في ظلّ الارتفاع المشطّ للأسعار وخاصة منها المتعلقة بالمواد الغذائية والأساسية أصبح تحقيق المعادلة بين المدخول والمصروف أمرًَا صعبًا. غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار بات هاجسًا يؤرق كلّ التونسيين فحيث وليت وجهك الاّ وتحسّست يأسًا وحيرة في قلوب جلّ المواطنين حتى أنّ هناك من اعتبر أنّ ارتفاع الأسعار أصبح القاسم المشترك بين آلاف التونسيين. «تشهق ما تلحق» ما عادش خالطين «الدنيا نار ومسمار» «قليل الجهد يموت» «الأسعار حرشة ونحنا تعبنا برشة» هذه عيّنة من الشهادات التي جاءت على لسان بعض المواطنين التقت بهم جريدة «الشعب» فكان التّحقيق التالي: بداية جولتنا انطلقت من إحدى المركبات التجارية حيث كانت تسير بكلّ هدوء.. حاولت أن تسيطر على برودة دمها لكنّ ذهولها من فرط غلاء الأسعار جعلها تفقد أعصابها ثمّ تتمتم وتتنّهد في بعض الأحيان اقتربنا منها فأجابت في يأس وحيرة «شطر النقد يمشي حنّة» واستغربت سيدة الزيتوني من الغلاء المشط في أسعار المواد الأساسيّة وقالت إنّ التونسي لم يعد قادرًا على الصمود أمام الضربات الموجعة للأسعار مشيرة إلى أنّ الأسعار صاروخية ولم يعد التونسي«خالط على الشهريّة» على حدّ تعبيرها وختمت سيدة حديثها معنا قائلة ك «ال 10 دنانير كال 50 دينار كِيفْ كيفْ» أمّا خليفة فقد تذمّر بدوره من الارتفاع المشط للأسعار وقال في هذا الصدد لقد أصبحت أفكّر في الحرقة لأنّني لم أعد قادرًا على مواجهة مصاريف الحياة مشيرًا إلى أنّ جلّ المواد الغذائية سجّلت قفزة نوعية في الأسعار وابتسم خليفة قائلا «حتى أنّ سياسة التقشّف لم تعد تُجدي نفعًا». «تشهق ما تلحق» هكذا استهلّت وحيدة البالغة من العمر 26 عاما حديثها معنا وقالت إنّ التونسي «فَدْ» من غلاء المعيشة ولم يعد قادرًا على التصدّي لضربات الأسعار الموجعة على حدّ وصفها، أمّا سُهى البالغة من العمر 32 عاما فقد كانت تتجوّل وسط الزحام وتتفحّص بين الفينة والأخرى لافتات الأسعار ثمّ تلتفت يمنة ويسرة دون توقف ورغم أنّ تقاسيم وجهها تُوحي بالحزن والشقاء فإنّها لم تمتنع عن الحديث معنا وقالت في هذا الصدد انّ التونسي لم يعد قادرًا على مجابهة مصاريف الحياة بسبب تراكم النفقات وتدهور الأوضاع وهو ما ذهب إليه السيد فتحي الطرابلسي الذي علّق قائلا «ياحسرة على أيّام زمان». فتحي البالغ من العمر 56 عاما قال إنّه أصبح كثيرَ الشِّجَار مع زوجته بسبب مصاريف ومتطلّبات الحياة مُشيرًا إلى أنّه اضطرّ إلى فتح كشك صغير من أجل مجابهة غلاء الأسعار وبدوره رأى طارق أنّ «ورقة» ال 20 و30 دينار لم يعد لها أي قيمة معتبرًا أنّ قفّة التونسي يلزمها مبلغ 100 دينار حتى تمتلئ» ومن جهتها رأت سعاد الدلاجي أنّ كثرة المصاريف والديون خلقت لها مشاكل وخلافات يوميّة مع زوجها وأبنائها الذين لا يكفّون على الطلبات وختمت قائلة «لقد أصبحت بعض الضروريّات options خلال أيّامنا هذه وحمّلت سعاد الحكومة مسؤولية غلاء الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية لدى التونسي. أمّا منية فقد تساءلت عن أسباب كلّ هذه الزيادات في الأسعار ودعت إلى ضرورة إيقاف هذا النزيف الذي خلّف جروحًا عميقة في قلوب كلّ التونسيين وخاصّة العائلات المحدودة الدخل. حتّى «الفريب» لم يرحمنا لم يقتصر ارتفاع الأسعار على المواد الغذائية فقط بل طال كذلك الفريب وفي هذا الصدد أكّد محمد الذي كان يتفحّص ويمعن النظر في ملابس الأطفال وقال في هذا السياق «بعد أن كان الفريب ملجأ وخيار عديد التونسيين أصبح بدوره يشهد ارتفاعا مشطّا وذكر أنّه لم يعد قادرًا على شراء الثياب المستعملة فما بالك بالثياب الجاهزة وفي الوقت نفسه قاطعه أحد الحرفاء قائلا «الدنيا شعلت فيها النار.. وماعادش خالطين». أمّا جليلة فقد أبدت استياءها الشديد من غياب فِرَقِ المراقبة الاقتصادية وأعربت عن امتعاضها من فر غلاء المعيشة وقالت إنّ أغلب الباعة يعتمدون تسعيرات مختلفة دون إيلاء أيّة أهميّة لجيب المواطن البسيط وأضافت أنّ تكلفة فطور الصباح تصل إلى حدود 8 دنانير يوميا أمّا الغذاء فيصل إلى 20 دينارًا دون احتساب مصاريف الأطفال حتّى أنّها اضطرّت الى الاستغناء عن بعض المواد الاستهلاكيّة كي تتمكّن من تلبية حاجياتها واستغربت من الغلاء الفاحش الذي سجّتله أسعار اللحوم الحمراء وابتسمت قائلة «لقد أصبحت اللّحمة option في وجبة التونسي». ومن جهته تساءل كلّ من مروان وغيث إلى متى سيتواصل هذا الوضع في معيشة التونسي؟ وهل أنّ المواطن سيقدر على مجاراة هذا النسق غير المريع في معيشته لفترة طويلة خاصة بعد أنّ تعوّد على مستوى عيش أفضل سواء من حيث تكاليف الحياة والنفقات واعتبر مروان إن تكاليف المعيشة في تونس أصبحت لا تُطاق فعلاً وشاطره الرأي غيث قائلا إنّ صبر التونسي قد نفذ أمام ضغوطات العائلة ومتطلّبات الأبناء من النفقات اليوميّة سواء كانت دراسيّة أو غذائية أو ترفيهيّة فضلاً عن المتطلّبات الثانوية على غرار الملبس والتنقل والهاتف. أمراض نفسيّة بسبب الأزمات المالية أمام غلاء المعيشة والعجز عن توفير المتطلّبات الشخصية للأبناء وللزوجة روى لنا أحد المواطنين رفض ذكر اسمه ما حصل لصديقه مؤخرا حيث تعرّض هذا الأخير إلى أزمة نفسيّة وحالة هستيرية بسبب شعوره بالعجز والقهر عن توفير متطلّبات الحياة. منظمة الدفاع عن المستهلك تحذّر من جهتها دعت منظمةُ الدّفاعِ عن المستهلكِ الحكومةَ إلى الوقف الفوري لأي زيادات في الأسعار والخدمات وذلك حفاظا على استقرار الوضع الاجتماعي العام للبلاد وتحسّنه تفاديا لحالات الاحتقان التي قد تكون عواقبها وخيمة. وعبّرت المنظمة عن عميق انشغالها للتدهور الخطير والمتواصل للمقدرة الشرائية للمستهلك التونسي عامة وخاصة لمحدودي الدخل والطبقة المتوسطة وطالبت المنظمةُ الحكومةَ بتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني بالاضافة الى مراجعة منظومة الدعم فضلاً عن دعم فِرَقِ عمل المراقبة الاقتصادية في كامل ولايات الجمهورية.