منذ الأربعاء الماضي وبُعيد اغتيال شكري بلعيد شهيد الوطن، كان السؤال الأبرز : من القاتل ؟ وهو سؤال تداولته وسائل الإعلام واستنكرت المنظمات الدولية وكل الدول والأحزاب هذا العمل الإرهابي الإجرامي. ولكن السؤال الأهم : من المستفيد من هذه العملية النكراء ... لأن منفذ عملية الاغتيال ليس هو القاتل بل القاتل الحقيقي هو المستفيد من هذه العملية وهو الذي خطط منذ شهور لذلك... اتفق المحللون على أن شكري بلعيد لم يُقتل يوم الأربعاء 06 فيفري 2013 بل قُتل قبل ذلك بكثير عندما أُحِلَّ دمُه وهُتك عرضه ولم يحرك أحد ساكنا ...كلنا نعرف أن شكري بلعيد يرجع رأسا إلى إيديولوجيا اليسار الراديكالي ... وهو الذي يؤمن بالشعب أولا وباستحقاق الفقير والمحتاج والتوزيع العادل للثروات المادية والفكرية ... والذي يناهض العنف المادي والاجتماعي والجهوي الرمزي، لذلك تسلح بالكلمة وسقط من أجلها...الزعيم الوطني والأممي شكري بلعيد أسقطته الكلمات الغادرة (التي تتهمه بالكفر) قبل الرصاصات الآثمة التي نفذها الجبان ... مات بالقوة خطابا واغْتِيل بالفعل رصاصا...فأوْلى ثم أوْلى أن يقع البحث عن الجاني المحرّض على القتل في المساجد والمنابر...فلِمَ جبن هذا المحرّض ولم يواجه بالحجة شكري بلعيد، لأنه لا يفقه إلا لعبة العنف ... هذا الجبان لم يعرف أن الحوار هو الضامن لسلامة الوطن ولأمنه والتعايش السلمي بين المواطنين ... وهو الآن يموت بغيظه وشكري يحيي الملايين بموته... تفطن القاتل الحقيقي إلى أن انقطاع الحوار ووصوله إلى مفترق الطرق أذن بتنفيذ العنف المادي بعد غياب سلطة الدولة أو العنف الشرعي أو الوازع كما يقول ابن خلدون ... وإلا كيف تسلّل المنفذ لعملية الاغتيال إلى المنزه السادس على بُعد مائة متر من مركز الأمن ونفّذ العملية ولاذ بالفرار دون أن يتفطن إليه أحد والمنزه السادس في ذلك الوقت بالذات مكتظ بالمارة والسيارات ... وإلا ما سبب إعلان بعض المواقع الالكترونية عن موت شكري بلعيد قبل تنفيذ العملية بساعة ... أليس غياب الدولة هو الذي تسبب هو الآخر في مقتل رجل الأمن الشهيد لطفي الزار الذي لم تقع حمايته ولو بواق من الحجارة لا من الرصاص ... سقط هذا الشهيد وهو يدافع عن أملاك الفرد كما دافع شكري بالكلمة والموقف عنها... تتجه الأصابع المليونية التي خرجت يوم الجنازة في العاصمة وفي كل الولايات إلى أطراف معينة وهو ما لخصه الصحافي زياد الهاني في معلومات حول مسؤول سام في وزارة الداخلية بإيعاز من قيادي في أحد أحزاب الكبرى هو القاتل الحقيقي ... حاولت منذ استشهاد الزعيم الكبير شكري بلعيد أن أبحث في أغلب حواراته في التلفزة أو عبر المواقع الالكترونية أو في الصحف السيارة، فإذا بي أصدم بأن شكري بلعيد دلّ النيابة العمومية عن هوية القاتل الحقيقي ولكنه لم يستطع أن يدلّنا على توقيت التنفيذ ولا على المنفذين، لأنه لا يشير إلى الضعفاء ولو بإصبعه الطاهرة ولا يحسب حسابا للوقت لأنه ابن كل الأزمان ... هي سابقة في تاريخ الاغتيالات السياسية أن يدلّ القاتل عن هوية قاتله ... نعم عودوا إلى التسجيلات الصوتية لشكري بلعيد وستعرفون القاتل الحقيقي، نعم عودوا إلى الكلمات التي قال فيها ذات مساء«الرب واحد والموت واحد» عودوا إلى اللقاءات الصحافية التي أعلن فيها أن «الشعب التونسي ذكي ولا ينخدع مرتين». لقد ترك شكري بلعيد زوجة (بسمة الخلفاوي) بألف رجل : فالدماء في ثيابها وهي تخرج وتقول «لا نرد بالعنف بل بالفكر»... ترك أيضا ابنتين بألف طفل، فالكبرى وطول الجنازة تقول «أنا ابنة شكري» واجهت «الكريموجان» بعين صامدة وأخرى حالمة وأنف شامخة ... هي الطفولة التي أرادها شكري لا التي يُروّج لها أعداء الطفولة ... نعم ترك شكري في كل منزل تونسيا يحبه ... فنِعم الغُنم ونِعم الرجل الذي لم يشك لحظة حتى آخر حياته في فطنة الشعب التونسي وذكائه ... نَمْ في قبرك واطمئنّ على شعبك الذي سال دمك من أجله ... فأنت لتونس وتونس لك ...