«إني أستطيع ان أتحمل كل شيء الا انتحال دعوة أو رفع راية او صعود منبر». بهذه الكلمة التي قالها عبد الملك بن مروان افتتح الدكتور ابراهيم أبو خزام محاضرته شاكرا للاتحاد الجهوي للشغل بقابس وللاتحاد المحلي بالحامة الدعوة التي وجهّاها له بمناسبة احياء ذكرى وفاة رائد الحركة النقابية في تونس محمد علي الحامي معبرا عن سعادته لاعتلائه منبر الاتحاد العام التونسي للشغل وابتهاجه بالمشاركة في احتفال يعطي حيزا محترما للبحث في هموم الامة والتأمل في مستقبلها وارتفاع درجة الوعي في الاتحاد العام التونسي للشغل حسب قوله. الرجل القومي ان صح ان أقدم نفسي فلي الشرف ان أكون رجلا قوميا يهتم بقضايا الامة ويكرس كل أنشطته وأبحاثه لتجاوز هذا الوضع السيء في الوطن العربي. أنا مهموم بالأمة، أهتم اساسا بالموضوعين التاليين: سرّ النهضة والاصلاح الصراع الدولي في القرن الحادي والعشرين: هذا الصراع الذي اذا لم تنتبه له الامة سيكون على حسابها، فالامة العربية دفعت ثمنا كبيرا خلال القرن العشرين من «فلورانس الى سايكس بيكو» فالحرب العالمية الاولى ثم الثانية وتقسيم الوطن بعد ثورة العرب «الكبرى» وغرس الكيان الصهيوني في قلبه، اذا لم ننتبه سيتكرر نفس المصير وسآتي على شواهد عديدة. اذا لم نفتح الجرح ولم نرفع رؤوسنا من الرمال فان العاقبة ستكون خطيرة لذلك سأضع الوطن العربي كله تحت المجهر للنظر في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. * فما هي الحالة السياسية في الوطن العربي وما هي حالة حقوق الانسان؟ المشهد السياسي في الوطن العربي محزن، فالمنطقة هي الوحيدة في العالم تقريبا لم تأخذ حظها من الاصلاح ومن المفروض ان نكون قد دخلنا المرحلة الثالثة وهي مرحلة بناء الدولة العصرية الحديثة الديمقراطية بعد ان نكون قد مررنا بمرحلة الكفاح من اجل الاستقلال ثم مرحلة تأسيس الدولة الوطنية، ولكن وللأسف فنحن جميعا وبنسب متفاوتة لم ندخل مرحلة الديمقراطية وما الصراع على السلطة الا خير دليل على ذلك. حالة حقوق الانسان بائسة: سجون ومعتقلات وكبت للحريات هذا هو السائد في البلدان العربية وتأتي كل الدول العربية في ذيل القائمة المصنفة لحرية الصحافة والتعبير. الحالة الاقتصادية 80 من الاقتصاد العربي اقتصاديات ريعية وقد أستثني تونس بعض الشيء فجل الاقتصاديات تعتمد على النفط والثروات المنجمية. وحسب معايير التنمية تعتبر من الدول المتخلفة جدا رغم ان المجتمع فيها يعيش الرفاهية، التنمية هي تنمية الانسان في الجوهر في درجة الوعي في العقلية في مستوى الخلق والابداع. خريجو الجامعات يعيشون اليوم أزمة البطالة التي تصل النسبة الى حدود 40 في مصر. خريجو سنتي 1994 و 1995 لا يزالون ينتظرون دورهم في الشغل. المشهد الثقافي والعلمي من بين 500جامعة مصنفة لم توجد اي جامعة عربية وهنا لا أحكي عن الكم بل عن جملة من التصنيفات. لم يسجل العرب براءة اختراع في حين يسجل اليابانيون والكوريون 60 من براءة اختراع العالم، تسجلها شعوب انطلقت من ورائنا ومن بعيد. لقد وصلنا الى مرحلة «تآكل الأوطان» عوضا ان نصل الى مرحلة بناء الدولة العصرية الحديثة، وبعد ان كان لدى العرب حلم الوحدة واقامة دولة العرب او على الاقل مشهد عربي قائم على التنسيق فان الاقطار تتآكل. العراق يتآكل وأرجو ان لا يكون تحليلي