السيدات والسادة أعضاء المؤتمر، أودّ في البداية أن أتوجه اليكم بالتهنئة على انتخابكم رئيسا لدورتنا هذه والتعبير عن يقيننا بأنّ رئاستكم ستكون بالتأكيد إحدى العوامل الأساسية لنجاح المؤتمر. كما أودّ أن أتوجه ببالغ التقدير للصديق غاي رايدر المدير العام، لعمق القضايا والتحديات التي طرحها في أوّل تقرير له بعد انتخابه لتولّي المسؤولية الأولى بمكتب العمل الدولي. لقد وضع المدير العام بين أيدينا وثيقة استشرافية تضعنا على طريق المئوية الثانية للمنظمة بتحدياتها ومصاعبها، بآمالها ووعودها. وإنّي لأعتقد جازما أن مستقبل منظمتنا وآفاق تطوّر ريادتها وإشعاعها سوف يكونا مرتبطين إلى حدّ بعيد، بقدرتنا كأطراف ثلاثة، على التوصل إلى إجابات عملية ومقنعة لمجمل الاشكالات المعروضة بالتقرير. السيد الرئيس، السيدات والسادة أعضاء المؤتمر، إنّ ظاهرة تعمّق الفوارق التي أشار إليها تقرير المدير العام لا تقتصر فقط على تلك التي توجد داخل المجتمع الواحد بين أفراده وطبقاته الاجتماعية وأجزائه الترابية فحسب، بل هي تبرز بالخصوص في العلاقات الدولية، حيث تزداد الهوّة يوما بعد يوم بين بلدان صناعية ثريّة ذات إمكانيات تكنولوجية وعلميّة عالية، وبين بلدان تعاني من التبعية والتخلف والتداين الخارجي، ويعيش معظم مواطنيها، خاصة الشباب، على عتبة الفقر وما تحت مستوى الفقر وتعصف البطالة والهشاشة بنسب عالية منهم. وعلى هذا الأساس فإنّنا كنا نتمنى لو انضاف إلى هذا التقرير المنهجي الهام، جانب يتعلّق بالحوار الاجتماعي بين الدول من أجل اصلاح النظام الاقتصادي العالمي القائم، كشرط لا بدّ منه للخروج من الأزمة العالمية الحالية وإرساء حَوْكَمَة جديدة تقوم على مبادئ الشفافية والقيم الأخلاقية الكونية والتقيّد بمقتضيات المعايير الدولية للسلوك ومبادئ حقوق الإنسان. غير أنّ ما يجدر تأكيده في هذا المجال هو أنّ الحوار الاجتماعي الدولي المنشود لا بدّ وأن يكون امتدادا للحوار الذي ينبغي إرساؤه ومأسسته على صعيد كلّ بلد بين أطراف اجتماعية تتمتع بالحرية والتمثيلية والاستقلالية وتعمل في مناخ من الديمقراطية والاحترام المتبادل. واقتناعا منّا بصواب هذا التمشّي، فقد عملنا في الاتحاد العام التونسي للشغل على ترسيخ الحوار الاجتماعي بتونس لمرحلة ما بعد الدكتاتورية، وأكّدنا على أهمية مأسسته واعتباره جزءً أساسيّا من استحقاقات الثورة ومتطلبات المرحلة الانتقالية، ومدخلا رئيسيا نحو إرساء الديمقراطية والحرية ومجتمع العدل والعمل اللائق للجميع. فعلنا ذلك من خلال مبادرتنا بصياغة مشروع دستور أكّدنا فيه تصوّرنا لنظام الحكم في بلادنا وشدّدنا فيه على التلازم الوثيق بين الإصلاح السياسي والنموّ الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، ولكن أيضا من خلال توفّقنا مع شركائنا في الحكومة والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، في مطلع هذه السنة، بمناسبة الذكرى الثانية للثورة، إلى ابرام عقد اجتماعي تحت قبة المجلس الوطني التأسيسي وبرعاية منظمة العمل الدولية، وبدعم من الحكومة البلجيكية، وبحضور السيد غاي رايدر المدير العام. وحرصا على ترجمة هذا الحوار على أرض الواقع فقد شكّلنا لجانا