للاستاذ الهادي الشمانقي اسهامات اكاديمية ودراسات علمية لا ترتبط فقط بالاختصاص القانوني والتشريعي بل تتوجه ايضا الى الشأن العام بكل حقوله ولا سيما المجتمع المدني. وهذه الاسهامات الاكاديمية والدراسات القانونية المفعمة بالعمق والموضوعية والتي عادة ما تفتح اشرعة الحوار حول الراهن لتلمس ملامح المستقبل جعلته محلّ اهمام من قبل وسائل الاعلام كما من قبل مجمل مكوّنات المجتمع المدني مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والهيئة الوطنية للمحامين وبخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل. ومع ارتفاع درجة حرارة الحملات الانتخابية، في قطاع المحاماة وما يمكن ان تلقيه من ظلال على ما تعيشه المهنة من حالة تأزم إلتقت «الشعب» بالاستاذ الهادي الشمانقي في هذا الحوار الذي يتناول راهن المحاماة وأفقها ومدى تأثير الخط النقابي في هذا المسار على المدى المتوسط والاستراتيجي. * كيف تقيّم اجمالا راهن المحاماة قبيل انعقاد الجلسة العامة الانتخابية؟ لا شك ان راهن المحاماة تطغى عليه الحملات الانتخابية، ولكن عموما ان المحاماة تعيش ظروف صعبة جدا. اما من الناحية المادية فإنها تشهد تقلصا في مجال العمل من جانب والوفود القادمة بكل اصنافها من جانب آخر. اما من الناحية المعنوية فان المحاماة كلسان دفاع فهي تظلّ مهدّدة دائما بوجود بعض القوانين التي تضيّق من نشاطها ودفاعها كالفصل 46 من قانون المهنة الذي يحرّم حينا المحامي اثناء المرافعة. * تعاقبت الهيئات والمرشحين بمختلف الاطياف والبرامج. ولكن ظل الوضع الاجتماعي للمحامي على حاله. فكيف ترى حاجة المهنة الى التغطية الاجتماعية التي ظلت تراوح مكانها؟ في البداية، إن مطلب التغطية الاجتماعية هو من المطالب الاساسية لعموم المحامين ولا بدّ ان يكون ايضا بصفة مستقلة تتولى الهيئة الوطنية تنظيمه ذلك على معنى الفصل 62 من قانون 1989 المتعلق بمهمة المحاماة. وفي هذا السياق، قد وقع بعث لجنة التغطية الاجتماعية ذات التركيبة الثلاثية، في حين انّ المشروع كان واضحا في الصدد اذ أوكل عملية تنظيم عملية الرعاية الاجتماعية إلى مجلس الهيئة وبالتالي فإن مواصلة العمل من خلال اللجنة يشكل نكرانا للنص التشريعي. وهنا إستغل المقام، لاوّجه نداءا الى الاطراف المكوّنة للجنة بأن تعمد الى الغاء ذاتها كي لا تتضارب وشعار دولة القانون. * لا شك انك متابع جيد للمحاماة ومحلل لتطوّراتها التشريعية والوظيفية، لكن يبدو ان النفس النقابي عادة ما يسيطر على توجهاتك. فهل نفهم انك مع التوجه النقابي داخل القطاع خلال الجلسة العامة الانتخابية؟ لقد مارست فعليا هذا التوجه منذ زمن بعيد وهو ليس وليد اللحظة الانتخابية بالرغم انني لم اترشح اطلاقا الى هياكل المهنة. وأعتقد أن الخطّ النقابي صلب المحاماة قد عبّر عن نفسه من خلال محطات كثيرة وأهمّها التصدي لمشروع قانون شركات المحامين سنة 1997 وخاصة فيما يتعلق بالتجارة التي تفرز الاجازة، فيصبح المحامي مجرّد موظف واضافة الى تصدي الخط النقابي الى محاولة تفكيك الهيئة الوطنية الى هيئات جهوية سنة 2002 ثم تلاها الوقوف ضد مشروع النظام الداخلي في نفس السنة وصولا الى رفض مشروع النظام الداخلي في 11 ديسمبر 2007، وهذا ما يفي ان الخط النقابي يعمل باتزان وتوازن دون ان يخلّف وراءه أية جعجعة. * المعروف ايضا عن الاستاذ الهادي الشمانقي صلته الوطيدة بالعميد الحالي الاستاذ بن موسى. فهل نفهم ان هناك خلاف بينكما كان الفاصل فيه التوجه النقابي كما كنت بصدد ذكره؟ قبل كل شيء أريد أن أفرق بين ماهو ذاتي حيث تظل علاقتي بالعميد متميزة وبين العلاقة الموضوعية والتي كانت محل خلاف منذ سنة 2000 وخاصة حول مشروع النظام الداخلي ذاته وانا ضد المزج بين الذاتي والموضوعي من ذلك ان العديد من المحامين التجمعيين صوتوا ضدّ المشروع وذلك تمسكا منهم بالخط المهني. * إذن فالخط النقابي الذي تتبناه داخل المحاماة لا يتقيد بأي لون سياسي؟ ان هذا الخط النقابي يهدف الى إرساء سياسة مهنية وتقديمها على مهنة سياسية حتى اذا اصبحت المهنية قوية بفعل التوجه النقابي امكن انذاك للسياسي ان يستند اليها خاصة عند الازمات. * وكيف تقرأ ميزان قوى هذا الخط والمعركة الانتخابية قد انطلقت؟ في الحقيقة ان هذاالخط النقابي لا يزال ضعيفا داخل المحاماة رغم انه يقدم وضع المحاماة في كليتها على المحطات الانتخابية ومايرافقها من حملات. * اذن، نفهم ان المحاماة مازالت الى المدى متوسط مرتهنة الى التكتلات والتحالفات والسياسية على حساب التوجهات المهنة الصرف؟ أؤكد ثانية على الخط النقابي الذي يتجاوز المفهوم الضيف للمهنة «L'espint corporatiste» نحو النهوض بالمهنة. ويا حبذا تلاقي المهني، النقابي بالسياسي. * أعتقد انه من خلال مقاربتك وتشخيصك للمهنة واستحقاقاته لا ترى حلولا في القريب المنظور فما رأيك؟ ان حلول موجودة ولكنها مرتبطة اشد الارتباط بالارادة المهنية الصادقة. * من تحمل من الاطراف المهنية بالقطاع ما يعيشه هذا الاخير من أزمات؟ ارى أن في المرتبة الأولى تأتي السلطة التي سنت ترسانة تشريعية من شأنها ان تضيق مجال المحامي وتحاول ان تلحق بصندوق التأمين على المرض بواسطة اللجنة المذكورة آنفا بعدما احدثت المعهد الاعلى للمحاماة. ولكن المرتبة الثانية ان الهياكل كان بإمكانها المزيد بلورة المواقف عن تبني دراسات وقع اعدادها من قبل بعض الخبرات من القطاع والنضال على ضوئها. * من السهل دائما على الفاعلين المهنيين والسياسيين تعليق أسباب فشلهم على السلطة السياسية، في حين ان النقد الذاتي يظل غائبا عن ادائهم المحفوفة أبدا بالعديد من النواقص والشوائب ان لم نقل اشياء اخرى فماذا تجيب؟ بالفعل، فإن التوجه النقابي برغم ضعفه فقد سعى عديد المرات الى النقد من خلال المهنة داخل هياكلها وجلساته العامة ساعيا الى دفع الهياكل المنتخبة نحو اداء أفضل. وقد تولى حتى النقد الذاتي في مناسبات اخرى تتعلق بالمهنة عامة. * في ظلّ اقتصاد السوق وتنامي الحدّ الليبرالي. ماهي حسب رأيك ابرز التحديات التي ستواجهها مهنة المحاماة؟ ان هجمة العولمة على الوطن الصغير وخاصة على المحاماة واضحة. من ذلك انتصاب شركة عظمى تسمى «جيد لورت» بتونس العاصمة للمحاماة والتي تمثل جسرا للتفويت في المؤسسات الوطنية للاجانب اضافة الى مزاحمتها الشديدة للمحامي وهذا ما يمثل خطرا ليس المحامين فحسب بل أيضا على الاقتصاد الوطني برمته. وهنا لا يمكن نسيان ارساء التحكيم الذي قد يمثل نيلا من السيادة الوطنية من حيث ان ممارسته تجري على حساب القضاء.