غدا.. جلسة عامة للنظر في مشروع قانون يتعلّق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة    بنزرت: لا اختطاف ولا احتجاز.. توضيحات رسمية بشأن واقعة أطفال منزل عبد الرحمان    وزارة العدل تؤكد أنها اعتمدت "الشفافية والنزاهة" في ضبط قائمة الناجحين في مناظرة الخبراء العدليين    تحويل جزئي لحركة المرور بساحة باردو بداية من هذا التاريخ والسبب هذا....    هذه تسعيرة بيع الأضحية بالميزان بهذه الجهة..    بالفيديو...حريق في قطار سوسة – تونس دون أضرار بشرية    الحج 2025 الخطوط التونسية رحلات مخصصة وامتيازات استثنائية في نقل الأمتعة    الأسرة التونسية تصغر: من 5.5 أفراد إلى 3.4 فقط!    جريمة مروعة: ينهي حياة جاره طعنا بالسكين..!    عاجل/ العثور على مقبرة جماعية في ليبيا..    فياريال يصدم برشلونة في يوم احتفاله بلقب الليغا    رابطة ابطال اسيا 2 : التونسي فراس بلعربي يقود الشارقة الاماراتي للقب    كرة سلة: تونس تحتضن البطولة العربية لمنتخبات الأكابر من 25 جويلية الى 2 اوت القادمين    تواصل اضطراب الرحلات في مطار أورلي لهذا السبب    إضراب سائقي التاكسي الفردي: هذه هي أبرز المطالب    تونس تحتاج يوميًا إلى أكثر من 250 متبرعًا لتلبية الاحتياجات الاستشفائية    لا تُضحِّ بها! هذه العيوب تُبطل أضحيتك    ترامب يعرب عن "حزنه" إزاء إصابة بايدن بالسرطان    صفاقس إقلاع أولى رحلات الحجيج من مطار طينة.    اليوم : انطلاق امتحانات الثلاثي الثالث للمرحلة الابتدائية    استقالة الهيئة التسيرية للنادي الافريقي..#خبر_عاجل    أشغال بالطريق السيارة أ1 جنوبية ودعوة السائقين إلى الحذر    صحيفة: الأرز يتسبب بفضيحة تعصف بالحكومة اليابانية    إسرائيل تقرر استئناف إدخال المساعدات إلى غزة    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: أنس جابر تتقدم مرتبة واحدة    استشهاد 17 فلسطينيا في قصف العدو الصهيوني مناطق متفرقة من قطاع غزة    طقس الاثنين: ارتفاع في درجات الحرارة    أمينة الصرارفي: "اللباس التقليدي للمهدية والجبة التونسية مرشحان لتصنيف اليونسكو كتراث عالمي غير مادي"    تونس تدعو إلى تعاون مسؤول للحدّ من هجرة الكفاءات الصحية    رئيس الحكومة الليبية المكلفة: خطاب الدبيبة إدانة لنفسه وتنكر لمسؤولياته    تونس تدعو إلى تعاون مسؤول للحدّ من هجرة الكفاءات الصحية    هكذا هنّأت النجمة يسرا الزعيم عادل إمام بيوم ميلاده    تونس تشارك في المنتدى الدولي «نحو الجنوب» بمدينة سورينتو الإيطالية    لماذا تستعر نار التشكيك في ثوابت الأمّة العربية الآن وبكل حدة؟ حلقة 4    صناعة ابراهيمية ابستيمولوجية لتشكيل ذات صهيونية عالمية ونظام صهيوني عالمي    الهادي البياري في حوار مثير ل«الشروق» الإفريقي ضحية سوء التصرف ولا تنازل عن محاسبة «المذنبين»    صفاقس... الصالون المتوسطي للبناء «ميديبات»    الاختتام الجهوي لشهر التراث بولاية توزر    النادي الافريقي: استقالة جماعية للهيئة المديرة    'كعكة الرئيس'.. فيلم عراقي يحاكي حكم صدام بمهرجان 'كان'    تونس تعزز شراكتها مع منظمة الصحة العالمية لتطوير اللقاحات والتكوين والبحث في الصناعات الدوائية المتقدمة    الاتحاد المنستيري والترجي الرياضي يرافقان اتحاد بن قردان لنصف نهائي الكأس    من تجب عليه الأضحية؟ تعرّف على الشروط التي تحدّد ذلك    إتيكيت استخدام الهاتف في الأماكن العامة    تحذير من ارتفاع نسبة التدخين بين الأطفال: مشروع جديد للوقاية في المدارس    سمير عبد الحفيظ من طبرقة.. الإقليم الأول مُؤهّل ليكون قطبا جذّابا للتنمية والمشاريع    ارتفاع صابة الغلال الصيفية ذات النوى في 2025    انطلاق أولى رحلات الحجيج التونسيين إلى البقاع المقدسة عبر الناقلة الوطنية وعلى متنها نحو 260 حاجا..    القيروان : حافلة تصطدم بمقهى    النسخة 29 من "الكومار الذهبي للجوائز الأدبية"/ بالأسماء..الاعلان عن قائمة المتوجين في المسابقة..    شجرة نخيل تهوي على ضيف بمهرجان كان السينمائي نقل إثرها إلى المستشفى    السخيري هدّاف مع آينتراخت فرانكفورت ويضمن المشاركة في رابطة الأبطال    المعهد الفلكي المصري يكشف موعد عيد الأضحى    مجموعات غنائيّة هاوية بصفاقس ابدعت في آدائها ….الازهر التونسي    عاجل/ العدوان على غزّة: مفاوضات جديدة في قطر دون شروط مسبقة أو مقترحات    عاجل/ حياد مترو عن السكّة وهذه حصيلة الأضرار    جندوبة: يوم مفتوح لتحسيس وتقصي أمراض الكلى    وفد صيني يزور القيروان    









دور بارز للاتحاد في جرّ المجتمع بأسره نحو الحداثة
في محاضرة على منبر قسم العلاقات الدولية المفكر محمد أركون يشيد بالاتحاد كمنظمة منفتحة على العصرنة والحداثة: الدولة الديمقراطية لا يمكن أن تنشأ إلاّ بمشاركة حيوية من النقابات
نشر في الشعب يوم 31 - 03 - 2007

في لغة فرنسية أكاديمية راقية وفي لغة عربية فصحى أنيقة، طرح المفكر المغاربي العربي العالمي محمد أركون صباح الأحد الماضي أمام مئات من النقابيين والمثقفين جملة من التساؤلات التي أثارت فيهم الحيرة من جهة مثلما أثارت فيهم من جهة أخرى رغبة كبرية في نقاش العديد من المسائل.
لكن كم من مسألة؟
هي مسائل كثيرة ومتنوعة منها ماهو فلسفي، ومنها ماهو سياسي، وفكري، وثقافي وحضاري، وعقائدي، طرحها أمامنا المفكر الباحث محمد أركون، وقدّم لنا بشأنها بعض الاجابات، إجابات صفّق لها البعض وبها انتشى، وأخرى رفضها البعض الآخر وقدح فيها وفي صاحبها.
لكن قبل كلّ شيء، لابدّ من الاشادة بهذه المبادرة الرائدة التي تمثلت في دعوة مفكر كبير مثل محمد أركون إلى يحاضر على منبر الاتحاد العام التونسي للشغل، وهي مبادرة قدّرها المحاضر نفسه حقّ قدرها لمّا استهلّ محاضرته بالاشادة المطوّلة بالاتحاد كمنظمة منفتحة منذ تأسيسها على العصرنة وعلى الحداثة.
وزاد الاستاذ محمد أركون فأهدى محاضرته الى مؤسس الحركة النقابية التونسية عموما والاتحاد العام التونسي للشغل بشكل خاص باعتبارهم آمنوا بالانفتاح وآمنوا بالحداثة وأقاموا، أو بالاحرى مدّوا الجسور المؤدية الى المستقبل الالتزام التاريخي للاتحاد بالحداثة ودوره الحيوي في جوّ المجتمع بأسره نحو الحداثة والتطوّر كما عبّر عن سعادته بمخاطبة منخرطين في نقابة باعتبارهم الاطار الذي يجمع أوسع قاعدة اجتماعية، ودعا الاتحاد الى الاستمرار في عمله التحديثي والمشاركة الفاعلة في انشاء الدولة الديمقراطية المنشودة مؤكّدا أنّ الدولة الديمقراطية تنشأ بمشاركة النقابات وعملها الدؤوب.
