كلّ متتبع للشأن العراقي هذه الأيّام إلاّ وانتابه شعور بالحزن والأسى على طبيعة الجرائم والمجازر الرهيبة المرتكبة في حق شعبنا العراقي في العراق بحيث أصبح عدد الضحايا المصرح بها يوميا لايقل عن المائة. ولسائل أن يسأل من هو المتسبب في ذلك وماهي القوى المستفيدة منه؟ أولا وقبل كلّ شيء العراق محتل منذ الغزو الأمريكي البريطاني في مارس وبالتالي فإنّ المتسبب الأول والأخير على ما آل إليه الوضع في العراق هي قوّات الإحتلال لأنّ كل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية تؤكد: أنّ أمن البلد المحتل هو مسؤولية المحتل (بفتح التاء) حيث يشمل أمن المواطنين وأمن كل المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية. إنّه لو لم تقع جريمة الاحتلال ما كان أبناء شعبنا يقعون في فخ الفتنة الطائفية التي تدربت عليها شبكات المخابرات الأمريكية والصهيونية والبريطانية وأغدقت على عملائها المليارات من الدولارات وانتدبت لخططها الإجرامية الممنهجة الخونة ممّن باعوا أنفسهم بثمن بخس. فلو لم تقع جريمة الاحتلال ما كان التعذيب الذي ذهب ضحيته المئات في سجن أبو غريب وفي كل السجون التي ملأت العراق بإشراف وتنفيذ كل من أمريكا وبريطانيا وحكوماتهما المنصبتين ليحصل ويكون وراء كل التداعيات الخطيرة الحاصلة. فمن الذي يشرف على المليشيات ويدعمها بالمال والعتاد والمتفجرات ويوفّر لها السيارات المفخخة؟ غير ادارة الاحتلال وحكوماتها العميلة والتي لها مصلحة في التطهير العرقي لأبناء الوطن الواحد من جهة ولتشويه المقاومة الوطنية من جهة أخرى. فالحقيقة باتت عارية ومكشوفة للرأي العام المحلي والقومي والدولي فكل الدلائل تشير بما لا يدع مجالا للشك بأنّ كل الجرائم الواقعة والمتوقع حدوثها لا يمكن حصولها ان لم تكن قد خططت لها ادارة الاحتلال وحكومتها المنصبة. ولنضرب مثالا على ذلك في آثار الجرائم حيث وقع القبض في العديد من المرّآت على أعوان أمريكيين وبريطانيين أثناء وبعد حصول الكارثة كما أنّ تورط أجهزة الشرطة والحرس في العديد من العمليات بإعتراف الحكومة يدلان على التنسيق المشترك بين أجهزة الأمن الحكومية وأجهزة المخابرات البريطانية والأمريكية. ونأتي الآن إلى القوى المستفيدة من ذلك فنقول كما قلنا سابقا إنّ أمريكا وبريطانيا هما المستفيدتان من تنفيذ الجريمة الكبرى بعد الاحتلال وهي جريمة التقسيم الطائفي والمذهبي والعرقي والسبب الرئيسي هو أنّ أمريكا في مرحلة القطب الواحد تعمل على إعادة تشكيل خريطة العالم وبالأخص خريطة الوطن العربي الشيء الذي أصبح معلنا على صفحات الجرائد فمثلا يشمل المشروع المقدم دولة للأكراد تمتد من العراق فسوريا وجزء من حدود ايران وتركيا ودولة دينية في مكةالمكرمة كالفاتيكان الى آخر الخطة الاستعمارية الجديدة التي تريد أمريكا وحلفائها تطبيقها على حساب وحدة الأمة العربية واستقلالها وتحرّرها. ومن هنا يظهر لنا جليا دور بعض الأطراف العراقية التي تغذي مشروع التقسيم تماشيا مع الخطّة الأمريكية المذكورة سابقا وفي هذا الإطار يأتي الدور المشبوه للأكراد والشيعة في