للغرض ثلاثية التركيبة هي الآن بصدد البحث في سبل إرساء مقوّماته وتحويله إلى ثقافة مشتركة وسلوكا متداولا بين أطراف الانتاج الثلاثة. وإنّي أغتنم هذه الفرصة لأتوجه للسيد غاي رايدر ولسلفه، ومن خلالهما إلى مكتب الأنشطة العمالية – أكتراف – ومكتب المنظمة بالقاهرة، بخالص الشكر على ما وجدناه وما زلنا، من تضامن ودعم متواصلين. السيد الرئيس، السيدات والسادة أعضاء المؤتمر، إنّ ما أصبحت تعيشه بلدي تونس من ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية صعبة، وتفشي ظاهرة العنف التي طالت مقرات منظمتنا يوم 04 ديسمبر 2012 وقبله، أدّى بالاتحاد العام التونسي للشغل إلى التكفّل، كما في الماضي، بمهام وطنية تذهب إلى أبعد من الدور التقليدي الذي تضطلع به النقابات عادة، إيمانا منه بأنّ أيّ تقدّم في اتجاه الاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي يبقى رهين تظافر الجهود والتحلّي بنكران الذات وتغليب المصلحة العليا للبلاد. وفي هذا السياق، وبصفتنا عامل توازن رئيسي في المجتمع، فقد سعينا جاهدين إلى تجميع الفرقاء السياسيين من أحزاب وطنية وقوى المجتمع المدني في إطار مؤتمر وطني للحوار من أجل إيجاد التوافقات الضرورية للخروج من الأزمة وضبط رزنامة واضحة الأهداف والآجال للتعجيل باعتماد الدستور، وتنظيم انتخابات حرة وشفافة، ووضع الآليات الضرورية لإدارة ما تبقّى من المرحلة الانتقالية. وإذ نسجّل إيجابية ما توصّل إليه الفرقاء من توافقات وخاصة فيما يتعلّق بحرية الفكر والمعتقد والضمير وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وتعزيز الحقوق الأساسية في العمل من خلال دسترة الحق النقابي والحق في الإضراب والحق في المفاوضة والحوار الاجتماعي بما يضمن العمل اللائق وبما يتلاءم مع مقتضيات معايير العمل الدولية، فإنّنا لازلنا نأمل في الوصول خلال الأيّام القادمة في ظلّ اللجنة المنبثقة عن المؤتمر الوطني للحوار إلى التوافق بشأن ما تبقّى من النقاط الخلافية التي لا تزال عالقة. السيد الرئيس، السيدات والسادة أعضاء المؤتمر، إنّ الحديث عن الحرية والسلم، يحيلني إلى تقريرالسيد المدير العام حول وضع عمال الأراضي العربية المحتلة. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنّ الملاحظات الختامية المضمّنة في التقرير الملحق والمتعلّق بالأراضي العربية المحتلة قد وردت في غير سياق التقرير، حيث لم تتعرّض للسبب الأصلي في هذه المأساة والمتمثّل في استمرار الاحتلال والاستيطان وشتّى الانتهاكات في حقّ الشعبين الفلسطيني والسوري وضدّ العمال الفلسطينيين. وكما قال المدير العام في مقدمة التقرير أنّ استمرار الاستيطان وفرض القيود على الاقتصاد الفلسطيني سيدمّر أي مسعى للسلام. فإنّنا نؤكّد مرة أخرى، على مسؤولية المجتمع الدولي في إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. كما ندعو، وبقوّة، إلى ضرورة الحل السلمي للأزمة السورية كشرط للسلم والاستقرار بالمنطقة، ورفضنا لكلّ تدخل خارجي في النزاع الذي يجري في سوريا مع التأكيد على دعمنا وتضامننا مع مطالب الشعب السوري في الحرية والعدالة الاجتماعية. شكرا لكم وبالتوفيق والنجاح لأشغالكم، والسلام.