هذه الأسواق تستنزف الميزان التجاري لتونس    قابس: محامون يلجأون إلى القضاء لوقف التلوث الناجم عن المجمع الكيميائي التونسي    عاجل : قضية استعجالية لوقف الإنتاج بوحدات ملوِّثة للمجمع الكيميائي في قابس    بتكلفة 82 مليون دينار: تأهيل بيئي لوحدة إنتاج الحامض الكبريتي بالمظيلة وفق المعايير الدولية    قضية اغتيال الشهيد بلعيد: أحكام بين الاعدام وعدم سماع الدعوى    عاجل: غدوة مسيرة احتجاجية في قابس    بشرى سارة: تونس ثاني أكبر منتج عالمي لزيت الزيتون هذا الموسم    عاجل: غدا...الصيد البرّي ممنوع في أريانة وبنزرت    غرفة التجارة والصناعة لصفاقس تستعد لإطلاق المنصّة الرقمية لإصدار شهادات المنشأ    هل سيعود أداء الاقتصاد الأمريكي إلى التسارع؟    خلال الثلاثي الثاني من سنة 2025: أكثر من 17 ألف تونسي تحصلوا لأول مرة على قروض من مؤسسات التمويل الصغير    حركة "جيل زد" تدعو لاستئناف الاحتجاجات في المغرب    من مكان مجهول.. رئيس مدغشقر يؤكد نجاته ويدعو إلى الالتزام بالدستور    عاجل/ قوات الاحتلال تداهم منازل أسرى مفرج عنهم..ماذا يحصل..؟    الصين تتخذ هذا الاجراء ضد السفن الأمريكية..#خبر_عاجل    عاجل/ اول رد رسمي من حماس على بند نزع السلاح..    بطولة اولبيا الايطالية للتنس: معز الشرقي يودع المنافسات منذ الدور الاول    الدخول لمباراة المنتخب التونسي تحت ال23 ضد العراق بلاش    دوري إفريقيا لكرة السلة: إعفاء النادي الإفريقي من المشاركة في الدور التمهيدي    مباراة ودية: النادي الإفريقي يستضيف اليوم نجم بني خلاد    التعادل يحسم المباراة الودية بين المنتخبين المصري والتونسي تحت 17 عاما    وزارة التربية تُحدّد رزنامة صارمة للمراقبة المستمرة    اليوم: أمطار غزيرة بهذه المناطق والحرارة تصل الى 32 درجة    بشرى للتوانسة: أمطار متفرقة ورعدية بعد الظهر ..وهذه المناطق المعنية    عاجل للتوانسة: تعرف على أيام العطل المدفوعة والأيام العادية    الكاف: يوم تنشيطي بدار الثقافة بالقصور بمناسبة الاحتفال بالذكرى 62 لعيد الجلاء    رياض دغفوس: تونس تشهد عودة للفيروسات الموسمية    5 أكلات في كوجينتك تخليك في صحة جيّدة    صباح بلاش فطور؟ صحتك في خطر كبير!    هل عادت كورونا؟: الدكتور رياض دعفوس يكشف..#خبر_عاجل    هام/ 4 طرق لتعزيز قوة العقل والوقاية من الزهايمر..تعرف عليها..    تصفيات مونديال 2026 : هدف فولتماده الدولي الأول يقود ألمانيا للفوز على أيرلندا الشمالية    فاجعة صادمة: طفلة التسع سنوات تنتحر وتترك رسالة مؤثرة..!    الرأس الأخضر تفوز على إسواتيني وتصعد لاول مرة في تاريخها الى كأس العالم 2026    عبدالله العبيدي: قمة شرم الشيخ كرّست ميزان القوّة الأمريكي... وغياب القرار العربي كان صارخًا    صحيفة ألمانية: قادة أوروبا اكتفوا بالمشاهدة في قمة شرم الشيخ بينما يدير ترامب وحلفاؤه المشهد    ترامب يروّج لكتاب ميلوني    سرقة "زهرة الجثة" النادرة من حديقة نباتات في ألمانيا    سوريا.. وفاة الملحن عثمان حناوي شقيق الفنانة القديرة ميادة    تحت ضغط المحتجين.. رئيس مدغشقر يفر من البلاد دون الكشف وِجْهَتِهِ    بعد انتخاب هيئة جديدة والاستعداد لدورة جديدة .. هل يكون موسم الإقلاع لمهرجان الزيتونة بالقلعة الكبرى؟    المهدية: منتدى العلاّمة الشيخ محمد المختار السلاّمي في نسخته الأولى ...