رغم أنّه «غلطان» حتّى قبل أن يبيع نفسه للأمريكان.. ورغم أنّه معروف بإتقانه لفنون المناورة والخداع.. وبالانقضاض على نفسه إذا لم يجد من يرهب من العباد.. فإنّ تيّار 14 آذار في لبنان فاجأنا هذه الأيّام بميزة جديدة وهي قدرته العجيبة على قتل جماعته في الليل والبكاء والنوّاح عليهم في النّهار. وهذا في حد ذاته أسلوب لا تعرف سرّه سوى الحرباء التي بقدر ما تلوّنها بقدر ما تضخّم عدد ضحاياها من الأبرياء. «ألي وليد عيدو» السياسي المحنّك الذي تحوّل في أيّامه الأخيرة إلى ناطق رسمي باسم السنيورة المتأمرك والباحث عن اغراق لبنان في الفتنة والملتزم بالفكر الكوندوليزي المتصهين.. هذا الوليد واحد من أهم جماعة 14 آذار التي فرضت عليه بحكم الانتماء الاضطلاع بمهمة الإساءة لسوريا وإغراقها في خندق الارهاب.. أليس هو القائل «سوريا إلى الجحيم.. وعن المحكمة الدولية لا بديل»؟ ألم يلقّبوه بفارس التنغيص على الشام.. ألم.. و ألم.. وفي الأخير ماذا حدث وماذا جرى..؟ لقد سارعت جماعته التي دافع عن مبادئها ووعدها بالتغذّي ببشار قبل أن يتسحّر» على حد قوله بلبنان إلى تكريمه بقطع رقبته في مشهد غارق في الدموية طارت خلاله جثث الضحايا الأبرياء في الهواء. ولو كان المرحوم «عيدو» يعلم أنّ نهايته ستكون بتلك الشاكلة عبارة عن صفقة تغيّبه عن الوجود الحيوي والسياسي حتّى يكون ذلك مدخلا لفرض الانتخابات الجزئية لسد الفراغ في حكومة السنيورة الفارغة والمشلولة بطبعها للعن آذار وجماعة آذار واختار ربّما التحالف حتّى مع الشيطان.. ولكن اللّوم بعد القضاء بدعة.. «وعيدو» قضى وانتهى الأمر مثلما قضى أمر الشيخ جميل الابن وتقبّل السفّاحون عزاءه بمباركة من والده الذي مازال حتّى اليوم يلبس عباءة الرئاسة ويرفض أن يقولوا عنه الرئيس المتخلّي للبنان.. وهذه تضحية جديدة أنتجتها إيديولوجية 14 آذار حيث يضحى الأب بفلذة الكبد من أجل الجلوس على كرسي الرئاسة. وبئس هذه الغاية لأنّ من لم يخف اللّه في ابنه، فهو بالتأكيد لن يخاف اللّه في شعب لبنان ولن يكون بمقدوره تخليصه من الأوحال السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتردّية. استنتاج نستخلصه ونمضي للسباحة هذه المرّة في مخيّم نهر البارد.. حيث التكالب السياسي والنّفاق المزدوج في المواقف الذي أنتج بدوره أنهرا دامية أخرى في بقية المخيّمات. ورغم وضوح الصورة حول الأيادي التي حرّكت أزمة نهر البارد ومن دعم خلية فتح الاسلام وقبل في العلن التفاوض من أجل انهاء الأزمة، وأسدى تعليماته في السّر لجماعة فتح الاسلام حتّى لا تتراجع وتمضي في الصمود. رغم توضح الصورة إلى حد الشفافية هذه المرّة وذلك حين لمح قادة فتح الاسلام إلى دعم تيّار 14 آذار للحركة فان سهام الاتّهامات توجّهت كالعادة إلى سوريا عبر لائحة من الاتّهامات صاغها جورش ولكر بوش وأبدع تابعه وخادمه المطيع تيّار 14 آذار في توظيفها بما يصب في خانة اغراق لبنان في مزيد من الفوضى والتشتّت. وهنا من حقّنا أن نسأل لماذا غابت هذه الحميمية في العلاقة بين جماعة الحريري الابن والولاياتالمتحدةالأمريكية حين دمّر الكيان الصهيوني البنية التحتية لكل لبنان تقريبا وقصف الشيوخ والنّساء والأطفال تنفيسا عن هزيمته الشنيعة بعد أن مرغ الشيخ حسن نصر اللّه جبروت هذا الكيان الذي لا يقهر في التراب؟. نعم هل نسي السنيورة ومعه باقي حفاظ الإملاءات الأمريكية كيف رفض سيّدهم الأمريكي الإرهابي الأوّل في العالم والغارق في الاجرام وإبادة