية ومسيرة افتكاك الكرامة طويلة المدى، لأن الحرية والكرامة لا تخضع لمنطق التجارة الذي احترفه النظام السابق وأوصلته إلى نهايته المحتومة... لقد مثلت الفترة الفاصلة بين لحظة الإعلان عن الإضراب العام ثم الإعلان عن قرار إلغائه فرصة مهمة للوقوف على حقيقة المتاجرين بالعمل السياسي الحزبي وكذلك بالعمل النقابي، و تأكدنا أيضا أن الاستكانة للحاكم هي طبيعة «متأصلة» في الجزء الأكبر من الشعب، كما أن هذه الفترة كانت محكا حقيقيا لاكتشاف حجم الخطر الذي يتهدد مستقبل الديمقراطية في تونس.