الماليّة الإسلاميّة.. في عصر التكنولوجيا الرقميّة    سيدي بوزيد: ارتفاع تقديرات صابة الزيتون إلى 500 ألف طن    عرض فني بعنوان "أحبك ياوطني" بالمعهد العمومي للموسيقى والرقص ببنزرت    مشاركة تونسية هامة ضمن فعاليات الدورة 46 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    40 استاذا وباحثا يشاركون في ندوة علمية حول الخصائص التاريخية والجغرافية والتراثية والاجتماعية لمدينة المكنين    مهرجان الرمان بتستور يعود في دورته التاسعة..وهذا هو التاريخ    العثور على جثة المرأة التي جرفتها السيول في بوسالم    تبرئة الوزير الأسبق للبيئة رياض المؤخر    سيدي بوزيد: تصادم بين سيارتين ودراجة يخلف ضحايا وجرحى (فيديو)    عاجل/ السجن 10 سنوات لفتاتين تخصصتا في ترويج المخدرات بالملاهي الليلية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    اليوم نسور قرطاج في موعد جديد: تونس تواجه ناميبيا وهذه التشكيلة المحتملة    أولا وأخيرا .. البحث عن مزرعة للحياة    الزواج بلاش ولي أمر.. باطل أو صحيح؟ فتوى من الأزهر تكشف السّر    وقت سورة الكهف المثالي يوم الجمعة.. تعرف عليه وتضاعف الأجر!    يوم الجمعة وبركة الدعاء: أفضل الأوقات للاستجابة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى أين تسير المنظومة الصّحّيّة في تونس؟
في ندوة لمتصرّفي الصحّة العمومية:
نشر في الشعب يوم 13 - 07 - 2013

نظمت النقابة الاساسية لمتصرفي الصحة العمومية بالتنسيق مع قسم الوظيفة العمومية بالاتحاد العام التونسي للشغل على مدى أيام 28 29 30 جوان المنقضي بمدينة الحمامات ندوة دراسية اهتمت بالمنظومة الصحية في تشكلها ماضيا وفي واقعها حاليا وفي آفاقها مستقبلا. وقد نشط فعاليات هذه الندوة عدد من الخبراء من قطاع الصحة فيما ترأس أشغالها الاخ الحبيب جرجير الكاتب العام المساعد للاتحاد الجهوي بتونس وأدار نقاشاتها كل من الاخوين مصطفى صحابو الكاتب العام لنقابة متصرفي الصحة العمومية وعثمان الجلولي الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للصحة، واختتم أشغالها الاخ قاسم عفية الامين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل.
وفي ما يلي بعض ملامح هذه الندوة:
بعض المحطات من تاريخ المنظومة الصحّيّة الحديثة في تونس
بدأت الندوة بمداخلة أولى مسائلة المنظومة الصحية في نشأتها وحاضرها وآفاقها المستقبلية وقد حرص المحاضر على توضيح مفهومين يتعلق الأول بالمنظومة التي ذكر بأنها نظام مركب من نظم فرعية يجب دراستها بدقة والتثبت من المعلومات والأرقام الرسمية لبلورة نظرة شاملة وإعداد البديل المناسب ويتعلق المفهوم الثاني بالصحة كما عرفته المنظمة العالمية للصحة الذي يتمثل لا في غياب المرض فحسب بل يتعداه لتحقيق توازن نفسي وجسدي واجتماعي للفرد تنتج عنه حالة من الارتياح (Bien être) بمستوياته المادية (الرفاهة) والمعنوية (الإحساس بالسلم) والاجتماعية (الاعتراف المتبادل بالآخر) وقد تم تعديل هذا التعريف سنة 1994 بربطه بجودة الحياة الذي يبدو انه لم يلقى صدى في تونس.
النشأة:
تشكلت النواة الأولى للمنظومة الصحية الحديثة في القرن التاسع عشر وخاصة في النصف الثاني منه وذلك تحت تأثير عوامل أهمها وجود جاليات أجنبية وأطباء وتوالي الأوبئة وتقدم الطب. وفي هذا الإطار تم بعث مستشفيات ذات صبغة إتنية: المستشفى المدني الفرنسي (1848)، المستشفى اليهودي، هيكلة المستشفى الإسلامي ليحمل اسم المستشفى الصادقي (1880)، وبعث معهد باستور (1905) ، تأسيس أول مدرسة لتكوين الممرضين(1924)، بعث مستشفى الأمراض العقلية بمنوبة(1933)، إصدار النظام الداخلي للمستشفيات(1939)، ثم بعث وزارة خاصة للصحة (1948).
