لا يمكن للدولة أن تقف على الحياد، إذ لها دور اقتصادي فاعل، خاصة وان التعويل على آليات السوق قد أدى إلى اختلال كبير في توزيع الثروة وزاد في توسيع دائرة الفقراء والمحرومين. هذا ما اجمع عليه اغلب المتدخلون خلال الحصة الصباحية للندوة التي نظمت جامعة تونس المنار في إطار التحضير للمنتدى العالمي للعلوم والديمقراطية والمنتدى الاجتماعي العالمي الذين سينتظمان خلال النصف الثاني من شهر مارس 2013 بالمركب الجامعي المنار والتي انتظمت يوم 15 فيفري 2013 بكلية الحقوق بتونس بحضور عبد اللطيف الغربي رئيس جامعة تونس المنار وعدد من رؤساء الجامعات التونسية والخبراء وممثلين عن المنتدى الاجتماعي العالمي. وذكر عبد الجليل البدوي أستاذ العلوم الاقتصادية خلال المداخلة التي ألقاها أن الدولة فاعل أساسي في الاقتصاد مشيرا إلى ضرورة القطع مع عقيدة السياسيات النيو ليبرالية التي لا تريد تدخل الدولة. وأشار البدوي إلى إن النظام التعليمي لا يتحمل مسؤولية بطالة خريجي الجامعات بل أن المشكل يكمن في ضعف نظام الإنتاج في الاقتصاد التونسي الذي تطور على أساس نشاطات تتطلب يد عاملة غير كفأة. لذلك فانه من الضروري إصلاح المنظومتين معا وعدم جعل الجامعة مراكز للتكوين المهني كما يحدث الآن تحت مسمى ربط الجامعة بسوق الشغل. واعتبر البدوي أن العلم والتكنولوجيا متكاملين ومتداخلين وأنهما أصبحا يخضعان لمنطق التجارة والتسويق مبرزا أن تونس تحتل موقعا غير مميز على الصعيد العالمي في هذا المجال. اقتصاد اجتماعي تضامني وذكر سامي العوادي أستاذ العلوم الاقتصادية أن دور المجتمع المدني في تخفيف العبء العولمة على الفقراء يكمن في نشر فكر التضامن خارج أجهزة الدولة التقليدية مبرزا أن المجتمع المدني يخرج من الأنظمة النمطية لإبداع أنواع من الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وأشار إلى أن دور المجتمع المدني يكمن أيضا في فرض التشاركية في صياغة السياسات البديلة والتوصل إلى حلول توافقية حول أهم الاختيارات. واعتبر العوادي أن الدعوة إلى حياد الدولة يرتكز على نظرة ليبرالية للدولة تحصر دورها في المجال الأمني في حين أن المجتمعات النامية التي لنم تكتمل نهضتها الاقتصادية بعد، تتطلب دورا نشيطا للدولة لا فقط في مجال حوكمة الاقتصاد بل في المشاركة في البناء الاقتصادي. وبين ضرورة وجود قطاع عام خاصة في الأنشطة غير التنافسية وعن حظوظ المنتدى الاجتماعي العالمي في التصدي لمخاطر العولمة متزايدة ذكر أن المجتمع المدني يربح كل يوم قضايا جديدة وأنصارا ومساحات واعتبر أن المنتدى الاجتماعي العالمي يشارك في توعية الناس وفي فك العزلة عن المناطق الفقيرة ويفسح المجال للأقليات للتعريف عن قضاياها وتقديم نفسها. وبين فتحي السلاوتي نائب رئيس جامعة تونس المنار أن هناك هيمنة كاملة من قبل مؤسسات اقتصادية عالمية على التكنولوجيا وأصبح من الصعب على البلدان النامية أن تساهم في تطوير التكنولوجيات الجديدة أو أن تكتسبها لان ميزان القوى ليس في صالحها ولان الوضع أصبح أكثر تعقيدا بعد التطورات التي شهدتها الساحة العالمة.. ووضح أن العولمة محكومة من طرف مؤسسات عالمية منظمة بشكل معقد مما يجعل من الصعب حد الاستحالة تحديد هوية هؤلاء الماسكين بزمام الأمور. وفي هذا الإطار يكون دور المجتمع المدني كبير