تمّ، يوم الجمعة 12 افريل خلال أشغال المجلس التّأسيسي، قبول مقترح النائب عن حركة وفاء عبد الرؤوف العيّادي بمنع «كلّ قاض ساهم في الانقلاب على جمعيّة القضاة التّونسيّين سنة 2005 من التّرشح لعضوية الهيئة الوقتيّة للقضاء العدلي صلب نصّ الفصل 9 من مشروع القانون المُحدث لها، والّذي تمّ قُبُوله والتّصويت عليه من قبل 130 نائبا في حين تحفّض 3 آخرين. تفاصيل الانقلاب إن الأزمة التي عاشتها جمعية القضاة التونسيين على مدى ست سنوات من مارس 2005 الى فيفري 2011 تمثل واحدا من أخطر الانقلابات التي تعرضت لها جمعية مستقلة في تونس. فلقد بدأ مسلسل مناوئة الجمعية الذي أسفر لاحقا عن تخريب هياكلها والاستيلاء عليها تماما منذ انتخاب المكتب المنبثق عن المؤتمر العاشر يوم 12 -12- 2005 فلقد رفضت وزارة العدل التعامل مع المكتب الجديد المنتخب لأن الاقتراع جرى في أجواء ديمقراطية وأسفر عن صعود مكتب مستقل ، غير موال وخاصة غير قابل للعمل وفق امتلاءاتها. وربما تكون الذريعة التي وجدتها الوزارة حينها للانقضاض على الجمعية وإخماد صوت التيار المستقل الذي تشكل داخلها منذ سنة 2000 و الذي أصبح يطرح بجدية مسألة استقلال القضاء هي وقائع 2 مارس 2005. فلقد أصدر القضاة حينها وإبان مثول الأستاذ محمد عبو أمام التحقيق واثر أحداث العنف التي جدت بقصر العدالة بتونس بيانا قويا يتهمون فيه السلطة بالاعتداء المباشر على الحرمة المعنوية للمحكمة والمساس باعتبار السلطة القضائية . وإثر هذا البيان انتشرت عرائض يرى القضاة أن وزارة العدل تقف وراءها تشكّك في تمثيلية الجمعية كما نظمت اجتماعات موازية لعملها بداية من يوم 3 -3-2005 أي صبيحة صدور البيان المذكور. ثم بدأ منذ 23 مارس في بعض الصحف اليومية والأسبوعية الرسمية الترويج لوجود خلافات بين القضاة وهي التعلة المستعملة من قبل النظام البائد عادة للانقضاض على الجمعيات غير الموالية. وراج الحديث منذ الاجتماعات الأولى التي لاشك في أنها كانت موضبة عن امكانية سحب الثقة من المكتب المنتخب وعقد مؤتمر قبل انتهاء المدة الانتخابية وهي الخطة التي بدأ فعلا تنفيذها منذ شهر جويلية 2005 إذ وبمناسبة انعقاد جلسة عامة خارقة للعادة دعا إليها المكتب التنفيذي تحت ضغط الأحداث وقع تنفيذ جملة من الأعمال السرية تمثلت في دعوة القضاة خارج إطار الجلسة العامة وحتى قبل الانتهاء من أعمالها إلى الإمضاء على أوراق بيضاء وإلحاق جملة الإمضاءات التي وقع جمعها بطريق التحّيل(اعتقد القضاة الموقّعون أنهم يمضون على الحضور) بنص تمت صياغته باسم القضاة التونسيين تضمن تغييرا لوقائع الجلسة وتهجما على هياكلها الشرعية واختلاقا لمقررات تمت نسبتها لمجموعة من القضاة تتعلق بسحب الثقة من المكتب التنفيذي وتعيين مؤتمر استثنائي يوم 4- 12- 2005 وهو ذات النص الذي اعتمد لتكوين لجنة سميت بالمؤقتة وضع على رأسها الرئيس الأسبق للجمعية القاضي خالد عباس. ولتمكين هذا الأخير من الحلول محل القضاة المنتخبين تم الاستيلاء على مقر الجمعية بكسر الأبواب وإبدال الأقفال في واقعة قلما تحدث في مثل هذه الأوساط. ثم فتح باب المقر