أقسم باللّه أن لا أحد يكره البلاد وأقسم بالله أن لا أحد يكره الدولة وأقسم بالله أن لا أحد يكره الحكومة أقسم بالله وأقسم بالله أننا كصحافيين عندما نكتب عن وضع ما أو عن حالة ما أو عن موضوع ما ونكشف عن بعض مواطن الخلل ونبرز السلبيات والعلل ونقول أنّ هذا الموضع يستدعي المراجعة واعادة النظر ويستدعي التصويب والتوضيح خدمة للناس وحرصا على تمتين علاقات التعامل بين جميع مكونات المجتمع أفرادا ومؤسسات وتنظيمات... عندما نفعل ذلك فلا يعني أننا نتجنّى على هذا أو ذاك أو نتجنّى على هذه المؤسسة أو تلك ولا يعني أيضا أننا ممّن بقلوبهم مرض أو ممّن يمكن أن تصحّ فيهم مقولة «يصطاد في الماء العكر». كلاّ وحاشى، فنحن لا نزايد على أحد ولا ندعي احتكار حب البلاد والعباد أكثر من أي مواطن من أي شريحة اجتماعية أخرى... جرّني إلى هذه المقدمة حديث عن التأمين على المرض دار بيني وبين صديق يعرف أنني واكبت أكثر من ندوة خاصة بالموضوع... قلت لصديقي بكلّ ما توفّر لدي من معلومات أنني كمتابع لتنفيذ قانون التأمين على المرض قد لامست ككل المتابعين حسنات ولامست سيئات... استحسنت مواضع واستهجنت أخرى.. تبيّنت ثغرات وتبيّنت اجتهادات... اقتنعت بخاصيات واستغربت من أخرى... نحن الآن نجتاز أخطر مراحل التحول في السياسة الصحية منذ الاستقلال والحقبة الزمنية الممتدة على طيلة أكثر من نصف قرن بمفهوم واحد للسياسة الصحية تضع أمامنا اشارات حمراء لا يمكن تجاوزها الاّ متى فهم الناس بصورة واضحة وشاملة وشفافة النظام الجديد للتأمين على المرض لأنّ المسألة بكلّ تبسيط تتعلّق بحق أساسي جدّا في المنظومة الشاملة لحقوق الانسان.. ذلك أنّ الدولة مطالبة برعاية هذا الحق وحمايته وأنّ الدولة مطالبة بتوفير العلاج لكلّ مواطن... المفهوم السائد هو أنّ نظام التأمين على المرض موجّه إلى الفئات المضمونة اجتماعيا لكن ماذا عن بقيّة الشرائح من عائلات معوزة وشباب عاطل عن العمل وذوي الاحتياجات الخاصة وحتى العمّال المسرحين؟ حسب محضر الاتفاق الممضى بين الأطراف المتدخلة في هذا النظام هناك اشارة الى أنّ الدولة تواصل التكفّل بهذه الشرائح... لكن بأي آليات وبأي قرارات وبأي وثائق.. تساؤلات أثارتها في نفسي حكاية صديقي شاءت الأقدار أن تتوعّك صحة ابنه البالغ من العمر 21 سنة والعاطل بحكم انقطاعه عن الدراسة والذي لم يعد مضمونا اجتماعيا مع أفراد عائلته حيث شُطب اسمه من دفتر العلاج العائلي... صديقي قال أخذت ابني المريض إلى طبيب عام بالحي الذي أقطنه، دفعت ثمن العيادة واشتريت له الدواء لكن الطبيب قال أنّه يحتاج إلى تحاليل وتشخيص من قبل طبيب مختص فقررت أن أذهب به إلى المستشفى العمومي لكن قبل ذلك فكرت في البطاقة التي يمكن أن اعتمدها في المستشفى العمومي.. ذهبت إلى جهات محلية مسؤولة فأجبت بكلام مبهم وغامض فهمت منه أن البطاقات المجانية غير متوفرة وقد تكون هناك نيّة لمراجعتها. وقفت حائرا ماذا أفعل وابني يتألم بين يديّ؟ هنا قاطعت حديثه وتساءلت معه عن اغفال هذا الجانب في اصلاح المنظومة ككل وكيف يمكن التساوي في العلاج بين جميع أفراد المجتمع وما تزال الضبابية والغموض والتخوفات قائمة بين مختلف شرائح المجتمع إذ لا يعقل أن نرى شبابا عاطلا لا هو مضمون اجتماعيا ولا عائلته قادرة على توفير العلاج له يتألم في قاعات الاستعجالي والمستشفيات وجوازه الوحيد للعلاج بطاقة هو فاقد لها أساسا. أنا أتمنّى في هذه المرحلة الحاسمة خاصة وقد جاء الحرص على تطبيق نظام التأمين على المرض في أفضل معانيه الاجتماعية من قبل سيادة الرئيس زين العابدين بن علي الذي أمر بتأجيل تطبيق الاختيار بين المنظومات إلى موفى شهر أفريل. أتمنّى أن تدرك أيضا الأطراف المسؤولة حاجة غير المضمونين الاجتماعيين من عاطلين ومعوزين وغيرهم إلى الآليات والوثائق الكفيلة بقبولهم في المستشفيات العمومية ومعالجتهم... وبذلك نكون قد أرسينا التحول المنشود في السياسة الصحية في البلاد بخطى ثابتة وعالجنا التباينات بين الأطراف المتدخلة حول بعض المفاهيم والآليات والحقوق والواجبات.