كنت في المطار ليلة الاربعاء انتظر امرأة لا أعرفها قادمة من أوروبا حاملة إليّ أمانة مطلوب منّي أن انقلها الى صديق يقيم خارج العاصمة. كل ما علمته عن المرأة أنّها تونسية، تعمل في الخارج، سمراء، متوسطة القامة، شعرها أسود، نصف عمر.. وفيما كنت أتفرس الوجوه، بحثا عن ضالتي، إذ بسيدة بدا لي أنّها مطابقة للاوصاف التي حددت لي، تتجه نحوي بخطى متسارعة وفي يدها صحيفة.. قالت وقد وصلت أمامي: «كنت متأكدة أنك أنت، منذ لمحتك قلت لمن معي أنك أنت.. أجبتها.. نعم أنا من تبحثين عنه.. لكن قبل ذلك قدوم مبارك، مرحبا بك في بلدك «آش بيك دخلت بعضك،... متى خرجت أنا من هذه البلاد حتى ترحب بي، «قالك قدوم مبارك، مزعمكم في الحديث». في بالي... ألست فلان الذي يكتب في الصفحة الأخيرة كل اسبوع؟ نعم، وأنت، ألست قادمة من أوروبا؟ يا «راجل» أنا لم أذهب الى بنزرت، فكيف تسألني عن أوروبا؟ يبدو أنّ هناك سوء تفاهم... أنا عرفت من أنت وأريد أن أسألك كيف لا تكتب أنت وزملاءك عن هذا القانون الجديد القاضي بالزام الأب المطلّق باسكان الام مع محضونها في المسكن الذي على ملكه (صادق عليه مجلس النواب في جلسة انعقدت يوم الثلاثاء في إطار تنقيحات ادخلت على مجلة الاحوال الشخصية). القصد واضح وهو بغية حماية المحضون... أنا أعرف وأفهم، وهذا في المستوى النظري، أنا أقصد ال... كيف يمكن مثل هذا الأمر، كيف يمكن للمطلّقة ان تواصل السكن في مسكن الرجل الذي طلّقها، كيف يمكن للمطلقة ان تقيم في نفس المسكن الذي يأوي زوجة أخرى وربّما أطفال آخرين. قصد المشرّع واضح يا مدام... من هو هذا المشرّع الذي لا قلب له، الذي لا يعرف الغيرة، لا يعرف عداء المرأة للمرأة، هذا الذي يعذّب امرأتين في نفس الوقت، واحدة مطلّقة ومعها ابن أو اكثر وماض وذكريات، وثانية قادمة ومعها أحلام ومشاريع وآفاق، هل سأل المشرّع المطلّقات الموجودات ان كنّ يقبلن بالأمر، وهل سأل الزوجات إن كنّ يرضينّ بالوضع؟ اكتبوا بدلا عنه وعن النساء، اسألوا زوجاتكم وبناتكم وأخواتكم، اسألوا الرجال من أمثالكم ان كانوا قادرين على التصرف في وضع مماثل. ان القوانين وضعت لتطبّق لكن ثق يا سي السيد ان هذا القانون لن يجد طريقه الى ال، وان تم له ذلك في بعض الحالات فإنّه سيتسبب في مشاكل جديدة لجميع الاطراف.... لا أستطيع الحكم على وضع لا أعرفه.. أنا لا أتمنّى لك ذلك طبعا ويكفيك مثالي أنا. وطفقت المرأة تتحدث عن تجربتها في الطلاق وعلاقتها المتوترة مع مطلّقها وزوجته وعلاقة التنافر السائدة بين الاطفال وبين العائلتين... وهاهي في المطار تنتظر ابنها الذي أرسلته قبل أسبوع الى والده المهاجر حتّى «يصرف عليه كيف اخواتو». كانت إمرأة من عندنا تزوّجت خمس مرات، وكانت لا تحتاج لابرام عقود لانها حادة الطباع ولا تقبل بسلطة الرجل عليها، فتبقي على حريتها وتترك معاشرتها متى عنّ لها. لما أصبحت مجلة الأحوال الشخصية سارية المفعول سنة 1956 وكانت المرأة طليقة وقررت ان تتزوّج، فرض عليها ان تبرم عقدا. جاء العدل الى بيتها وأخذ بتحرير العقد على النحو الذي نعرفه عن العدول القدامى حتى أوشك على ملء نصف صفحة، ولما انتبهت إليه المرأة قالت له آمرة: «لا تكثر من الحروف والخطوط يا عمّ، فأنا لا أطيل البقاء عند الازواج». صوت مذيعة المطار التي نادت عليّ بطلب من حاملة الأمانة هو وحده الذي أنقذني من سوء التفاهم.