السبت 15 ديسمبر 2007 لم تقفل المدرسة الابتدائية «صالح عزيز» بسليمان أبوابها لتدخل في عطلة الشتاء كبقية المدارس في كل أنحاء الجمهورية، بل أبت إلاّ أن تدور على ساحتها الفسيحة والمزهرة فعاليات ندوة أراد منظموها من لجنة ثقافية محلية وبعض جمعيات المجتمع المدني أن تكون مناسبة لاحياء ذكرى علم من أعلام سليمان والوطن القبلي ألا وهو الطبيب المناضل «الدكتور» صالح عزيز. هذا الرجل الذي لم تثنه مهنته كطبيب جراح من الاسهام في الانخراط الطوعي والواعي في دحر الاحتلال الفرنسي الغاشم على بلادنا حتى تعيش حرّة مستقلّة أبد الدهر. شريط وثائقي هو شريط ب 20 دقيقة تناول بالصورة والصوت سيرة هذا الرجل الذي ينحدر من عائلة «صفاقسية» استقرّت بمدينة سليمان في الماضي. وقد صور الشريط الأحياء والأنهج التي ترعرع فيها الدكتور المناضل «صالح عزيز» الذي ولد سنة 1911 في شهر نوفمبر. لقد بدأ تعلمه ككل أبناء جيله في الكتّاب ثم انتقل إلى مدرسة «الأولاد» بطريق تونس في مدينة سليمان أين تحصّل على شهادة ختم الدروس التي خولت له في ما بعد الالتحاق بمدرسة «كارنو» بتونس. وفي الشريط صور عن «مكتب الأولاد» و»مدرسة كارنو»... كما أنّ الشريط الذي مثّل المحطة الأولى في التظاهرة التي أقيمت احياء لذكرى الدكتور «صالح عزيز» عرض شهادات حيّة لشخصيات عاصرته وتعاملت معه تحدثت عن شخصية الدكتور المناضل وقد أمكن للذين واكبوا هذه الندوة التعرّف أكثر على كيفية انخراط هذا الرجل في مواجهة الاحتلال العسكري الفرنسي لبلادنا دون أن يحمل السلاح في وجهه مستخدما في ذلك مهنته كأول طبيب جراح عرفته بلادنا. لقد كانت عيادته الخاصة مفتوحة لكل المرضى من أبناء شعبنا أين كانوا يتلقون العلاج من الدكتور الذي يتعامل معهم تعامل الابن البار لأهله آخذا بعين الاعتبار أوضاعهم الاجتماعية المزرية في تلك الفترة بفعل الاستعمار الجاثم على صدورهم والذي كان يستغلهم ويستغل ثرواتهم وتركهم يواجهون مصائرهم غير مبال بأوضاعهم. إن شعور الدكتور «صالح عزيز» بالعطف على أبناء شعبه في ظلّ المحنة التي يمرّ بها جعلته ينكر ذاته ويهبّ بكل ما أُوتي من قوّة لنجدتهم ومعالجتهم والتخفيف من معاناتهم... مداخلة أمّا الفقرة الثانية من الأمسية التي عرفتها مدرسة «صالح عزيز» بسليمان حول الدكتور الراحل، فقد فُسح فيها المجال لأستاذ التاريخ ورئيس اللجنة الثقافية «مصطفى بن منصور» ليحاضر حول الدكتور المناضل وليضيف الكثير من المعطيات ربّما التي بقيت مجهولة حول سيرته كطبيب وكمناضل ضد الوجود الاستعماري. فالرجل فتح عيادته لاستقبال الجرحى من المقاومين و»الفلاقة» الذين حملوا السلاح وجابهوا جيش الاحتلال بكل بسالة في ثورة مسلحة عارمة انطلقت مع بداية الخمسينات وعزمت طرد المستعمر الغاضب. هذا بالتوازي مع اصرار الشعب كل من موقعه أن تنال تونس استقلالها ضمن المقولة الخالدة لشاعر تونس الأول أبو القاسم الشابي: «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر» فكانت مساهمة الدكتور المناضل «صالح عزيز» معالجة المصابين من أبناء المقاومة المسلحة اضافة الى تخبئة الزعماء المطلوبين في عيادته وفي مقر اقامته. وهذا الدور في حدّ ذاته حسب الأستاذ المحاضر لا يقل أهمية من حمل السلاح أو التظاهر في الشارع. حضور إلى جانب الحاضرين من الأسرة التربوية فقد لبّ الدعوة أهل الدكتور «صالح عزيز» الذين أظفوا على الأمسية طابعا متميّزا اضافة الى ممثلي بعض جمعيات المجتمع المدني والمنظمات في ندوة أشرف على فعالياتها معتمد سليمان الذي حيّا كل من ساهم في انجاح هذه الندوة. كما نادى بضرورة الاحاطة بمدرسة صالح عزيز حتى تكون بالفعل في مستوى الذي سُميت باسمه. تكريم لم يفوّت الساهرون على تنظيم هذه الأمسية الفرصة دون تكريم بعض المربين الفاضلين بمناسبة احالتهم على التقاعد بعد أن وهبوا أحلى سنين العمر لانارة طريق المعرفة والعلم لأبناء تونس الحبيبة. وقد مثّل لهم التكريم اعترافا لهم بجميل ما قدموه طيلة عقود من العمل المضني والشاق. وقد نال شرف هذا التكريم المربين والمربيات الأفاضل الآتي ذكرهم: عبد القادر الباش علية عزيز حليمة الهويملي عائشة السوقي ورشيدة المكني. كل من واكب فعاليات هذه الندوة عبّر عن أهميتها ونادى البعض بضرورة جعلها سنوية حتى يتسنّى للشباب خاصة مزيد التعرّف على الدكتور المناضل «صالح عزيز» وشخصيته الفذة واستلهام المبادئ والقيم التي تربّى عليها هذا الطبيب الثائر.