إعلانهم على العراق الفيدرالي وما مشروع الوثيقة التي تقدم بها الطرف الشيعي في إعلانهم على العراق الفيدرالي وما مشروع الوثيقة التي تقدّم بها الطرف الشيعي تحت قبة البرلمان المصنوع أمريكيا إلاّ دليلا على تورّط الشيعة ومن ورائهم ايران كقوّة إقليمية في المنطقة لتقسيم العراق. إنّ إعلان الأكراد في الشمال رفضهم لعلم (دولة العراق) بل إلغاؤه وتعويضه بعلم خاص بهم يؤكد بوضوح مدى تواطؤ الطرف الكردي مع المحتلين لتنفيذ مشروع التقسيم. فتحالف الشيعة مع الأكراد وتمسكهم المعلن بالتقسيم الفيدرالي للعراق يخدم أطماع المستعمرين من جهة ومصلحة ايران من جهة أخرى كدولة دينية شيعية تبحث لنفسها عن موقع في التوازنات الإقليمية انطلاقا ممّا يحصل في العراق. ان مرجعية السيستاني على بيت قم في طهران المتحكمة في السياسة الداخلية والخارجية للعراق بتنسيق مع المحتلين هي التي أفرزت المالكي ومن قبله الجعفري كما أتت بدستور جديد يضرب في الصميم الإنتماء القومي العربي للعراق. فمراكز القوى والنفوذ التي سمح بها المحتلين هي من يسطّر السياسة الرسمية بإشراف البنتاغون والبيت الأبيض وتحظى بعين الرضاء من لدن صناع القرار الأمريكي. فمن هي هذه القوى المتنفذة في الحكم بتأييد من المحتلين؟ كلّ المتتبعين للشأن العراقي يعرفون ان التحالف الشيعي الكردي هو المتحكم في الساحة الاّ أنّه يخضع بالضرورة للقرار الأمريكي البريطاني كقوة احتلال. فمنذ أن وقع العراق في قبضة الإحتلال والإئتلاف الشيعي بزعامة السيستاني لم ينفك يناور مع المستعمر (بكسر الميم) فتارة يغازله وطورا آخر يستعمل معه سياسة التغيير السلمي لطرده ونسي نفسه أو بالأحرى تناسى أنّّه ليس بغاندي الهند ولن يستطيع أن يكون كذلك لسبب بسيط هوان الزعيم غاندي كان مستقلا عن المرجعيات والإملاءات الخارجية واضعا نصب أعينه قضية وحدة شعبه ووطنه دون حسابات طائفية أو دينية أو عرقية، بينما السيستاني كان يؤتمر بمرجعية قم في طهران فهو لم يدخل العراق إلاّ بعد الاحتلال فلم يكلف نفسه حتى عناء الفتوى بالجهاد المسلح ضد العدو والتي تسمح به كل الشرائع والقوانين الدولية. إنّ ممارسة سياسة الحياد الإيجابي والإمعان في تطبيقها في الوقت الذي يذبح فيه أبناء شعبنا ويمارس عليهم المستعمر أبشع أنواع الجرائم من قتل وتعذيب وتدمير للمنازل والمساجد والكنائس على رؤوس أصحابها من الفلوجة الى الأنبار إلى القائم إلى بعقوبة الى الموصل يدل على تواطؤ السيستاني وجماعته مع العدو من أجل تقاسم السلطة والثروة والنفوذ. انّ السلطة الحالية المزكات من طرف واشنطن والمسنودة من طرف السيستاني هي التي تغذي المشروع الطائفي وتحتفظ بالمليشيات المسلحة التي تقوم بالجرائم المنظمة والتطهير العرقي لجماعات السنة كما جاء على لسان عدنان الدليمي في أكثر من مناسبة والغاية من وراء ذلك هو الوصول بالعراق الى حافة الهاوية كما نرى الآن حتى تصل القوى الشيعية لأغراضها مع المستعمر لتقسيم العراق وحتى لا نغالط بالتحركات التي تحصل في الجنوب من طرف الإمام الصدر وجماعته من حين لآخر في مواجهة قوات الاحتلال الاّ لأنّها تدخل في اطار ايجاد بعض التوازنات في المشهد العراقي لصالحه سياسيا ودينيا كوريث لأبيه الصدر في البيت الشيعي. يبقى الطرف الكردي في معادلة الصراع الدائر في العراق متواطئا منذ البداية حتى النهاية هدفه في ذلك التمسّك بالتقسيم الفيدرالي لتمزيق وحدة القطر حسب مشيئة المستعمر. وما التصويت على الدستور المسمى بالجديد المطروح من طرف المستعمر ضمن برنامجه والذي ينصّ على الفيدرالية ويلغي أول بند كان في الدستور الشرعي يؤكد على عروبة العراق وهويتها القومية كجزء من الأمة العربية الاّ دليلا قاطعا على تواطئ الشيعة والأكراد مع المستعمر من أجل تقسيم العراق طائفيا وعرقيا. فإمعان الأكراد في تطبيق مشروع التقسيم تعدّى أبسط المشاعر القومية لأبناء شعبنا العربي في العراق حينما أعلنوا عن تخليهم عن العلم الحالي وتعويضه بعلم الدولة الكردية المزمع تأسيسها. كما انّ الطائفية الشيعية التي أبدت الإحتلال بل وتقاسمت معه الأدوار في السلطة والجيش والشرطة لتمارس سياسة التطهير العرقي باللجوء الى العمليات الإجرامية الدامية والاغتيالات والتعذيب الذي وصل حدّ قطع الرؤوس ورمي الجثث في الشارع أمام مرأى ومسمع من الماسكين بالسلطة هي من يدعوا منذ بداية الغزو إلى قيام دولة شيعية في الجنوب. وبناءا على خطورة التقسيم الطائفي للعراق فإنّنا ندعو كافة القوى الوطنية وخاصة الناصريين والقوميين التقدميين للتصدي من الماسكين بالسلطة هي من يدعوا منذ بداية الغزو إلى قيام دولة شيعية في الجنوب. وبناءا على خطورة التقسيم الطائفي للعراق فإنّنا ندعو كافة القوى الوطنية وخاصة الناصريين والقوميين التقدميين للتصدي لجريمة تقسيم العراق والحال انّنا مازلنا نعاني الى الآن من جريمة التجزئة المفروضة على الوطن العربي في اتفاقية سيكس بيكو التي قسمت العالم الى مناطق نفوذ. ان كل المخلصين للأمّة وأحرار العالم يقفون إلى جانب المقاومة الصامدة في العراق والتي بات في برنامجها زيادة على التحرّر الوطني مقاومة مشروع التقسيم كجزء من قضيّة التحرّر التي فرضتها أجندة المستعمر وكل المتواطئين معه. إنّنا كلّنا ثقة وأمل في أبناء شعبنا العربي في العراق جرحنا الجديد النازف بعد فلسطين الحبيبة سيسمعون نداء الواجب القومي من أجل عدم التفريط في العراق الموحد ومواجهة دعاة التقسيم الطائفي ومن يساندهم خارج الحدود ويلبون كلمة المناضلين الأشاوس المدافعين عن عروبة العراق كجزء من الأمة العربية والمتصدين بأرواحهم الزكية لأخطر مشروع عرفته الأمة عبر تاريخها. والأكيد انّ المقاومة الوطنية الموحدة ستخرج منتصرة وستهزم الأعداء ومشاريعهم كما انتصرت بالأمس القريب المقاومة الوطنية اللبنانية بفضل إرادة الصادقين منها الذين آبوا الاّ أن يوحدوا جميع القوى والطوائف ضد العدو وعيا منهم بخطورة العدوان الصهيوني على الأمة خاصة في هذه المرحلة. والأكيد أنّ أطماع الأعداء هي واحدة وان اختلف الشكل من قطر لآخر والكيد أبيضا والأكيد أيضا ان ارادة شعبنا العربي لن تقهر مادام فيها من يقدم نفسه قربانا في سبيل تحررها ووحدتها وتقدمها، وإنا غدا لناظره لقريب.