قرأت في جريدة المغرب بعددها 390 ليوم 04 ديسمبر 2012 بالصفحة السابعة في الفقرة المتعلقة بشرط السنّ القصوى للترشّح لرئاسة الجمهوريّة، أنه من بين الشروط أن يكون «مسلم الديانة». منظمات حقوق الإنسان الوطنيّة والعالمية تعمل من أجل إلغاء عقوبة الإعدام لكونها اعتداء على حق الإنسان الطبيعي في الحياة، رغم أنها تأتي نتيجة لفعل إجرامي ثابت بالإقرار أو بالقرائن، وبموجب حكم قضائي يكفل للمتهم حق الدفاع عن نفسه. ورغم قسوة هذا الحكم وتأثيره على الناس فإنّ حماية المجتمع بتحقيق غايتي الردع والزجر يبرّر لقبوله، كما وأنّ معاناة المحكوم عليه ستنتهي في مدّة قصيرة بتنفيذ الحكم. أمّا عقوبة الإقصاء السياسي دون محاكمة عادلة فوقعه أشدّ على المقصيّ وعلى عامّة الناس لأنّه يأتي نتيجة ظلم وطغيان اشتهته بعض النفوس التي تجد لذّة في إيذاء الغير. وأدهى من كلّ ذلك الإقصاء من أجل الدين فهو عقوبة عنصريّة متفرّعة تشمل : الحرمان من الحق في خدمة الوطن من موقع المسؤولية الأولى في البلاد رغم اليقين بأنّ غير المسلم لن ينجح في الانتخابات بسبب التعصّب ولن نصوّت لامرأة أو لرجل أسود من أصول إفريقيّة إسلاميّة إلا بعد أجيال عديدة. ثمّ الحرمان من المساواة في المواطنة من حيث الحقوق والإبقاء على المساواة في الواجبات بأنواعها، ثم والأهم الإحساس بفقدان الكرامة باعتبار المقصي شخص منبوذ مرفوض غير مصنّف اجتماعيّا، وأنّ هذا الإحساس والشعور بالدّونيّة سيلازمه مدّة حياته باعتبار الدستور سيمتدّ لعقود، وهذا فضيع لا يطاق. أسأل الأحزاب وكتل المجلس التأسيسي وهم يؤسّسون للإقصاء، هل جال بفكرهم تصوّر حجم الجريمة التي يسعون إلى إيقاعها، وهل هم مدركون بأنّ العالم والتاريخ يسجلان علينا كلّ كبيرة وصغيرة ؟ فحرمان مواطن من حقوقه ومن كرامته ومن المساواة مع غيره من المواطنين دون ذنب مجرّم قضائيّا سيجعله يعيش مشلولا، فهل يمكنكم أن تتخيّلوا ذلك!؟ماذا يعني أن ينصّ الدستور على مدنيّة الدولة والمواطنة والمساواة وحريّة العقيدة، ثم نضع شرط الدين الإسلامي للترشح لمنصب رئاسة الجمهوريّة ؟ أليس هذا إقصاءً عنصريّا بغيضا للتونسيين والتونسيّات من غير المسلمين، وبأيّ ذنب وأيّ حق يتمّ هذا !؟ وكيف يمكن الجمع في الدستور الواحد بين حريّة المعتقد وشرط الديانة!؟ أجدادنا ماتوا من أجل الكرامة وخلّصونا من الأجنبي، وشبابنا ماتوا من أجل الكرامة وخلصونا من القهر والمذلة والإهانة والدكترة، فهل أنّ الإقصاء السياسي العام خارج القضاء والإقصاء العنصري بسبب الدين سيضعانا تحت الميزاب بعد أن هربنا من القطرة ؟ من المحزن جدّا أن يكون من أبناء وبنات تونس وبعد سنوات من الاستقلال وبعد الانتفاضة من أجل الكرامة من يفكّر بعقليّة ستحتفل بعض المجتمعات قريبا باندثارها ووضعها في متحف بخانة التخلف. إنّ تونس وشعبها أنفقا من التضحيات ومن الجهد والمال الشيء الكثير لتصل إلى مرتبة الدول المتحضّرة وهي ترنو دائما إلى وضع أفضل مؤمنة بحقوق الإنسان الكونيّة نابذة للعنصريّة والتعصّب والتمييز حريصة على المشاركة في بناء مجتمع إنساني متكامل المصالح يؤمن بالوحدة مع التنوّع يقدّس حرمة الإنسان كيفما كان. رجاءً توقفوا على رغبتكم الذاتيّة ولا تجعلوها آخر همّكم، ولا تسمحوا بتمرير قانون الإقصاء السياسي خارج العدالة فرديّا كان أم جماعيّا ولا تدنّسوا الدستور بشرط التمييز العنصري البغيض المتخلف. أعتقد أنّ الأقليّات الدينيّة والحالة هذه إن تمّت تأبى عليهم كرامتهم العيش في وطنهم خارج التصنيف غير متساوين مع مواطنيهم في الحقوق الأساسيّة للمساهمة في خدمة بلادهم فربّما هذا الشعور بالغبن والقهر سيدفعهم إمّا إلى الالتجاء إلى القضاء الوطني أو الدولي بواسطة منظمات الدّفاع عن الأقليات لاسترجاع كرامتهم أو أن يختار بعضهم هجر البلاد إلى أرض الله الواسعة هروبا من مرارة القهر والتمييز. يبقى أملي كبير في أن يراجع أصحاب هذه الفكرة مواقفهم بما يحسب لهم تاريخيّا وأن تقف الأغلبيّة في المجلس الوطني التأسيسي ضدّ الإقصاء والتمييز بأنواعه لأنه أمر مشين لا يليق بتونس وباعتبارهم نوّاب عن الشعب كافة دون استثناء.