للّجنة المحدثة من قبل السلطة ووقع الإعلان عن مؤتمر استثنائي يوم 04-12-2005. وكان المجلس الأعلى للقضاء وهو المجلس المسؤول دستوريا في تونس عن نقلة القضاة قد قرر في وقت سابق نقلة عضوين من المكتب التنفيذي من العاصمة إلى مناطق بعيدة عنها قصد تشتيت أعضائه كما وقع نقلة 15 عضوا من الهيئة الإدارية وهو الهيكل الأوسط الذي يضم ممثلي المحاكم. مع العلم أن نقلتهم تعني فقدانهم لعضويتهم بمجلس إدارة الجمعية. وأخيرا انتهى المسلسل المثير بعقد المؤتمر الاستثنائي فعلا في اليوم المعين أي 04 -12-2005 وقد حضره أغلب القضاة كتب البعض منهم على أوراق الانتخاب شعارات تندد «بالانقلاب». وقد استغل حضورهم المكثف في ما بعد من قبل وزير العدل للتأكيد على أن أزمة الجمعية مشكل داخلي وقع حسمه من قبل القضاة أنفسهم عبر المؤتمر الاستثنائي. ولكن الانقلاب لم يقف عند هذا الحد إذ عمد المكتب المنصب إلى تحوير القانون الأساسي للجمعية بشكل مثير للانتباه إذ شابته اخلالات خطيرة حسب ما ورد في تقارير محامي الجمعية والتي نشرت وقتها بالصحافة الالكترونية ويتمثل هذا التحوير في التقليص من عدد أعضاء المكتب التنفيذي وجعله سبعة عوض تسعة ثم حصر الترشح في دوائر استئناف تونس ونابل وبنزرت بعد أن نقل كل أعضاء المكتب الشرعي خارج هذه الدوائر. وقد جاء هذا التحوير في مخالفة صريحة لقانون الجمعيات بل لقانون جمعية القضاة نفسها. لقد تم تنقيح قانون الجمعية في ظروف مريبة مع نية واضحة في تغييب القضاة المعنيين بالتنقيح وهم قضاة داخل الجمهورية عن الحضور بالجلسة العامة أو حتى العلم بموضوع التنقيح، إذ كيف يتم التداول في شأن تنقيح فصل هام بمثل أهمية الفصل 13 من قانون جمعية القضاة التونسيين في بنده المتعلق بتمثيلية قضاة الداخل في أعلى وأهم هيكل من هياكل الجمعية وهو المكتب التنفيذي في آخر يوم من السنة القضائية (الجلسة العامة الأولى يوم السبت 15 جويلية 2006 مساءً) وهو تاريخ حال دون حضور أغلب القضاة وخاصة منهم قضاة الداخل المرتبطين بالعمل بمحاكمهم في ذلك اليوم ثم كيف تعقد جلسة ثانية خلال العطلة القضائية بعد أن يكون جل القضاة قد غادروا المحاكم للتمتع برخصهم السنوية. ومن غير الخفي على أحد أن التحوير جاء لاستبعاد أعضاء المكتب الشرعي والهيئة الإدارية ومنعهم من الترشح مرة أخرى لعضوية المكتب بعد أن نقلوا كلهم بدون استثناء إلى داخل الجمهورية. وهكذا يأخذ الانقلاب معنى مركبا فهو ذو أثر ظرفي مباشر من جهة الاستيلاء على الهيكل باستبعاد مكتبه القانوني بواسطة انتخابات لا انتخاب فيها وهو ذو أثر هيكلي من جهة خلق موانع «قانونية» تستثني أولئك الذين نقلوا خارج الدائرة الانتخابية وظلوا هناك تحسبا لأي رجوع ممكن لهم حتى جاءت الثورة فأنصفتهم. هذه في خلاصة شديدة الاقتضاب بعض أطوار هذه القضية الخطيرة التي لم تحظ في حينها بالأهمية التي تستحقها من المجتمع المدني ومن الرأي العام في تونس أولا. من المعني من القضاة بهذا المنع ؟ لاشك في إن قيمة الفصل الذي نحن بصدده انه يمثل اعترافا صريحا من الدولة ممثلة في سلطتها التأسيسية بوقائع الانقلاب الخطير الذي جدت أحداثه بداية من 2 مارس 2005 والذي ظل الحديث عنه على مدى سنوات أمرا ممنوعا. ولا شك أيضا إن هذا المُقترح يُعدُّ كما قال ذلك السيد احمد الرحموني رئيس المرصد التونسي للقضاء ورئيس الجمعية أيام الانقلاب عليها «تدعيما لنزاهة الهيئة المزمع إحداثها باستبعاد كلّ من أسهم في العمليّات الانقلابيّة على الهياكل الشّرعيّة للقضاة في عهد النّظام السّابق". مع العلم «أنّ الّذين أسهموا في الانقلاب لم تقع مساءلتهم رغم تقديم المحامي فوزي بن مراد، الّذي توفّي يوم 6 افريل الجاري، لدعوى باسم جمعيّة القضاة في سبتمبر 2011 لتتبّع وزير العدل الأسبق بشير التّكاري وخالد عباس القاضي بمحكمة أريانة وتحميلهما مسؤوليّة الانقلاب الّذي تمّ على مكتب الجمعيّة في 2005. (انظر جدل بتاريخ 13 افريل). غير ان الفصل الذي وقعت المصادقة عليه من قبل المجلس التأسيسي وبقطع النظر عما يحتويه من تحصين للهئية وانصاف للهياكل الشرعية وهي التسمية التي اشتهر بها القضاة الذين قادوا على مدى 6 سنوات مقاومة قل نظيرها لنظام بن علي سيعرف تطبيقه مشاكل عويصة فمن هم المعنيون بهذا المنع ؟ فإذا كان هذا المنع لا شك يشمل القضاة الذين كوّنوا بداية من سبتمبر 2005 ما يسمى بالهيئة الوقتية لإدارة الجمعية بعد خلع مقرها والدخول إليه دون اذن قضائي وهم خالد عباس ومحمد بوليلة والشاذلي بوخريص كما يشمل القضاة الذين ترشحوا للانتخاب المزيف الذي جرى في المؤتمر الانقلابي في ديسمبر 2005 الذي سمي استثنائيا سواء رضيت عليهم وزارة العدل فأدخلتهم المكتب او لم تدخلهم ويشمل أيضا كل الذين ترشحوا الى المؤتمرات العادية الانقلابية التي جرت في سنوات 2006 2008 و2010 وكل هؤلاء أسماؤهم معروفة وموثقة إذ نشرت بالصحافة حينها إلا إن المشكلة تبقى محصورة في مسألتين اثنتين :الأولى في القائمة التي اعتمدت لسحب الثقة من المكتب يوم 3 جويلية 2005 اذ تتضارب القراءات لطبيعة هذه القائمة هل هي إمضاء على سحب الثقة أم إمضاء على الحضور كما يزعم ذلك من امضوا على هذه الوثيقة وان كانت الجمعية تشير من خلال لوائحها الصادرة في 2005 انه وبمناسبة انعقاد الجلسة العامة الخارقة للعادة التي دعا إليها المكتب التنفيذي تحت ضغط الأحداث « وقع تنفيذ جملة من الأعمال السرية تمثلت في دعوة القضاة خارج إطار الجلسة العامة وحتى قبل الانتهاء من أعمالها إلى الإمضاء على أوراق بيضاء وإلحاق جملة الإمضاءات التي وقع جمعها بطريق التحّيل». وإذا كان الأمر قد وقع بهذه الطريقة فان إلحاق هذه الأسماء الواردة في هذه القائمة بقائمة الممنوعين من الترشح أمر ستعترضه صعوبات جمة من الصعب تجاوزها. ولكن المشكلة الأكبر تتمثل في القضاة المشاركين في المؤتمر الانقلابي الأول خاصة وفي بقية المؤتمرات أيضا إذ أن منع هؤلاء من الترشح للهيئة يعني ببساطة منع أكثر من نصف القضاة من حقهم في الانتماء اليها. مع العلم ان هذه القائمات منشورة ومعلومة . فمن إذن سيشمله المنع ؟ هذا هو السؤال سيطرح على المجلس التأسيسي حين الشروع في انتخابات الهيئة إذا وقع بطبيعة الحال المصادقة على القانون المنظم لها هذه المرة.