وأبرز الدكتور أركون قيمة اللغة العربية كلغة حاملة لثقافة كاملة ولحضارة بعينها ودعا إلى استئناف النظر فيها حتى تصبح خلاّقة وقادرة على محاورة الفكر الاوروبي والعالمي والاسهام فيه بشكل إيجابي.
وقال ان اللغة العربية كانت تاريخيا لغة خلاّقة استطاعت ان تدخل في حوار مع الفكر اليوناني والفارسي طوال مرحلة الثقافة العربية الاسلامية الكلاسيكية. واعتبر ان ثمّة «ما لم نفكر فيه بعد في الفكر الاسلامي المعاصر». وهو أنّ اللغة العربية لم تتعوّد على المفهومات الحديثة على حدّ تعبيره.
واوضح ان قضية التعريب مثلا طرحت في المغرب العربي إبّان الاستقلال وبناء الدولة الوطنية لكن سرعان ما تم الالتفاف عليها خصوصا مع فترة السبعينات التي شهدت بروز التيار «الاصولي» ولاحظ اركون ان التراث الفلسفي العربي الاسلامي توقف عن الانتاج منذ القرن الثالث عشر. فيما استفاد منه الغرب واستثمره في بناء نهضة حداثية انطلاقا من القرن الثامن عشر.
ومع توقف الفكر الفلسفي توقفت اللغة العربية عن الانتاج مما جعل الحداثة تتأخر في الفضاء العربي الاسلامي، فيما تطوّرت اوروبا.
وهذا بالضبط ما ادخلنا فيما يمكن تسميته ب»سوسيولوجيا الاخفاق» حيث غاب النظر الفلسفي، تماما مثلما غاب الدين القادر على التأثير الايجابي في حياتنا وفي الثقافة العربية عموما.
ومنذ القرن الثامن الميلادي تمت الاستعاضة عن العلوم العقلية التي اعتبرت علوما «دخيلة» فنشأ «الاسلام الاورتودوكسي» الذي كان اعلانا عن بداية غياب العقل الاسلامي ولنا ان نتساءل اليوم عن موقع العقل الاسلامي هل ينتمي الى عقل الحداثة او ما بعد الحدثة او عقل العولمة الراهنة؟ ستجدون ان العقل الاسلامي خارج هذه الحقول والثورات المعرفية تماما وهي ثورات ادّت الى الحداثة والى تطور ايجابي في الواقع الجغراسياسي، فيما تعطل الامر عندنا منذ قرون عديدة.
لذلك نحن مطالبون اليوم بان نكتب تاريخ الحداثة باللغة العربية، سيما بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث دخلنا في الخطاب الايديولوجي، ولم نعد نرى اي افق اخر، بل نحن نعيش مرحلة الفكرالميثولوجي (وليس الاسطوري).
على ان الفكر الميثولوجي ليس مهيمنا على عقول ناشئتنا فحسب، بل هو مهيمن ايضا على الخطاب الاسلامي المعاصر الذي هو خطاب ميثولوجي بامتياز..
وميثولوجيا الفكر الاسلامي ولدت في الحقيقة منذ اللحظة التي أقصي فيها علم الكلام الذي كان يلعب دور «عقلنة العقيدة» حتى لا تتورط في تصورات شعبوية.. من هنا يبدو موضوع الاسلام موضوعا مركزيا في اية نهضة او حداثة نريد ان نبنيها.
وأنا أميز هنا بين الخطاب الاصولي، والخطاب الاصولوي، الذي هيمن على ساحتنا العربية الاسلامية خلال النصف الثاني من القرن العشرين والتمييز بين الخطابين ليس عملا نظريا فحسب، بقدر ما هو عمل سوسيولوجي، سيجعلنا نفهم حقيقة مأزقنا مع الحداثة.