في جعل هذه العولمة أكثر إنسانية وقلب عديد المعطيات في اتجاه جعل هذه لعولمة في خدمة الطبقات والشعوب الأقل نموا في العالم. ففي المرحلة الراهنة المطروح على المجتمع المدني الذي أصبح أكثر تنظما على المستوى القطري والعالمي هو تخفيف وطأة العولمة على الفقراء أما على المستوى البعيد يمكن أن نأمل في عولمة ذات وجه إنساني. وذكر الهاشمي بن فرج من قسم التسيير والتنظيم في المنتدى الاجتماعي العالمي أن دور الشباب في المنتدى الاجتماعي العالمي مركزي وان القضايا التي ستطرح ستنبع من واقع الشباب ومشاكله. واعتبر أن الشباب التونسي قد ابهر العالم بدوره خلال ما حصل في البلدان العربية خاصة وان لا احد كان يراهن عليه. وقد فأجا الشباب التونسي العالم اجمع وهو ما دفع إلى تنظيم المنتدى الاجتماعي العالمي في تونس لان العالم مقتنع أن ما حصل ليس امرأ بسيطا. وقد ذهب عدد من أعضاء المكتب العالمي للمنتدى أن دورة تونس ستعطي وجه أخر لديناميكية المنتدى. وعن اختيار كلية الحقوق بتونس«بيروت الجامعة التونسية» بكل رمزيتها التاريخية ذكر السيد بن فرج أن الاختيار اخذ بعين الاعتبار الدور التاريخي النضالي للكلية والى الدور الذي تلعبه أجيال متعاقبة من خريجي الكلية. فضلا عن مساحتها وقدرة المركب الجامعي خاصة بعد التحسينات على استيعاب هذه التظاهرة العالمية. وأشار إلى النقاشات ستهم الشبيبة المثقفة ولا يمكن أن تكون إلا داخل مركب جامعي. فشل اقتصاد السوق وذكر الخبير الاقتصادي منجي السماعلي أن تدخل الدولة أنقذ المؤسسات المالية والمؤسسات المنتجة عموما بعد أزمة الرهن العقاري وان الاقتصاد كان سينهار لولا هذا التدخل. غير أن هذا التدخل لا يعكس توجه نحو عودة الدولة للعب دورها الاقتصادي والاجتماعي بل هو توظيف للدولة من اجل خدمة رأس المال. وهذا السلوك يتناقض مع الطرح الليبرالي نفسه الذي يقوم على فكرة أن السوق يستطيع تجاوز الأزمات والوصول إلى التوازن الاقتصادي حيث بينت التجربة أن السوق غير قادر على حل الأزمات الاقتصادية وان الحل في تدخل الدولة خاصة بعد فشل السوق. واعتبر السماعلي أن سبب الأزمات هو أساسا رأس المال المالي لذلك فان الحد من الأزمات يمر عبر مراجعة الدور الذي يلعبه رأس المال المالي و إيجاد حلول لتخفيف عدم الاستقرار الاقتصادي على مستوى الدول المتقدمة وعلى المستوى العالمي. لأنه من المعروف أن الأزمات الاقتصادية تجثم على كاهل الدول الفقيرة ودافعي الضرائب. وعلى سبيل المثال فان الأزمة الاقتصادية التي شهدتها دول جنوب شرق آسيا كانت بسبب هجمات مضاربة بعد أن انسحب رأس المال المالي من تلك الدول بصفة فجائية وهو سلوك معروف عند رأس المال المالي الذي ينسحب بمجرد تحقيق الربح من الأسواق المعنية. فالمطروح إذا هو تعديل الدائرة المالية وهو دور الدولة. واعتبر السماعلي أن المنتدى الاجتماعي العالمي يمثل القوى المضادة للعولمة واه يدفع في اتجاه إعادة الاعتبار للعمق الاجتماعي للمنوال التنموي ولاسترجاع الدور التعديلي للدولة الذي من شانه أن يخلق منوال تنمية عادل وإنساني. ولاحظ أن المجتمع المدني يقوم بدور أساسي في هذا المجال غير أن موازين القوى غير متكافئة رغم المجهود الذي يقوم به. وذكر أن المجتمع المدني التونسي نجح إلى حد ما في أن يحد من السياسة الليبرالية التي تتبعها الحكومة.