في بادرة توثيقيّة وتحليليّة محمودة أصدر مركز تونس لحريّة الصحافة كتابًا جديدًا في طبعة أنيقة بعنوان صحافيون تونسيون في مواجهة الدكتاتورية ثلاث وعشرون سنة من القمع والتضليل الكتاب احتوى على ما يزيد الثلاثمائة صفحة توزّعت بين دراسات علميّة كتلك التي كتبها الأستاذ المحامي شوقي الطبيب حول قانون الصحافة في عهد بن علي وركّز خلالها على كيفيّة تحوّل النصوص التشريعية إلى خدمة الاستبداد في قطاع الاعلام وذلك انطلاقا من نشأة الصحافة في تونس التي تزامنت مع نشأة القمع عبر الوسائط التشريعية منذ القرن التاسع عشر وصولاً إلى زين العابدين بن علي. كما ضمّ الكتاب شهادات حيّة لصحافيين عانوا القمع والتضييق والسجن أو التهجير كالفاهم بوكدوس وسليم بوخذير وفاتن حمدي... وهؤلاء من الجيل الأصغر في سلّم ملاحقة الاعلاميين بعد جيل كمال العبيدي وعمر صحابو وصحفيي الحركة الاسلامية إضافة إلى محاولة لتجميع مختلف محطّات استهداف حريّة التعبير في تونس من خلال تكميم أقلام صحافيي الصحافة المكتوبة وتدجين القنوات الاذاعية وارتهان المرفق العمومي البصري في قطاع الاعلام إلى الزبونية واهدار مال دافع الضرائب (قضيّة شركة كاكتوس) وتركيع الاعلام المستقل عبر قناة توزيع الاشهار العمومي حرمان جريدة «الموقف» مثالاً، مرورًا بالولوغ في دماء الطبقات المفقرة في تونس وتوزيع ثرواتها على الأقلام المأجورة من خلال شبكات اعلاميّة دولية زيّفت الحقائق والنظام السياسي وقبضت الثمن عبر وكالة الاتصال الخارجي... وكل هذا بالتوازي مع استهداف الهياكل النقابية المستقلّة للصحفيين وتفكيكها ومنعها من النشاط وإضعاف المستوى الأكاديمي لمعهد الصحافة وعلوم الأخبار. الكتاب يعتبر وثيقة هامة تحتاجها الذاكرة التونسية في التصدّي للنسيان كما يحتاجه الباحثون في قادم الأيام للكشف عن حجم الجرائم التي ارتكبها نظام بن علي ضدّ الكلمة الحرّة وضدّ المسار الديمقراطي.