متشائما العراق الذي كنا نعوّل عليه في خلق توازن مع الكيان الصهيوني لم نستطع المحافظة عليه كجزء مهم من الجهد العربي فأصبح مفتتا الى كرد وسُنة وشيعة. دولة كردستان قائمة بذاتها لها علم ووزراء ومؤسسات وحدود ولا ينقصها الا الاعتراف الدولي والجهد ينصب لإقامة هذه الدولة لتعلب دور «اسرائيل» في المنطقة بحكم موقعها الاستراتيجي وبحكم أنهم أقلية مضطهدة ولهم حلم اقامة دولة خاصة بهم. وأمريكا تريد ان تدير بها الصراع في المنطقة الجديدة منطقة بحر قزوين اين النفط والثروات الطبيعية وروسيا من جهة والصين من جهة اخرى. لبنان يتآكل هو الاخر، لبنان الذي كان رمزا للثقافة العربية والوجه العربي المشرق يتآكل بفعل فساد النظام السياسي ولعب رأس المال والسفهاء يقولون «لبنان مطبعة العرب وصحيفة العرب وسويسرا العرب، مصر تكتب ولبنان تطبع وبغداد تقرأ... فلا مصر اليوم تكتب ولا لبنان تطبع وليس لبغداد مع الاسف وقت للقراءة». سوريا قد تتآكل وما يحاك في لبنان الا تمهيد لضرب سوريا وتفتيتها واقامة دويلات للدروز والاكراد. السودان ايضا يتآكل وما تشاهدونه في دارفور ما هو الا مخطط لتقسيم السودان وهناك مخطط اخر لتقسيم مصر الى دويلة النوبة في الجنوب ودويلة للمسيحيين في الوسط ودويلة للعرب في الشمال. الصومال الذي يعيش منذ اكثر من عشرين سنة في مهب الريح، الصومال الذي هو مدخل من مداخل الامة، دولة تطل على باب المندب وبحر العرب. الجزائر تتآكل اذا لم ننتبه ويراد اقامة كيان للأمازيغ هناك. هناك تقرير أممي في السبعينات يقول لو يستقر االامر في الجزائر والعراق ستخرج الدولتان سنة 2000 من منظومة العالم الثالث الى مصاف الدول المتقدمة ولكن ها هو العراق يعودون به الى القرن الثامن عشر. فما هو الحل اذن؟ يدرك الجميع ان هناك حاجة ماسة للاصلاح لوجود أخطار تهدد الامة ولكن الدعوة هي نفسها من الغرب للاصلاح. لقد تعوّد الغرب ان يطلق مثل هذه الدعوات المبطنة سابقا. فولسون صاحب النقاط الاربع عشرة والداعية لتقرير المصير والتحرر والاستقلال لم تكن تلك الشعارات الا لخدمة السياسة الامريكية كقوة استعمارية جديدة تطل برأسها على المنطقة. وهذه الدعوة الجديدة من قبل الامريكان وما يسمي بفريق الليبراليين الجدد، دعوة غير مخلصة وشخصيا احذر منها فالديمقراطية الغربية الليبرالية غير صالحة للوطن العربي بل تسيء له وهم يعرفون ذلك جيدا. عندما فاز «هايدر» في النمسا قالوا هذا دكتاتور طاغية. معاد للسامية، عندما فاز «أربكان» الرجل الاسلامي في تركيا وحزب الفضيلة قالوا هذا ضد الديمقراطية وضد العلمانية. تلك المرأة التركية المحجبة نعتوها بأنها تحمل رمزا طائفيا ونادوا بخروجها من تحت قبة البرلمان. الانتخابات الفلسطينية أنزه من الانتخابات الامريكية ولما فازت كتلة «حماس» حرّموا التعامل معها وحاصروهم بكل الوسائل وأدخلوهم السجون والمعتقلات. نفس الشيء حدث مع أحمدي نجاد في ايران. إن الانتخابات التي أتت ببوش وساركوزي هي الانتخابات المزورة انظروا من الذي يموّلها ويدعمها. ألم يلتجئوا الى العدّ اليدوي في امريكا ألم يزوّر أخو بوش الانتخابات في ولايته كاليفورنيا. هل تمت تحت المراقبة الدولية. من الاولى ان تراقب الانتخابات في امريكا التي يعتبر رئيسها نفسه رئيسا للعالم لا ان تراقب الانتخابات في مدغشقر او جزر القمر