البشرية في فلسطين والعراق وافغانستان أن يستجيب إلى كل دعوات رؤساء العالم بإيقاف تدمير الكيان الاسرائيلي المغتصب للبنان في حرب الجنوب وكيف سارع بوش بدلا من ذلك إلى تمكين اسرائيل من أحدث الطائرات لمزيد قتل اللبنانيين وحفظ ماء وجه الكيان الصهيوني ولو إلى حين؟. نعم هل نسي عباقرة السياسة في تيّار 14آذار كل هذه المعطيات والحقائق القاسية والمرّة حتّى لا يفوّتوا فرصة الحصول على صك البراءة من الادارة الأمريكية خوفا من فقدان مناصبهم المشبوهة واستعدادهم التّام واللاّمشروط للمتاجرة بلبنان ومساعدة جورج بوش الابن في سياسته الهادفة إلى مزيد توريط إيران وعزل سورية وتضييق الخناق عليها بما يساعد على تصنيفها على رأس الدول الدّاعمة للإرهاب وهل هناك تضييق أكبر من أن تنزل المطر على كل لبنان فيزمجر بوش ويقول إنّ هذا الغيث وراءه بشّار الأسد!! تورّط وأشياء أخرى... الصفقة التي لا يمكن أن يتورّط فيها إلاّ من تخرّج في مدرسة العهر السياسي الأمريكي، لم يكتب لها النّجاح وأسقطت ورقة التوت عن الزعماء الكرتونيين في الأكثرية الحاكمة ممّن تلطّخت أياديهم بدماء اللبنانيين الأحرار على غرار جعجع وجنبلاط. لأنّ الشعب اللبناني صحبة النخبة النيّرة من السياسيين العقلانيين هم أكثر من يدركون متانة الروابط التاريخية التي جمعت ومازالت تجمع الشعبين السوري واللبناني. وهم أكثر من يدركون أيضا أنّ سوريا كانت على الدّوام الحضن الدافئ والحصن المنيع الذي أنقذ اللبنانيين من براثن مخطّطات الفتنة والحرب الأهلية التي كان يقف وراءها حتّى اليوم جعجع ورفيق دربه في نهش لبنان وليد جنبلاط، قبل أن يضاف إليهما صبي سطع نجمه فجأة نتيجة استثماره الجيّد لاغتيال والده فترأس تبعا لذلك تيّارا سياسيا بأكمله يسمّى 14 آذار منفقا من أجل ذلك ملايين الدولارات وقليلا من السياسة والحنكة القيادية!! تضحيات كثيرة نعم إنّ اللّبنانيين الأحرار والوطنيين هم أكثر النّاس دراية بالتضحيات التي قدّمها الرئيس السوري الرّاحل حافظ الأسد من أجل سيادة وكرامة لبنان. وقد كان ذلك في أحيان كثيرة على حساب أبناء الشعب السوري نفسه. كما لم يغيّر مجيء الابن بشار حافظ الأسد وتربّعه على عرش النظام السوري من سياسة والده حيث ظلّ الشعب اللبناني خطّا أحمر لا يجوز بأي حال من الأحوال تعريض مصالحه الوطنية والأمنية والقومية للخطر. ومن الطبيعي أن لا يستسيغ أعداء لبنان من الداخل والخارج هذا الوفاء السوري لأرض الأرز لأنّه ببساطة يكشف الأجندة التجارية التدميرية للاذاريين من الأكثرية الوهمية الذين نزعوا لباس الوطنية والعروبة والقومية وارتدوا بدلا منه «لباس الكوبوي الأمريكي» والمتاجرة بالمواقف الهادفة إلى توريط سورية من خلال ترديد اسطوانة مشروخة مجت الأذن العربية من سماعها ومن أتعس هذه المواقف اتّهام النظام العربي السوري بالمشاركة الفعلية في اخلال التوازنات السياسية اللبنانية والمساعدة على فرض مشروع إقامة دولة نصر اللّه في الجنوب وضرب المبادرات العربية والأوروبية الهادفة إلى القضاء على معضلة الفراغ الرئاسي. وهذه كلّها اتّهامات وافتراءات ساذجة ومضحكة إذ كيف تطلب قوى 14 آذار من المجتمع الدولي المساعدة على كبح جماح التدخّلات السورية في لبنان وفي المقابل تتكثّف جهود هذه القوى بالتنسيق مع الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا لاقناع السوريين بضرورة التدخّل لحل الأزمة في لبنان!! أليس هذا الأمر مثيرا للسّخريّة والتعجّب وهل يمكن أن يصدر عن تيّار سياسي متمرّس ومحنّك يحوز على الأغلبية النيابية في لبنان؟ هذه الأغلبية الصورية التي لم تشفع ولم تساعد في إمالة كفّة قوى الأكثرية طيلة هذه الفترة التي ظلّ فيها كرسي الرئاسة شاغرا وصامتا منذ انقضاء ولاية الرئيس المقاوم إميل لحود، لسبب بسيط وهو أنّ هناك في المقابل معارضة متمكّنة جيّدا من فنون المناورة السياسية واستطاعت بفضل شرعية مطالبها ومرشحها الموحّد للرئاسة ثمّ التفاوض والمقصود به ميشال عون أن تستقطب مزيدا من الأنصار كانوا إلى حد قريب من الموالين للموالاة!! قوى الأكثرية وهذه صفعة جديدة من جملة صفعات عدّة أضعفت قوى الأكثرية وحوّلتها إلى قيادات كرتونية يتحكّم فيها عن بعد. وعاجزة عن مغادرة النزل الذي تقيم به إلاّ بإذن من المخابرات الأمريكية والسفير الأمريكي «فيلتمان» الذي منحته قوى الأكثرية امتيازا لم يكن يحلم به وهو حكم لبنان وتوجيه التفاوض وفق ما ترتضيه الادارة الأمريكية مع تغييب كلّي لرغبات الشعب اللبناني بمختلف فئاته ومكوّناته في التعاطي مع مأزق الرئاسة اللبنانية بمثابته مطبخا لبنانيا صرفا وشأنا داخليا وليس خارجيا. ولكن من احتمى يوما بالمارد الأمريكي وطلب منه بإلحاح التدخّل لعدم إيقاف الاعتداء الإسرائيلي على جنوب لبنان في حرب تموز التي انكسر فيها جيش إسرائيلي لم يكسّر من قبل، ومن تعوّد على الاستكراش من قوت هذا الشعب الأبي لا يمكن أن يكون حاميه والمدافع عن عزّته في يوم من الأيّام. وهنا أصل الخلاف بين الموالاة والمعارضة. ففي حين تصر الموالاة على إيجاد مخرج يسمح ببقاء السنيورة إلى جانب الرئيس الجديد المنتظر ميشال سليمان بما يتيح الإبقاء على نهج أمركة لبنان وضرب المقاومة في الصميم لنزع سلاحها وإضعافها ورفض كل الطرق المؤدّية إلى تمكين المعارضة من الثلث المعطل. نجد المعارضة بقيادة من ميشال عون زعيم التيّار الوطني الحر منفتحة على عكس قوى 14 آذار على كل المبادرات التي تحمل روح الدستور اللبناني وتريد الخير لهذا البلد وآخر هذه المبادرات المبادرة العربية التي حملها عمرو موسى إلى لبنان وفشل في تسويقها بسبب اصرار قوى الموالاة على تفسيرها وتوظيفها بما يصب في خانة تدعيم موقفها الذي ترفضه المعارضة وتشجبه بالأساس. مبادرة ولكن... النتيجة بالمحصلة أنّ موسى جاء بمبادرة كانت تحتاج بدورها إلى مبادرة لانقاذها وهذا ما جعلها تولد ميّتة ليتواصل بذلك السجال السياسي والنيابي في بلد عربي شقيق أصبحت تحكمه اللاّشرعية واللاّميثاقية واللاّدستورية بمباركة من الولاياتالمتحدةالأمريكية ولهذا السبب ترفض الأكثرية النيابية الوهمية بتأثير من فيلتمان حتّى بعد انتهاء مهمّته الدبلوماسية تصحيح الأوضاع فيه. وهذا ما ينذر بحدوث أشياء خطيرة في قادم الأيّام خصوصا مع بروز بوادر تؤكّد استعداد غالبية الشعب اللبناني للتحرّك ميدانيا وحسم مأزق الفراغ الرئاسي ساحبا بذلك الغطاء الزائف الذي ما انفكّت تحتمي به حكومة سنيورية غاصبة للسلطة وناطقة بلسان كوندوليزا رايس وآخر ما تفكّر فيه مصلحة المواطن اللبناني الذي لم يعد قادرا في ظل هذه الأزمة على شراء رغيف من الخبز وتأمين لتر واحد من المازوط للاحتماء من البرد القارس!! هوامش الفكر الكوندوليزي: نسبة إلى وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس. وليد عيدو: من أبرز القيادات في تيّار 14 آذار تمّ اغتياله صحبة نجله في حادث مشبوه. فيلتمان: السفير الأمريكي في لبنان الذي رحل غير مأسوف عليه بعد انتهاء مهمّته.