هل وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها الحديث عن الدورة الاقتصادية لا يستقيم الاّ بالحديث أيضا عن مؤسسات المناولة؟ سؤال جوهري يستمد شرعيته من المحاولات المشتبه فيها التي تهدف الي تأكيد وتركيز واقع جديد يعتمد على هشاشة التشغيل والمتاجرة باليد العاملة بعد ان أضحى الحصول على عمل في بلادنا أعسر من تسلّق جبال الهمالايا. ولعلّ هذا ما دعم تحويل الانسان من كائن طبيعي الى سلعة تباع وتتلاقف في الأسواق. مقدمة كان لابد منها أملتها الظروف القاسية التي تمرّ بها مجموعة من عاملات شركة «كونفاكس» بالمسعدين وهي بالمناسبة ظروف تنعكس على آلاف العاملات في مختلف جهات الجمهورية. فقد تفتقت قريحة ادارة المؤسسة المذكورة على حيلة مناولاتية جهنمية لقمع العائلات والدوس على كرامتهن وسلبهن كل حقوقهن شعارها في ذلك «القبول بالأمر الواقع أو الخروج بخفي حنين». وسنحاول أن نبدأ ببسط صورة موجزة عن هذا الأمر الواقع. حيث تشير الوقائع التي بحوزتنا إلى أنّ ادارة مؤسسة «كونفاكس» لم تجد حرجا يذكر في ايقاف مجموعة من عاملات المؤسسة من اللاتي قضين أكثر من أربع سنوات من العمل بصورة متواصلة وهو ما يعني آليا وفق قانون مجلة الشغل وتحديدا الفصل 17 انهنّ مترسمات. وبدل أن تمنحهنّ مؤسستهنّ المصونة هذا الحق بادرت على العكس من ذلك بإلحاقهم اداريا بمؤسسة مجهولة المنشأ والهوية تقع بجهة البحيرة بتونس العاصمة وذلك لتفادي كل اجراءات ترسيمهن بعد أن شعرت المؤسسة أنّها قانونيا أصبحت ملزمة بتطبيق هذا الاجراء. وكان من الطبيعي أن ترفض العاملات الخضوع الى هذا الاجراء التعسفي الذي فيه تطاول صارخ على القانون والذي تحوّل أكثر من ذلك الى أمر فيه تهديد ووعيد. ولكن الوقفة الحازمة والمسؤولة والصارمة للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة وكذلك الفرع الجامعي للنسيج بالجهة خففت من الضغوطات المسلطة على العاملات ومنعت اتساع دائرة استغلالهن، حيث تحرّك المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي في أكثر من مستوى وسارع بإعلام معتمد مساكن والتفقدية المحلية للشغل بحيثيات الموضوع وأشعرهما بخطورته وضرورة التدخل السريع لمعالجته وذلك بإعادة الحق لأصحابه أي بإعادة العاملات الموقوفات الى عملهن مع ضرورة ترسيمهن مثلما ينصّ على ذلك القانون. ولعلّ الجلسات الصلحية التي انعقدت بتاريخ 16 و19 نوفمبر 2007 بطلب من الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة وحضرها الى جانب لجنة المصالحة بالتفقدية المحلية للشغل بمساكن ادارة مؤسسة «كونفاكس» دليلا قاطعا على حدوث هذا التجاوز الذي نستغرب كيف حصل وكيف سمحت المؤسسة المذكورة لنفسها بالتشهير به في بلدنا الذي نفتخر بكونه بلد القانون والمؤسسات. أكثر من ذلك أيضا الى متى ستظل مؤسسة «كونفاكس» مصرّة على المضي في تجاوزاتها وضربها الفاضح للقانون وذلك بإصرارها على ابرام عقود ومنح شهادات خلاص لعاملاتها لا تحمل الاسم الحقيقي للمؤسسة التي تشغلهن ومقرها المسعدين وهي «كونفاكس» واستبدالها على الورق الرسمي باسم وهمي هو (أرامو) وذلك لتفادي ترسيمهن والتحايل بالتالي على القانون. ولأنّ المسألة على غاية من الخطورة فقد انعقد بدار الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة يوم السبت 24 نوفمبر 2007 اجتماع عام حضره عدد غفير من عاملات مؤسسة «كونفاكس» للتضامن مع زميلاتهن في محنتهن. وقد أشرف على هذا الاجتماع الأخ محمد رابح الكاتب العام المساعد للاتحاد الجهوي المسؤول عن القطاع كما حضره الأخ حسن بلحاج عمر الكاتب العام للفرع الجامعي للنسيج بسوسة الذي بادر في مفتتح هذا الاجتماع بتقديم بسطة معمقة للوضع داخل المؤسسة فانطلق بتوجيه تحيّة اكبار الى جهود المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة وعلى رأسه الأخ محمد الجدي وذلك على مساندته المطلقة للعاملات الموقوفات ومسارعته بتحسيس السلط المحلية في مساكن وتفقدية الشغل بخطورة الخطوة التي أقدمت عليها ادارة مؤسسة «كونفاكس» محذرا