بعد الاستقلال
تم مباشرة بعد الاستقلال إصدار أول قانون للتنظيم الصحي الذي أرسى مبدأ اللامركزية حيث أن المؤسسات الاستشفائية والصحية سنة 1956 كانت متواجدة في المدن ذات الكثافة السكانية الاستعمارية أو الأجنبية : باجة - الكاف - سوسة وخاصة تونس (50% من الطاقة السريرية)
ثم تتالى بعث المؤسسات وتطوير الموجود منها نذكر منها خاصة مستشفى الأمراض التنفسية(1958)، مستشفى الأطفال (1965)، المعهد الوطني للتغذية (1969). هذه المستشفيات والمعاهد والمراكز المتخصصة كانت تتولى العلاج وتنظيم الوقاية على كامل تراب الجمهورية
ولا بد هنا أن نشير بصفة خاصة إلى بعث كلية الطب بتونس سنة 1963 التي ستتولى تكوين الأطباء وتعطي دفعا قويا للصحة بداية من سبعينات القرن الماضي.
تأسست إذن منظومة صحية بنظمها الفرعية وتطورت فكان من الضروري تأطير ذلك بإصدار القانون عدد 2 لسنة 1969 الذي كرس خيار القطاع العمومي ومجانية العلاج لمستحقيه ويبرز ذلك خاصة في الطاقة السريرية وتشغيل أعوان الصحة والتمويل
94% من الطاقة السريرية الجملية في البلاد كانت من نصيب القطاع العمومي ( 1989)
52% من الأطباء يشتغلون في القطاع العام
90% من الممرضين والإطار شبه الطبي يعملون في القطاع العام (1991)
50.3% من تمويل النفقات الصحية تتحمله الدولة ( عشرية 1980 – 1990 )
النتائج
تمثلت أهم النتائج كالآتي :
بنية صحية محترمة بناء وتجهيزا وكفاءة وتنظيما.
تراجع أو القضاء على الأمراض الوبائية التي كانت منتشرة في تونس.
التراجع الهام في وفيات الأطفال عند الولادة من 200 ‰ سنة 1956 إلى 120 ‰ سنة 1975 و 60 ‰ سنة 1986 وصولا إلى 17.8 ‰ سنة 2009.
ارتفاع المعدل العام للأمل في الحياة الذي تجاوز 70 سنة (74.2 % في سنة 2009 حسب الأرقام الرسمية).
المنعرجات
حصل المنعرج الأول بداية من ثمانينات القرن الماضي (1983) وذلك:
بإقرار المساهمة المالية المباشرة عوض « التنمبر الجبائي « الترشيدي: هذه المساهمة التي سترتفع بعد ذلك ويتم بعد ذلك تصنيف المنتفعين بالعلاج المجاني إلى صنف المنتفعين بالعلاج المجاني المطلق مع سقف لا يتجاوز 120.000 دفتر وتصنيف البقية من غير المضمونين الاجتماعيين في ما سمّي بالتعريفة المنخفضة.
اعتماد سياسة الصحة الأساسية التي وان كان لها الفضل في دعم الخط الأول من النظام الصحي فإنها جاءت بنزعة بيروقراطية الأطباء مع إهمال الخط الثاني المتكون أساسا من المستشفيات الجهوية المتواجدة داخل الجهات الداخلية وهو ما حدّ من نجاعة هذه السياسة و كثف الإقبال على المؤسسات الجامعية إلى حد الاكتضاض والاختناق في اختصاصات كان من المفروض أن تتوفر في هياكل الخط الثاني.
أما المنعرج الثاني والخطير فقد جاء في بداية التسعينات من القرن الماضي مع إصدار القانون عدد 91 المؤرخ في 29 جويلية 1991 تحت عنوان الإصلاح الاستشفائي .