مع الاحترام التام لهؤلاء. الديمقراطية الغربية ان طبقت في بلادنا ستؤدي حتما الى أحد أمرين: الكارثة او التطبيق الشكلي. لأن البنية الاجتماعية في الوطن العربي والاسلامي لا تتلاءم مع الديمقراطية الليبرالية فهي بنية اما قبلية في اغلب الاحيان او طائفية او اثنية او عرقية. في الجزائر يوجد 27 حزبا على عدد القبائل فالاحزاب انعكاس للبيئة الاجتماعية وليس للرؤية السياسية. في لبنان الاحزاب بنيت على اساس طائفي: حزب الكتائب للموارنة الديمقراطي الاشتراكي للدروز المرابطون للسنة، حزب الله وحركة أهل الشيعة... الخ في السودان حزب الامة للانصار من الطائفة المهدية وكذلك حزب الاتحاد لطائفة اخرى. في العراق النموذج الغربي للديمقراطية الجديدة بنوا الاحزاب على اساس طائفي وقبلي وعرقي، فعندما تؤسس الاحزاب على واقع اجتماعي تبدأ المحاصصة ومنها الكارثة. فالديمقراطية الغربية كدب قطبيّ في الادغال الافريقية. من كان يصدق ان حسين آيت احمد ذلك البطل القومي ينتكس ليصبح أمازيغيا يطالب بدويلة أمازيغية في الجزائر؟ اذا اردت ان تكون ديمقراطيا فعليك ان تكون مواليا للغرب مثل الدكتاتور الفيليبني السابق. لقد درسوا الواقع ورأوا ان التجربة الديمقراطية اذا لم تؤد الى الكارثة او «الفوضى البناءة» كما يقولون فانها تؤدي حتما الى التطبيق الشكلي: فأين هي الديمقراطية في الكويت؟ مازال الامير أميرا والوزير وزيرا. لقد بدأ الخليج العربي يتجه نحو الديمقراطية ويستشهدون بقطر التي انتخبت مجلسا محليا يهتم بالمواسير. ويستشهدون بالسعودية الذين سينتخبون مجلسا محليا في مدينتين: في مصر عدّلوا الدستور باستفتاء كانت نسبة الاقبال فيه لا تتعدى 2 عدولوا المادة 67 ليصبح الدستور على مقاس الرئيس ويفوز بولاية جديدة لا تحمل رقما ويسجن منافسه أيمن نور رجل المال وهذه الظاهرة قفز المال على السلطة هي من أخطر الظواهر والحريري رحمه الله ممن حصلوا على السلطة بالمال. في لبنان الرئيس لحود في المعارضة والحكومة لم تسقط لأنهم دفعوا لأحد الوزراء 02 مليون دولار وللثاني 72 مليون دولار (لانه صهر الرئيس) وكانت الحكومة ستسقط لو استقال المرتشيين. ليس الاصلاح تنقيحات أو ترقيعات دستورية هنا وهناك. الاصلاح هو اعادة بناء ميثاق اجتماعي جديد يستلهم فيه تاريخ وثقافة وحضارة العرب تؤسس فيه الدولة على أسس فكرية جديدة. لكن ما هي الفكرة أو الأسس الفكرية الجديدة التي يجب تأسيس الاصلاح عليها؟ هي ليست الديمقراطية الغربية هناك من يقول الاسلام هو الحل في تقديري هذه مهمة المفكرين من اقصى العراق الى الدارالبيضاء لبلورة فكرة عربية جديدة تنبني عليها مؤسسات دولتنا العصرية وتستلهم قيم الديمقراطية الغربية التي لا اعتراض عليها مثل: الحرية والمساواة والعدالة و... هذه قيمنا التي تتلاءم ومنظورنا ومفهومنا وتراثنا وبنياننا الاجتماعي والثقافي. انا شخصيا أدعو الى الاصلاح حتى في ليبيا والى دعم بعض التجارب العربية وتطويرها والاصلاح يعني ان هناك فسادا مستشريا وهذه مهمة لا رجوع عنها وبرنامج الغرب وامريكا خاصة يهدف الى شيئين هما: عدم الاستقرار في أرجاء الوطن العربي عدم امتلاك القدرة النووية نشعر بالخطر وبحراجة الموقف ويجب علينا ان نناضل دون وطنيات ضيقة وحالة «الفيدرالية» في العراق قد تكرر في السودان وفي سوريا وليبيا و...