الاتحاد العام التونسي للشغل توأم هذا الوطن هذا ما أثبتته السنوات والتجارب والمحن، ولدا من نفس الرحم التحرري ورضعا من حليب النضال والمقاومة والصبر على الشدائد وترعرعا في قلب ووجدان الشعب التونسي. هذه الحقيقة التي لا ينكرها إلاّ الجاحدون والمنافقون تأكدت بعد الجريمة التي أقدمت عليها الميليشيات المقبورة لما سمّي بروابط حماية الثورة يوم 4 ديسمبر 2012 فأنكرها الجميع ولاقت دعما وتأييدا من قبل حركة النهضة وأقليّة من أحزاب ومنظمات الديكور المتزلفين السابحين في فلكها السلطوي التي لم تدّخر جهدا في تبرير الجريمة ممّا أكّد لجميع الملاحظين طبيعة الروابط الخفيّة بينهما. أغلبيّة القوى السياسية باختلاف مرجعياتها الفكريّة ومعظم المنظمات والجمعيات المدنيّة التي عرفت بنضالها زمن الدكتاتوريّة والتي تحررت من قبضة التوظيف التجمّعي اثر الثورة فهمت الرسالة المضمنة في هذا الهجوم الهمجي الذي يستهدف تركيع المنظمة وإرهابها بعد أن نجحت نسبيا في فرض سطوتها وعنفها على عديد الفعاليات السياسيّة والمدنيّة والشخصيات الوطنيّة وخلقت لها بؤرا ميليشياويّة في عديد الإحياء الشعبيّة والجهات الداخليّة على مرأى ومسمع الحكومة التي اكتفت بالقول بأنها جمعيّة قانونيّة لا تحل إلا بالقضاء الذي يخضع بدوره لتدخلات وزيرها الذي أثبتت عديد الوقائع عدم حياديّته وسعيه لتوظيف القضاء لمصالح حزبه كما هو الشأن في قضيّة الإعلامي سامي الفهري التي اتفق كل العارفين بالقانون أنّها تشكل فضيحة وسابقة في تاريخ القضاء. فهمت الرسالة فهبت للدفاع عن الاتحاد باعتبارها المربع الأخير للحريّة ولمدنيّة الدولة وتدافعت بلا انقطاع طيلة أسبوع كامل على بطحاء محمّد عليّ تجدّد التزامها بالدفاع عن المنظمة وتعتبرها خطّا أحمر لا يمكن تجاوزه أو العبث معه، ولم يقف الأمر عند حدود أبناء الوطن بل تجاوزهم إلى كل المنظمات النقابيّة والجمعيات الحقوقيّة الدوليّة التي عبرت عن مساندتها للاتحاد واستنكارها لصمت الحكومة على هجمة الميليشيات الحاقدة. وحدهم من عمت بصائرهم تخلّفوا عن فهم عمق اللحظة التاريخيّة التي تمرّ بها البلاد ولم يدركوا الحكمة الوطنيّة القائلة مثل الاتحاد والوطن في تلاحمهم وترابطهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى، وحدهم أعلنوا خروجهم عن الإجماع الوطني بوجوه سافرة لا تخجل ناصبت الجميع العداء وأعلنت نفسها قدرا فاشستيا على البلاد والعباد فأمعنت في التشويه والكذب والافتراء وبثّ الإشاعات بلا وازع أخلاقي أو وطنيّ يمنعها من ذلك في حملة عدائيّة لا سابق لها استهدفت كلّ مكونات النسيج المجتمعي على قاعدة من لم يكن معي فهو ضدّي. وحدة الاتحاد وجهوزيّة قواعده التي عبّرت من خلال إضراباتها الجهويّة ووقفاتها الاحتجاجيّة عن استعدادها للدفاع بلحمها عن المنظمة، والتفاف منظمات المجتمع المدني والقوى السياسيّة التقدميّة والوطنيّة حوله، والتعاطف الشعبي الكبير الذي بيّن مكانة المنظمة في وجدان الشعب الذي آمن بدورها ونضاليتها واعتبرها صمّام أمان الانتقال الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة، مثلت جميعها انتصارا أغاظ أعداء العمل النقابي الذين سولت لهم غرائز الحقد في قلوبهم أن يتطاولوا على بيت الشهيد حشّاد وقلعة كل التونسيين وتوأم الوطنيّة الذي لا تغيره الأزمنة ولا تنفع معه تهديدات الميليشيات التكفيريّة الصاعدة، فقبلها تكسرّت على جدرانها عصابات اليد الحمراء وميليشيات الصيّاح وأزلام بن علي، لتبقى نجمة الاتحاد النور الذي يهتدي به عشّاق الحريّة والكرامة والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنيّة الجامعة التي لا تقبل الفرقة. خرج الاتحاد منتصرا كما كان في كلّ معاركه وأثبت للمتطاولين عليه، أن الوطنيّة لا تباع ولا تشترى ولا تستورد من مدن الملح والتصحّر النقابي وإنّما هي كما الحجر الصلب متى قدحت أومضت نارا تحرق الأعداء وتعيد خفافيش الظلام إلى أوكارها صاغرة ذليلة. انتصر الاتحاد للوطن وجدّد عشقه الأبدي لتوأمه التاريخي وأثبت لعشاق الفتن والدافعين بالبلاد إلى أتون المعارك العبثيّة والحروب الأهلية الحكمة القائلة بأنّ الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أوّل وهي المحلّ الثاني.