قفلت مسارح مهرجاناتنا الوطنية، الدولية منها والجهوية والمحلية، أبوابها منذ أسبوعين تقريبا، وفُتح باب التقييم والنقد والمراجعة على مصراعيه على أعمدة الصحف والمجلات وفي وسائل الإعلام السمعية والمرئية، وداخل أروقة وزارة الثقافة والمحافظة على التراث، وفي مكاتب مختلف ادارات مهرجاناتنا الصيفية... مهرجاناتنا الصيفية التي تراوحت هذه السنة، ككل السنوات الماضية، بين الاشعاع والضمور بما حققته بعض العروض هنا وهناك من نجاحات فنية و جماهيرية وتنظيمية من ناحية، وبما لحق الكثير منها من فشل لم يسلم منها أعرق مهرجاناتنا، مهرجان قرطاج الدولي، ولا المحلية مثل مهرجان فرنانة... بالمقابل، وبشهادة الكثير من المختصين والمتابعين، حافظ مهرجان الحمامات الدولي، بنسبة محترمة، على تماسكه وتوازنه من خلال اختياراته الفنية لأغلب العروض، ومن خلال حرصه على تأمين التفاصيل اللوجيستية والتنظيمية، فكسب جمهورا نوعيا ووفيا لمدارجه، واختطفت العديد من عروضه الأضواء من كل المهرجانات مثل استضافة الشاعر المصري عبد الرحمان الأبنودي وحفل الفنانة أمينة فاخت وغيرهما من العروض العالمية والوطنية... عن الدورة الأخيرة للمهرجان وعن آليات النجاح والتوفيق وأيضا العراقيل والصعوبات، وعن الآفاق المستقبلية لمهرجان الحمامات الدولي كان للشعب هذا الحوار مع مدير المهرجان السيد فتحي الخراط. بعد اختتام هذه الدورة، هل يمكن أن نقول أن المهرجان حقق النجاح المتوقع؟ كان بالإمكان أحسن ممّا كان. هناك بعض العروض التّي كنت أتوقّع أن تكون أفضل لكن بعض الفنانين أحيانا لا يكونون في حجم المسؤوليّة التي يحتمها الصعود على ركح الحمامات فلا يتعاملون مع المسألة بالحرفيّة المطلوبة وبالجدّية التي يفرضها السّياق ودون ذكر أسماء هناك عرضان ندمت على برمجتهما. طبعا هذا النجاح لم يكن وليد عمل فردي؟ بالتأكيد فإدارة مهرجان عمل جماعي يقوم به فريق مُتكامل وبالمناسبة أُحيّي وأشكر كلّ أعضاء الفريق من إداريين وفنيين وسائقين وأعوان استقبال وعمال نظافة وصيانة والنّجاح أيضا هو نتيجة التفاف حول المهرجان بدءا بسلطة الإشراف ومصالح وزارة الثّقافة والمحافظة على التّراث التي لا تبخل على المهرجان بكلّ ما هو ممكن ومتاح بل إنّها تتحايل لتجعل غير الممكن ممكنا في سبيل إنجاح التّظاهرة. كما أن التفاف الإعلاميين حول المهرجان وحرصهم على مواكبته ونقل أصدائه ساهم في إنجاح المهرجان. في أحد تصريحاتكم قلتم أن ميزانية المهرجان متواضعة، فهل لكم أن توضحوا للقراء الجانب المادي لمهرجان الحمامات الدولي؟ لا أفهم هذا الهوس بالأرقام وهذا السّؤال الذي يتكرّر باستمرار حول ميزانية المهرجان وحول تكلفته. والحقيقة أنّ مهرجان الحمامات الدّولي حدّد سقفا لأجور الفنانين لا يمكن أن يتجاوزه وبالتالي لم يغامر كثيرا من الناحيّة الماديّة. لقد فضّلنا المغامرة من النّاحيّة الثّقافية، حاولنا أن نقترح عروضا ليست مكلّفة ماديّا لكن فيها قيمة فنيّة وثقافية وفيها إضافة للمتفرّج. تكلفة المهرجان بكلّ تفاصيله هي في حدود خمسمائة ألف دينار. ولكن طبيعة مدينة الحمامات السياحية من شأنها أن تنعش ميزانية المهرجان؟ لا شكّ في ذلك لكنّ إقبال السّياح على المهرجان ليس في حجم السّمعة السّياحيّة لهذه المدينة واني أرجع ذلك إلى سببين على الأقل. 1/ طبيعة السّياح القادمين حيث الاهتمام الثّقافي ليس من أولويات اهتماماتهم. 2 / رغبة أصحاب الفنادق في الإبقاء على السّياح داخل الفنادق حتى أن بعضهم يرفض حتى تعليق معلّقة وبرنامج المهرجان. ومع ذلك فإن عدد السّياح في بعض العروض يفوق عدد التونسيين لكنّ نسبة السّياح في مدارج مسرح الهواء الطلق بالحمامات عندما تقارنها بعدد الوافدين على الحمامات تبدو متواضعة. هناك من يعتبر أنكم نافستم مهرجان قرطاج الدولي من خلال برمجتكم لمسرحية «خمسون» للفاضل الجعايبي وجليلة بكار؟ مهرجان قرطاج ومهرجان الحمامات شقيقان ترعاهما نفس سلطة الإشراف وسواء يبرمج الجعايبي في الحمامات أو في قرطاج فالمهمّ هو أن يصل إلى الجمهور وقد تجاوب الجمهور مع مسرحيّة «خمسون» وذلك هو المهمّ بقطع النّظر عن الفضاء الذي برمجت فيه أمّا مسألة المنافسة فلا أراها قائمة لأنّ لكلّ مهرجان جمهوره ولكلّ مهرجان خصوصياته. وقد قال درويش في إحدى قصائده «لن يصبّ النّيل في الفولغا ولا الأردن في نهر الفرات». وأيضا من خلال استضافتكم للشاعر المصري عبد الرحمان الأبنودي؟ استضافة الشاعر المصري عبد الرحمان الأبنودي جاءت من باب التّواصل بين ماضي المركز وحاضره. هذا الشّاعر أقام في المركز شهورا وعمل مع الأستاذ الطاهر قيقة حول التغريبة الهلالية وتربط الشاعر علاقة قويّة ومتينة بعدد من المثقّفين التونسيين وعندما أدرجته في البرنامج كنت أريد تكريم روح الرّاحل الكبير الطاهر قيقة الذي أشعّ المركز في ظلّ إدارته كما لم يشعّ قطّ بالإضافة إلى تكريم الشاعر الكبير وإعادته إلى شبابه والعودة بعدد من المثقفين التونسيين إلى فترات هامة في مسيرة إبداعهم عندما كان المركز الثّقافي الدّولي بالحمامات ورشة إبداع دائمة خصوصا في المجال المسرحي. هل تعتبرون أن مهرجان الحمامات الدولي خطف الأضواء من كل المهرجانات الدولية وعلى رأسها مهرجان قرطاج؟ هذه مسألة تترك للنّقاد والمتابعين إذا كان المهرجان قد عرف نصيبا من النّجاح فهو ثمرة عمل جماعي متواصل. ولكن إصرار إدارتكم على تكريس البعد الثقافي قبل البعد التجاري ضمن للمهرجان احتراما كبيرا من قبل الجمهور والنقاد والفنانين؟ لا يمكن للمهرجان إلا أن يكون كذلك فهو من تنظيم وزارة الثّقافة وبديهي أن يكون المعطى الثقافي هو المسيطر وهو ينظّم في فضاء عُرِفَ بكونه من قلاع الثّقافة والإبداع على مدى تاريخه ثم إن محيط المركز الثقافي الدّولي بالحمامات بما فيه من عمارة مميّزة وفريدة. وبما فيه من بيئة جميلة تحتّم على من يعمل فيه أن يحترم تاريخ المركز ومحيطه وأن يكون وفيّا لروح جورج سيباستيان الذي أسس هذا المكان في نهاية العشرينات وجعله قبلة للمبدعين ومكانا يحجّ إليه الفنانون الكبار ثمّ إنّ ارتباط المركز بأسماء كبيرة في عالم الفنّ مثل بيتر بروك وعليّ بن عياد وميكيس تيودوراكيس وغيرهم يجعل لزاما على مدير المهرجان أن تكون العروض منتقاة بعناية بحيث لا تخدش تاريخ المركز والمهرجان وتكون متناغمة مع الفضاء الذي يفيض فنّا وشعرا وألقا. هناك توجه واضح للعروض الأجنبية وخاصة الفرنكفونية، فهل هذا اختيار مدروس وتوجه عام للمهرجان؟ هو من باب الانفتاح على الآخر ولا أرى حضورا كثيفا للعروض الفرنكوفونية بل هناك عروض من القارات الخمس وهناك توازن مدروس بالنسبة للتوزيع الجغرافي للعروض. نجاحكم المتواصل على رأس ادارة مهرجان الحمامات الدولي هل سيتواصل في مستقبل الدورات؟ إذا توفّرت نفس الأسباب من عمل جادّ ومتواصل ومن التفاف حول المهرجان ومن رؤية واضحة فإنّ الأمور ستسير إلى الأفضل إن شاء الله. هل هناك مشاريع في الأفق بخصوص المهرجان من حيث الدعم المادي واختيار العروض؟ ما ينبغي التركيز عليه مستقبلا هو محاولة ترويج المهرجان مبكّرا مع الهيئات المعنية بالسّياحة وخصوصا مكاتب الديوان الوطني للسياحة في الخارج حتى يصبح المهرجان أحد المسالك القارة في برنامج السّائح الذي يزور الحمامات. وما يجب التأكيد عليه هو ضرورة أن يتشبّث المهرجان بثوابته بحيث لا ينجرّ وراء الظواهر الفنيّة الزائلة والتي تحاط بكثير من البريق والبهرج دون أن تنطوي على إبداع حقيقي. والحمد لله أننا في مهرجان الحمامات الدولي ندرك جيّدا أن ليس كلّ ما يبرق ذهبا.