إنّه لفخر كبير لنا عندما تكون «الشروق» مصدرا ومرجعا حقيقيا لأيّة معلومة كانت وهو ما يؤكد ولا جدال المصداقية التي تتمتع بها صحيفتنا من خلال طرحها للمواضيع والقضايا في إطار من الشفافية والموضوعية المطلقة بعيدا عن الإثارة والضحك على ذقون القراء... ومن أجمل الأشياء لدينا حين تنوه بعض وسائل الإعلام ومعها القراء ب«الشروق» وما يكتب في صفحاتها الثقافية والفنية خاصة لما يتعلق الأمر بأقطاب الأغنية التونسية وروادها... ولأن المسألة بات فيها نوع من الخلط والغلط حول سيرة الراحلة علية وأغنية «بره وايجى» نقدم هذه الإيضاحات والإيفادات علها تثري خزينة من يجهلون بعضا من تاريخ المرحومة والأغنية المذكورة... فنحن وعلى امتداد سنوات كان لرموز الأغنية التونسية «وكباراتها» حضور بارز في «الشروق» ولا تكاد تمر مناسبة دون إيلاء اهتماما بهؤلاء الذين تميزوا بغزارة عطائهم وإخلاصهم لفنهم وضحوا بالغالي والنفيس من أجله ولم يوقف مسيرتهم سوى الموت وتلك حتمية القدر ولنا في الترنان والجموسي وصليحة والهادي الجويني والصادق ثريا.. وخميس الحنافي خير مثال... فعندما تناولنا سيرة الفنانة الكبيرة الراحلة علية خاصة فيما يتعلق بأغنيتها الشهيرة «بني وطني» كان الهدف منه إعطاء هذه المطربة المتميزة حقها من الحضور الإعلامي والأغنية بالذات لأنها تمثل منعرجا في حياة علية كفنانة ونضال شعب قدم الكثير من الشهداء من أجل الحرية والاستقلال.. فمعركة الجلاء الحاسمة ارتبطت ارتباطا وثيقا ب«بني وطني» وبالثلاثي المبدع بن جدو «أنور» علية فرغم ال47 سنة التي مرت عن حرب بنزرت فإن الأغنية ظلت حية متوهجة في الذاكرة كحياة الشهداء عند ربهم... مطربة الزمن الجميل زهاء العشرين عاما مرت على رحيل صاحبة الصوت الجهوري السيدة بية ابنة البشير الرحال... فارقتنا مخلفة وراءها رصيدا هائلا من الأعمال التونسية والمصرية وشغورا كبيرا على الساحة الفنية في تونس وبقية الدول العربية فقد تميزت المرحومة علية بصوت أخاذ وخارج عن المألوف بشهادة أهل الاختصاص... كانت أول فنانة تونسية سافرت إلى مصر بحثا عن المجد والشهرة فحققت ذلك بفضل إمكانياتها الصوتية المبهرة حيث تعاملت مع كبار الملحنين والشعراء والموسيقيين على غرار حلمي بكر الذي تزوجها وقدم لها أجمل وأحلى الأغاني «علي جرى» دام استقرار علية في بلاد الفراعنة سبع سنوات كاملة من 1976 إلى 1983 ولكن رغبة الراحلة وكشافة الطريق للجيل الجديد كصابر الرباعي ولطيفة وغازي العيادي وذكرى والفقاقيع الأخرى في تنويع تعاملها مع أسماء فنية وموسيقية معروفة عربيا جعل الطلاق دون شوشرة إعلامية... علية اليوم ما زالت حاضرة وبقوة بكلمات أغانيها الراقية والمعبرة وبصوتها الذي أطرب الملايين إذ اعتبرها جل النقاد والملحنين سفيرة للأغنية التونسية لأنها كانت سباقة في التعريف بفنها خارج تونس ودخلت أبواب الشهرة من مصر وحاولت وضع بصمتها الخاصة في كامل الأعمال التي أدتها... لم يقتصر تميز علية على الساحة الفنية بروعة أدائها بل وفي إطلالتها التي كانت تماثل نجمات السينما إذ جمعت بين حسن الأداء والصورة وقوة الحضور وهو ما تفتقر إليه فنانات هذه الألفية اللواتي اخترن ما هو هابط وركيك لتقديمه للجماهير الغلبانة ولعل في ترديد أغانيها من قبل فنانين عرفوا بتألقهم قديما أو حديثا كهيام يونس وأصالة وغادة رجب لأحسن دليل على مدى نجاح هذه الفنانة العظيمة ومن أروع ما غنت علية «قالو زيني عامل حاله»، «أنا من أنا» وهي قصيدة لإيليا أبو ماضي «الساحرة» للدكتور جعفر ماجد و«ظلموني حبايبي» وغيرها من الأغاني الخالدة التي تغنت بالحب والتضحية والجمال، أغان ما زالت صامدة رغم موجة كليبات «البورنو» التي تتحفنا بها على مدار اليوم والساعة معظم الفضائيات العربية مشكورة... فصوت الحب مازال خالدا، وقوة الكلمة نابضة رغم الرحيل ورغم مرور السنوات... ليليا... و«برّه وإيجى» فمثلما غنت وتغنت علية بشهدائنا الأبرار وصرخت بأعلى صوتها في جبال بنزرت ووهادها... لشحذ همم الأحرار ذودا عن وطن اغتصبته شرذمة من القوات تدعى الاستعمار فإن ليليا الدهماني مجدت بطل معركة الجلاز الشهيرة الشهيد محمد المنوبي الخضراوي «الجرجار» إذ خلدت مآثره النضالية والكفاحية في أجمل وأبهى أغنية وطنية لا تقل قيمة عن «بني وطني» ربما لأن ليليا ابنة المطربة الكبيرة السيدة عائشة بات حضورها قليلا بل هي غائبة تماما عن الساحة الفنية وعدم بث هذه الأغنية الرائعة حال دون حفظها من قبل جمهور المستمعين وعامة الناس حتى أنهم نسبوا «بره وايجى» إلى الراحلة علية فما تردد وكتب غير صحيح ولا يستند إلى دليل وإنصافا للفنانة ليليا الدهماني وحتى يأخذ كل ذي حق حقه نشير أن «بره وايجى» انتشلها الشاعر المرحوم عبد المجيد بن جدو من غوائل الزمان وصروف الزمان وسجلها بالتلفزة التونسية في إطار برنامج «متحف الأغاني» وقد أطلت علينا المطربة ليليا الدهماني وهي تؤدي أجمل وأروع مقطع لأغنية من أحسن الأغاني الوطنية الخالدة «بره وايجى ما ترد أخبار ع الجرجار يا عالم الأسرار الصبر لله آه على الجرجار» إلخ... وتبقى اللوحة الرخامية التذكارية المنتصبة قبالة مقبرة الزلاج أكبر شاهد على تاريخ تلك المعركة يوم 7 نوفمبر 1911.