انظروا مثلا التعبيرات التي نستخدمها في تعاملنا مع المغرب انها تعبيرات تنتمي الى قاموس بعيد كل البعد عن لغة الحداثة وقاموسها، فنحن نصف الغرب ب «الشيطان الاكبر» وتعتمد لغة اقصائية تحرص على الغائه اكثر من محاولة فهمه والاستفادة من الثورات المعرفية والحداثية التي حصلت فيه.
بل ان تعاملنا مع تاريخنا، اعتمد «الجهل المؤسس» الذي تمارسه فئة معينة، هي التيّارات الاصولويّة... تاريخنا يتضمن مسكويه وابن باجة وابن رشد والتوحيدي وغيرهم من الرموز التي طوّرت العقل الاسلامي ولم تصطدم بفكر الاخر. لكننا اليوم نحن في قطيعة مع تراث هؤلاء، من يدرس اليوم في العالم العربي مسكويه او ابن رشد؟ بل من من التلاميذ والطلبة في كامل ارجاء الوطن العربي من يقرأ لهؤلاء من تراث العقل والتنوير في التاريخ الاسلامي؟
لذلك نحن بحاجة اليوم الى كتابة «تاريخ النسيان» حتى نعيد الاعتبارلهذا الانتاج الانسني الضخم والنوعي في تاريخنا وحضارتنا.. لقد دفنت صفحة الانسنة في تاريخنا، ونحن مطالبون اليوم بأن نحييها، من أجل استعادة قدرتنا على التأثير في الغرب ومحاورته.. وما لم نخرج من هذا «المأزق» عبر فهم تاريخنا، والتعامل معه تعاملا نقديا، فلن نلج الحداثة اطلاقا.
وخصص الدكتور محمد اركون، الجزء الثاني من محاضرته، للحديث عن مؤلفه الجديد «تاريخ الاسلام والمسلمين بفرنسا من القرون الوسطى الى اليوم» الذي صدر خلال الايام القليلة الماضية (باللغة الفرنسية).
وقال أركون، ان هذا الكتاب «موسوعة تاريخية» في نحو ألف ومائتي صفحة، يتضمن تحليلا تاريخيا نقديا للعلاقة بين اوروبا والاسلام والعالم العربي.
ودعا المفكر الجزائري الذي يقيم في فرنسا الى اعادة الظر في علاقاتنا بها وتقييم الفكر الفرنسي بعيدا عن النظرة الايديولوجية التي تحرص على اختزال فرنسا، بل اوروبا برمّتها في جانبها الاستعماري.
واوضح أركون ان فكرة الاتحاد الاوروبي حدث فكري وسياسي، يعادل حدث الانوار في القرن الثامن عشر، لانه يعني الانفصال عن فكرة تاريخية، هي فكرة «الدولة الامة».. فبعد الحرب العالمية الثانية طرحت فكرة الانتقال الى مرحلة انشاء فضاء مفتوح للمواطنة.. وتجربة الانتقال هذه «تعدّ ثورة فكرية وسياسية وأنسية» لكننا مازلنا نغضّ الطرف عنها وكأنها لا تعنينا البتّة.
واعتبر الدكتور محمد أركون، ان فكرة المغرب العربي، التي ولدت منذ اربعينات القرن المنقضي فكرة تاريخية جيوسياسية شديدة الاهمية، حملتها النخب والنقابات وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي كانت رموزه المؤسسة، هي الرائدة في هذا المجال.. واوضح انه على الرغم من الزخم الذي عرفته الفكرة الا ان الامر فشل بشكل مثير للانتباه، وقال نحن مطالبون اليوم بالتساؤل عن اسباب هذا الاخفاق وعدم النجاح في تحقيقها رغم مرور اكثر من نصف قرن على ذلك، واصفا ذلك بانه اخفاق فكري وسياسي واجتماعي يمكن ادراجه ضمن (سوسيولوجيا الاخفاق في المغرب العربي..).
ولاحظ انه مثلما فشلنا في انشاء «المغرب العربي»، رفضنا الحداثة واغلقنا الابواب في وجهها ولم نميّز بين الاستعمار (الحالة الفرنسية) والحداثة (ممثّلة في الفكر الاوروبي).. وتساءل اركون في نفس السياق عن غياب فكرة الفضاء المتوسطي عن وعينا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.