تزور تونس خلال هذه الأيام بعثة من صندوق النقد الدولي لمزيد توضيح عديد المسائل المتعلقة باتفاق الاستعداد الائتماني الذي تريد تونس أن تعقده مع صندوق النقد الدولي بقيمة تناهز 3 مليار دينار تونسي. هذه البعثة كغيرها من البعثات لا هم لها سوى التأكد من الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس لتطمئن إلى مصير المال الذي ستمنحه لبلادنا. وقد ذهب عديد الملاحظين إلى القول بان الزيارات المتكررة تهدف أساسا إلى جعل الحكومة التونسية توافق على حزمة الإصلاحات المسقطة وان يشرف الصندوق على هذه الإصلاحات وان يتأكد بنفسه من أن الحكومة تسير فعلا نحو تطبيقها على ارض الواقع. ويبدو أن الزيادات الأخيرة في سعر الكهرباء والماء وماء الري والمحروقات وتخفيض الدعم والتمويل المرصود للتنمية وعدم انجاز المشاريع التنموية المقررة منذ السنة المنقضية تدخل جميعها في باب حرص الحكومة على الحصول على رضى الصندوق قصد الحصول على القرض المنشود. ما يجعلنا نستريب من الزيارات المتكررة هو عدم تقدم الأمور رغم الزيارات الثلاث ورغم وعود الحكومة بان يحسم في ملف هذا الاتفاق في وسط مارس الفارط. رفض وانتقاد وكانت عديد القوى الاجتماعية والسياسية قد نددت بهذا الاتفاق معتبرة انه يمس من مصالح تونس. وكانت الجبهة الشعبية قد نظمت منذ أسبوعين الملتقى المتوسطي لمقاومة دكتاتورية المديونية من اجل سيادة الشعوب الذي اعتبرت خلاله أن نهج الاقتراض والتزام الحكومة التونسية بتسديد القروض القديمة التي استغلها بن علي وعائلته لفائدتهم، إضرار بمصلحة الشعب التونسي. واعتبرت الجبهة أن الاتفاق الائتماني مع صندوق النقد الدولي يدخل في إطار إخضاع بلدان الجنوب إلى سياسات التعديل الهيكلي والتبادل الحر المدمر للاقتصاد. وذكرت الجبهة أن هناك شروطا قد فرضت على تونس من اجل إمضاء هذا الاتفاق أهمها تخفيض الدعم العمومي والإنفاق والجريات. وبعيدا عن هذه الآراء التي ذهبت إليها اغلب الأحزاب السياسية التي تتضمن برامجها عمقا اجتماعيا وانحيازا إلى صالح الفقراء فان التجربة التي خاضتها تونس مع هذه المؤسسة المالية العالمية جعلت تدخلها محل ريبة. حيث كان صندوق النقد الدولي يشيد وينوه بالمنوال التنموي التونسي ونباهة التلميذ الممتاز (تونس) الذي يطبق السياسات الإصلاحية التي نصحه بها الصندوق. وقد أيد هذا التقدير عدة تصريحات لمسؤولين سياسيين أوروبيين على غرار الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي تحدث عن المعجزة الاقتصادية التونسية خلال زيارته لتونس. كل هذه الشهادات سقطت في الماء بمجرد سقوط بن علي وأصبحت المؤسسات الدولية والساسة العالميين ذاتهم يتحدثون عن ربيع وفرص استثمار جيدة وسير الحكومة على درب إصلاح ما أفسده النظام السابق الذي كان يطبق سياساتها بحذافيرها و الذي كانت تشهد له بالتمييز والتقدير. فمن خلال الواقع يمكن أن نتبين أن شهادة صندوق النقد الدولي للحكومات لا تعني شيئا وان رأيه ليس موضوعيا واقتصاديا بقدر ما هو سياسي دعائي. وإذا كنا نعتمد على بعض الأرقام التي يقدمها كدليل على فشل الخيارات الاقتصادية الحالية آو السابقة فذلك لسبب بسيط وهو ان انزعاجه المدافع الأول عن الحكومات من سياسياتها يمولها يمثل ابرز دليل على فشلها. سياسة صندوق النقد الدولي لقد ادعى صندوق النقد الدولي في اغلب خطاباته خلال السنتين الماضيتين انه بصدد تغيير سياساته مع البلدان الفقيرة وانه أصبح مهتما بالجوانب الإنسانية والاجتماعية وانه بات يمول المشاريع الحكومية التي تهدف إلى تشغيل الشباب والحد من البطالة ودفع التنمية. وهو أمر صحيح نسبيا غير أن الصندوق يريد لنفسه وجها جديدا بعد الأزمة المالية العالمية التي فشل في التصدي لها ومساعدة الدول المتضررة منها وبعد تجاهله للبلدان الأوروبية التي تعيش أزمات اقتصادية خانقة وفرض شروط للمساعدات رغم انه مازال يحافظ على ذات الدور وهو الإقراض المشروط وفق ما تريده الدول الأعضاء. وتجدر الإشارة إلى إن ما قد يفرضه الصندوق على الحكومة التونسية مقابل الاتفاق لن يكون نافعا في كل الحالات وذلك لكون هذه الحكومة المؤقتة عاجزة عن تطبيق إي إصلاحات وستكون كلها متسرعة ومسقطة خاصة ان الحكومة لم تشرك الإطراف الاجتماعية في كل ما تقوم به من قرارات. و لان كل إصلاح لا يندرج صمن برنامج اقتصادي متكامل ومنوال تنمية واضح المعالم تكون ترقيعية وبلا فائدة.