انتهى الطلبة الجدد من إدخال بياناتهم المتعلّقة بالشُّعب التي اختاروها لاستكمال دراستهم الجامعية. فبعد فرحة الباكالوريا التي غمرتهم وأوليائهم في الأيام الأولى من إعلان النتائج، وجد عديد الناجحين إشكاليات وعوائق مختلفة حالت دون اختياراتهم وطموحاتهم المستقبلية. وللوقوف عند أبرز الإشكاليات التي اعترضت الناجحين في الباكالوريا، قامت جريدة الشعب باستطلاع بعض الطلبة الجدد من عدّة اختصاصات ورصدت آراءهم فيما يتعلّق بالتوجيه الجامعي. انتصار الهمامي (19 سنة) طالبة أصيلة مدينة الكاف أنهت تعليمها الثانوي بمعهد الامتياز بالكاف اختصاص علوم تجريبية، أكدت أن إشكاليات التوجيه عديدة وأبرزها أن أغلب الإجازات لا تقدّم بسطة عن فرص العمل المتاحة للطالب. وبالتالي يمكن القول أن أغلب الإجازات تتسم بالغموض فيما يتعلّق بوظائف العمل. وتضيف انتصار أن الصيغة الإجمالية التي تحصلت عليها لم تمكّنها من الالتحاق بالاختصاص الجامعي الذي تريد. ورغم توفّر الاختصاص الذي تطمح إليه بولاية أخرى، والذي يتوافق مع الصيغة الإجمالية، إلا أن الظروف الاجتماعية المتواضعة للعائلة لا تسمح لها بالتنقل خارج مكان إقامتها لأنّ تسوّغ محلّ للسكنى مكلِفٌ جدّا هذا بالإضافة إلى عناء التنقل والمصاريف اليومية المجحفة. وبالتالي تخيّر انتصار الدراسة بالكاف مكان إقامتها ودراسة اختصاص لا يعكس بالضرورة طموحاتها، وذلك حتى لا تثقل كاهل العائلة بالمصاريف في ظلّ ما تشهده البلاد من غلاء للمعيشة. ولئن أكّد بشير التواتي (19 سنة) إختصاص علوم تقنية، أنّ الظروف الاجتماعية للعائلة تسمح له بالدراسة خارج ولايته، إلا أنه لم يُخْفِ رغبته الالتحاق باختصاص يُتيح له فرص العمل، على حساب الاختصاص الذي يرغب دراسته. ويقول بشير أنّه استعان بتجارب إخوته في هذا المجال حتى يتسنى له التعرّف على الاختصاصات التي تضمن له عملاً بعد التخرج. و بدورهاعبّرت لمياء همامي بكالوريا رياضيات عن رغبتها في الالتحاق بإحدى الجامعات الخاصة بعد أن عرضت رأيها على بقية أفراد العائلة. وتقول لمياء (19 سنة) إن الصيغة الإجمالية لا تسمح لها بدراسة الاختصاص الذي تريد والذي اعتبرته أنه سيفتح لها آفاق العمل إثر التخرج. وأضافت لمياء أنه في ظل تفشّي ظاهرة البطالة واكتساحها كامل المجالات فإنها تعتزم الالتحاق بجامعة خاصّة إذا لم يحالفها الحظ في الالتحاق بالاختصاص المطلوب. وأبدت آمنة العرفاوي من جهتها، تذمّرها ممّا أسمته «كثرة الشعب والاختصاصات» التي جعلت الطالب «تائهًا بين جملة من الاختصاصات دون أن يعي آفاق هذه الشّعب وانعكاسها على الجانب المهني». وقالت آمنة أنّه يتعين على وسائل الإعلام تخصيص جزءٍ من برامجها للحديث عن التوجيه الجامعي لأن اللجنة المكلّفة من وزارة التربية حول الإرشاد والتوجيه الجامعي غير قادرة وحدها القيام بدورها على أكمل وجهٍ نظرًا إلى محدودية المساحة الزمنية المخصصة لذلك. أيّ دور لخلية الإعلام في التوجيه؟ ولمعرفة مزيدٍ من التفاصيل حول التوجيه الجامعي والصعوبات التي تعترض الطلبة الجدد في اختياراتهم الجامعية. اتصلت جريدة الشعب بالأخ رضا الشتيوي كاتب عام نقابة الإعلام والتوجيه الجامعي. حيث أكد أن الدور الذي تلعبه خلية الإعلام والتوجيه الجامعي تكتسي أهمية كبرى باعتبارها تقوم بالتربية على الاختيار الأنسب والأمثل والصحيح ومرافقة التلاميذ وتذليل الصعوبات التي تعترضهم. وأضاف أن هذه الخلية أي الأعلام والتوجيه الجامعي، كانت فيما مضى تابعة لوزارة التربية والتعليم لما كانتا الوزارتين مندمجتين. ولكن بفصل الأولى عن الأخرى، أضحت خلية التوجيه الجامعي منضوية تحت وزارة التربية. في حين تميّزت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بغياب المختصين في هذا المجال، وهو ما جعل عملية التوجيه قائمة أساسًا على التصرّف في الأدفاق (مقاربة كميّة) وتوزيعهم على الكليات وفق طاقة الاستيعاب دون اعتبار رغبات الطلبة وتطلّعاتهم. وبيّن الأخ رضا الشتيوي أن نظام التوجيه الجامعي يقوم أيضًا على الامتياز والتفوّق في بعض الاختصاصات: وهذا النظام يوفّر حظوظًا أوسع لأبناء العائلات المرموقة اجتماعيّا ومن هذه الاختصاصات مثلا الطب والصيدلة وطب الأسنان وغيرها كثيرة وهي اختصاصات تستقطب طلبة ذوي مستوى اجتماعي مرموق وفي المقابل يكون أبناء العائلات ذوي الدخل المتوسط والمحدود أقل حظٍّ في هذه الاختصاصات رغم وجود طلبة متفوقين وممتازين. ولاحظ الأخ رضا الشتيوي أن الاشكاليات في التوجيه الجامعي تتجلّى أيضًا على مستوى الأهمية الجامعية: أي مدى توفر الكليات والجامعات بالجهات (الخارطة الجامعية). حيث بيّن أن من معوقات التوجيه الجامعي هو هيمنة وجود المؤسسات الجامعية بالعاصمة وكبرى المدن الساحلية، مقابل غياب جامعات في بقية الجهات الداخلية. وفيما يخصّ إعادة التوجيه، قال الأخ رضا الشتيوي إنه تمّ رصد آلاف الملفّات الخاصّة بإعادة التوجيه حيث قاربت 20 بالمائة. ويعود ذلك إلى ثلاثة عوامل رئيسية هي إما إعادة التوجيه لأسباب صحية أو لأسباب اجتماعية أو لأسباب عادية تكون عادة ناجمة عن أخطاء في تعمير البيانات أو تغيير اختصاص آخر لا يعبّر عن طموحات الطالب. وبحسب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فإن عدد المترشحين الذين تخلّفوا عن المشاركة في الدورتين الأولى والثانية أو لم يحصلوا على توجيه فيها، قد بلغ 9229 طالبٍ من جميع الشعب من جملة 71 ألف 457 ناجحٍ أي بنسبة 12.91 بالمائة. هذا وتختتم عملية التوجيه يومي 02 و 03 أوت.