إن الدخان حول ما يجري بديوان التونسيين بالخارج – بعد الثورة – أكثر من أن يكون بلا نار فالكثير من الألسن الخبيثة تتحدث عن تواتر العديد من حالات الانتدابات الجديدة وبأجور ومستحقات فلكية تتم بكل تستر وتحت عناوين متعددة كالعقود المحددة المدة أو التكليف بمهمة أو الإلحاق وكلها قطع إسفنج تمتص وتبدد ميزانية هذه المؤسسة الإستراتيجية التي حادت عن أهم وظائفها في العهدين ... فلئن لقب الديوان في السابق بديوان «السيدة» نسبة إلى مديرته العامة المساعدة «السيدة العقربي» وماتميزت به من كرم الإنفاق عن أنشطة عبثية تنم عن بساطة مركبة وقصر نظر وتهميش لدور الجاليات التونسية حين أطلقت العنان لجمعيات ونوادٍ كانت أكثر من الهم على القلب تتنافس في تقديم الأكلات التونسية للتعريف بتونس وربط المهاجرين ببلدهم عبر سياسة كانت تعرف بسياسة « الطاجين» إشارة إلى كثرة الولائم وتعدد اختصاصات «الطبخ والنفخ» لأن الأكلات كانت تعد على نار الفحم ... وكأن قدر الديوان أن يكون تاريخه موغلا في الغرابة كتاريخ جحا فإنه في هذا العهد الجديد وتحت حكم أتقياء القلوب الذين جاؤو للمسؤولية فقط للتنفيس عن سنوات السجن والحرمان بأكثر الوسائل كلفة كتعدد المهمات إلى الخارج في الإتجاهين شرقا وغربا «والرّجل تدب مطرح ماتحب» فإن باريس كانت وجهة البوصلة في كل هذه التنقلات التي باتت كعصا موسى منهم من يتوكأ عليها ومنهم من يهش بها على غنمه ومنهم من له فيها مآرب أخرى كتفقد المشاريع القديمة هناك، وفي جميع الحالات فإن الديوان لم يفارق سياسة «الروتشة» والخبط خبطة عشواء تارة هنا وتارة هناك والغريب حقا أن هذه المؤسسة تتوفر على أحسن الكفاءات وأمهر الخبرات في رسم المناهج والبرامج العلمية في الإحاطة بالجالية والاستفادة من أبناء الجالية التونسية بالخارج. ولكن تعاقب الأعوام وثقل السنين جعلتهم يندحرون إلى مواطن الظل وبرد الثلاجات فاسحين المجال للقادمين الجدد من المعارف والو لاءات والقرابات والأصهار تحت ذات العناوين السابقة ... لقد ذهب الظن بالكثير منا حين خصت الحكومة الرشيدة التونسيين بالخارج بكتابة دولة وأن اتجاه الريح سيتغير خاصة وقد أسندت إلى أحد المختصين في توظيف ملامح الوجه والتعبير عن مكنون معرفي عميق كفيل بالسير بهذه المؤسسة في الاتجاه الصحيح والعودة بها إلى دور غائب ومغيّب، ولكن خيبة الأمل وخيبة الانتظار كانتا مرة أخرى في الموعد حتى مع تولي من ينتحلون صفة أخلص الخلص لتونس وأبرّ دراويشها ومريديها ... وأمام هذا الدخان الذي لا يمكن أن يكون بلا نار وكثرة الهمز واللمز عن تصرفات هذا المسؤول الذي لم يمضِ على أية وثيقة مهمّة أو ... إلى اليوم بما ينم عن تحسب لمحاسبة ستحدث بكل تأكيد في يوم من الأيام من ذلك ملف الحارقين المفقودين منهم والمحبوسين والمخطوفين الذين لا يعرف لهم مكان والذين لم يسجل فيهم تقدم أو بشائر رغم كثرة السفرات والتنقلات وضخم المصاريف المسجلة بهذا العنوان حتى أن الانطباع السائد اليوم لدى عموم الناس أن البلاد تنهب نهبا كاملا وأن هذه التصرفات تفقد الناس معنى كلمة «وطن» حتى أن السؤال الذي يطرحه الشعب الكريم : من أين نزلت علينا هذه الطيور الجارحة ؟ هل ننتظر أن يتحول الشعب التونسي إلى شعب متسول ينتظر الحسنات وفتات موائد الإطعام أمام هذا الجشع الناهب لمقدرات البلد ... جشع بكتابات الدولة. بمجلس نواب الشعب «وحيثما وقعت حوافر جيادهم ؟ هو قدر هذا الديوان يراوح المكان بين تفتح الصرة فلا تجد حتى الخيط».