من مغبة تمادي ادارة هذه المؤسسة في تجاوزاتها وضربها الصارخ لحقوق عاملات ذنبهن الوحيد ان القانون أصبح في صفهن ويلزم المؤسسة المذكورة التي هي «كونفاكس» وليس «أرامو» بترسيمهن. وأضاف قائلا على الرغم من هذا الظلم المسلط على العاملات الموقوفات فإنّنا كطرف نقابي لم نتسرّع ولم نكن أبدا متصلبين في مواقفنا بل طالبنا ادارة المؤسسة بحوار جدّي مسؤول يفضي الى إيجاد حلول عملية ونهائية لمشكلة هؤلاء العاملات ولكن الجانب الإداري بدل أن يتفهّم موقفنا رفض ذلك وطالبنا بالتفاوض مع ممثل مؤسسة «أرامو» الوهمية وهو ما رفضناه قطعيا كجانب نقابي لأنّنا غير مستعدين للتفاوض مع مؤسسة مناولة منتصبة في تونس العاصمة وليس لها اية علاقة بعاملات «كونتاكس» بالمسعدين وظهورها في هذا الوقت بالذات يصبّ في خانة السمسرة المفضوحة باليد العاملة من قبل ادارة كونتاكس. وهذا الاجراء لن يثنينا عن عزمنا على التصدّي الى مثل هذه المحاولات المغرضة التي تستهدف العاملات في قوتهن وسنواصل النضال بدعم من اتحادكم الجهوي للشغل بسوسة من أجل إزالة هذا الإشكال بالطرق التي تحفظ كرامة العاملات. من جهة أخرى، وبعد أن توجّه بالشكر الى الفرع الجامعي للنسيج وكذلك للنقابة الأساسية لمصنع «كونفاكس» على جهودهما الجبارة لحفظ التوازن الاجتماعي بالخصوص في هذا القطاع المهم والحسّاس. أبدى الأخ محمد راجح الكاتب العام المساعد للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة المسؤول عن القطاع استياءه الشديد من الاجراء اللاقانوني المتخذ من قبل ادارة كونفاكس والقاضي بإيقاف مجموعة من العاملات يعتبرن بحكم القانون مترسمات. والتلاعب بأوراق رسمية ادارية بغاية التحايل على القانون. إذ كيف يعقل ان تشغل الموسسة الأم التي هي كونفاكس مجموعة من العاملات في حين تقوم مؤسسة أخرى تحمل اسما مختلفا هو «أرامو» بمنحهنّ بطاقات خلاصهن. وفي هذا الاطار اطمأن الجميع خصوصا العاملات الموقوفات ظلما ان الاتحاد الجهوي للشغل مثلما هي عادته دوما لن يتخلّى عن أبنائه وسيعمل جاهدا ضمن ما يسمح به القانون لإنصاف هؤلاء العاملات بإعادتهن الى عملهن. كما سنلزم بكل الطرق التي نراها مناسبة كطرف نقابي ادارة مؤسسة «كونفاكس» بمراجعة موقفها والتخلص نهائيا من اسم مؤسسة «أرامو» كما سنبحث عن صيغة قانونية لإنصاف العاملات اللاتي قمن بالتوقيع الاجباري على عقود وشهادات خلاص تحمل اسم مؤسسة المناولة «أرامو» وفي هذا الاطار وضمن البحث عن صيغ مثلى لتجاوز هذا الإشكال الحاصل مع الطرف الإداري لكونفاكس فنحن كطرف نقابي لا يخيفنا التهديد بغلق المؤسسة لأننا كنّا ولا نزال من أكثر المتحمسين لاستمراريتها وصيرورتها ولكن في اطار القانون الذي يحفظ حقوق العاملات وليس المناولة والفوضى والانتهاكات والتحايل. وكل محاولة ضمن هذا الباب للتهرّب من ترسيم العاملات باعتماد أسلوب التهديد لن يفيد ادارة مؤسسة «كونفاكس» في شيء والعاملات الموقوفات كان يفترض أن تعقد جلسة بإدارة المؤسسة لتدارس وضعيتهن ولكن ممثلها اعتذر في آخر لحظة لأنّه وجد نفسه غير قادر على إثبات توقيع هؤلاء العاملات على عقود باسم شركة غير «كونفاكس» . ولأجل كل هذا فنحن في الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة لن نتوقف عن المطالبة بإنصاف العاملات المطرودات واسترداد كل حقوقهن المغتصبة ونحن لا نعوّل في هذه المرحلة إلاّ على انسجامكن وتضامنكن مع زميلاتكن المطرودات وذلك بمزيد التوحّد والانصهار خلف كلمة نقابية موحدة ترفض الظلم والاستغلال وتنادي بسرعة إعادة الحق الى أصحابه وهذا ما نعدكم به كطرف نقابي بذل كل ما في وسعه للوصول الى حل يرضي كل الأطراف وكان يفترض في هذا الاطار ان تنعقد جلسة بمقر الولاية بتاريخ 2007/11/29 للوصول الى حل نهائي بشأن العاملات المطرودات ولكن ادارة المؤسسة كعادتها تعلّلت بأسباب مضحكة لتجنب الحضور. وهذا ما اضطرنا كطرف نقابي الى الموافقة على دخول عاملات مؤسسة «كونفاكس» في اضراب يحدّد تاريخه لاحقا من قبل المكتب التنفيذي الجهوي للشغل بسوسة.