ولعل أهم ما جاء فيه:
- التراجع عن حق الصحة الذي كان مكرسا في الواقع حيث نصّ الفصل الأول من القانون على أن : « لكل شخص الحق في حماية صحته في أحسن الظروف الممكنة « وهو ما يدفع لطرح السؤال التالي : هل يحتاج المواطن التونسي وبعد 35 سنة من الاستقلال إلى أحكام قانونية ترخص له في حماية صحته ؟
- إحداث نمط تصرف جديد في المؤسسات الاستشفائية الجامعية أسند لها صفة التاجر وذلك بمبرر تمكينها من استقلالية إدارية ومالية ومرونة في التصرف من أجل تحسين الخدمات والضغط على الكلفة. وقد صاحب تحويل هذه المؤسسات من مؤسسات ذات صبغة إدارية EPAإلى مؤسسات عمومية للصحة EPS تسرعا لم يمكّن من تهيئة الأرضية للانتقال من نمط تصرف إلى نمط تصرف آخر وإصدار نصوص تطبيقية تنظم الاستقلالية الإدارية ولا توفرها بل تكرس هيمنة الأطباء وتحشر أطرافا لا تضيف شيئا للمؤسسة وتهمش أخرى مسؤولة في المؤسسة كسلك المتصرفين.
هيمنة النزعة التجارية في مرفق عمومي: استعمال أساليب تجارية - ربحية في الأموال المودعة بالبنوك، المناولة ، إسناد امتيازات هامة للمديرين العامين دون غيرهم من المتصرفين ...
وما زاد الطين بلة هو عودة نظام العمل بمقابل لفائدة الأطباء- الجامعيين وداخل المؤسسة نفسها بصيغة الممارسة الإضافية الخاصة APC بعد أن تم التخلي عنه في صيغته القديمة « كامل الوقت المعدل « PTA وهذا يشكل تمييزا بين المواطنين في العلاج يتناقض مع الفصل 4 من النظام الداخلي للمستشفيات الصادر سنة 1981 والذي مازال ساري المفعول
وعلاوة على ذلك فان العمل بمقابل داخل المؤسسات العمومية يشكل مدخلا للفساد يمكن ان يشمل كل الحلقات المتدخلة فيه.
وفي غياب تقييم دقيق لما سمي بالإصلاح الاستشفائي فان مؤشرات عديدة تدل على فشله نذكر منها خاصة العجز المالي المتفاقم المسجل في ميزانيات هذه المؤسسات والتنفيذ الانتقائي لبرنامج الإعلامية المعدّ لهذه المؤسسات والانتقال المفاجئ من إدارة تفتقر إلى أعوان التنفيذ إلى التضخم بيروقراطي
القطاع الخاص: التشجيع والتأطير والرقابة
تم تنظيم القطاع الخاص وصدرت النصوص الترتيبية التي تؤطره والمتعلقة خاصة بضبط المقاييس والمعايير في البناءات والتجهيزات والأعوان التي على أساسها يسند الترخيص للقيام بنشاط صحي خاص ( المصحات، النقل الصحي الخ...)
كما تم تمكين المستثمرين من الامتيازات الجبائية والجمرقية في إطار مجلة تشجيع الاستثمار وقد كان من نتائج ذلك أن نما القطاع الخاص بوتيرة فاقت في بعض الأحيان القطاع العمومي
وحسب آخر الإحصائيات فان الطاقة السريرية بالقطاع العمومي زادت ب 1275 سرير طيلة الفترة 1989 – 2008 بينما زادت الطاقة السريرية في القطاع الخاص لنفس الفترة 1990 -2008 ب1400 سرير
أما الحدث البارز الذي حصل في هذا القطاع فيتمثل في استبدال إجراء الترخيص المسبق الذي كان معمولا به إلى حدود سنة 2003 بإجراء كراس الشروط وهو ما نتج عنه نزعة نحو الفوضى في مستوى بعض الأنشطة في غياب رقابة دائمة.
الآفاق :
بعد استعراض هذه المحطات وأهم الإخلالات التي تمت ملاحظتها يمكن أن نستشرف توجهين للإصلاح أو إعادة التأسيس :
فإما الهروب إلى الأمام بترميم ما يمكن ترميمه مع شراكة لاحقة مع القطاع الخاص المزدهر الذي يمكن أن يشرّع لعملية تفويت في المؤسسات العمومية للصحة.
وإما إعادة تأسيس منظومة صحية وطنية تعتمد على القطاع العمومي بوظائفه الثلاثة : العلاج والتكوين والبحث وتكون فيه الدولة المموّل الرئيسي للنفقات وتعطى فيه الأولوية للوقاية مع مراجعة شاملة للنظم الفرعية بما يمكنها من مواكبة التحولات على المستوى الايبيديومولوجي والتكنولوجي ودسترة الحق في الصحة والعمل على توفير العدالة بين الجهات (مراجعة الخارطة الصحية).
ولتحقيق ذلك وجب التفكير جيدا في مصادر التمويل وهو موضوع المداخلة التالية التي سننشرها في العدد القادم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.