لأوّل مرّة منذ 15 سنة يحصل إجماع فئات المجتمع كافة من هيئات مهنية وجهات رسميّة وصحافة، المعارضة منها والموالية للسلطة والقريبة منها او المحسوبة عليها الى جانب الاجراء وعامّة الناس على أن أسعار المواد الاستهلاكية ارتفعت ارتفاعا شديدا أضعف المقدرة الشرائية للمواطن وأربك مقدرته الاستهلاكية فعجز عن قضاء حاجاته ومتطلباته الاساسية. إن غلاء المعيشة عمّ بلدان العالم ولم تختص به بلاد دون اخرى ويبدو ان السحر انقلب على الساحر فحرية السوق هذه واندماج الاقتصاديات المحلية وانخراطها في المنظومة العالمية لم تستفد منه شعوب العالم كما روج له غلاة الليبرالية بل ساهم في اتساع رقعة الفقر والبؤس وادخل انخراما في الحركة الاقتصادية العالمية بل وحدّ من تطوّرها ودفعها الى الكساد اضافة الى العجز المستمر للاجراء وعدم قدرتهم على الاستهلاك مقابل تركز رأس المال وسيطرة عدد قليل من الشركات العالمية على عمليات الانتاج وهو ما ادى الى اوضاع احتكارية ضعفت فيها المنافسة وادت الى مزيد تدهور الاجور وظروف العمل. ومختلف الانعكاسات التي افرزتها العولمة لا تدع مجالا للشك في ان هذه الاخيرة تشكل تهديدا صارخا للمكاسب الاجتماعية فأينما حلّت دمرت الاقتصاديات المحلية وقليلة هي الدول التي صمت وتصمد اليوم امام زحف رياحها العاتية فخارج الدول المصنعة القوية قليلة هي دول العالم النامي التي استطاع اقتصادها تحقيق مكاسب معتبرة مثل البلاد التونسية بتحصيلها على نسبة نمو تجاوزت 6وهي لعمري ثروة كبيرة في ظل اوضاع عالميّة لا تسمح بالنجاح والرفاه لغير الاقوياء. فبقدر ما يهزّنا الزهو والفخر بالنجاح والرقي يدفعنا الطمع في تحصيل منابنا من خيرات اقتصادنا ويحق لنا ان نحلم بغد افضل تزيد فيه «الشهريّة» وتتخلى عن عجزها وتقوى على مجابهة ذلك «الغول» الذي اسمه السوق فتقف في وجهه وتنتصر عليه وبذلك نطلق التداين الى الأبد.. إن غلاء الاسعار عمّ كل حاجياتنا ولم يعد يقتصر على شراء المسكن او السيارة بل تعداه الى الأكل واللباس والشرب والدواء... وعجز الدخل عن تغطية المصاريف اليومية فتآكل المقدرة الشرائية زاد اثقال كاهل العائلة بمساهمتها في كلفة الخدمات الاجتماعية وخاصة التعليم والصحة... ف 3.9 نسبة الزيادة في مؤشر الاسعار المسجلة في اعقاب العام المنقضي والتي اعلنتها المصادر الرسمية لا تعبّر بشكل صادق عن حقيقة هيكلة الاستهلاك، ومؤشر الاسعارهذا لم يتغير منذ قرابة ال 20 سنة وهو لا يأخذ في الاعتبار المواد الاستهلاكية الخدميّة الجديدة التي دخلت حياتنا اليوميّة مثل تكلفة الهاتف الجوّال وتكلفة تشغيله وكذلك السيارة الشعبية والحاسوب والانترنات وغيرها... ويبدو أن مؤشر الاسعار هذا يقيس اجور اليوم بأنماط الاستهلاك في الماضي وهذا يضعنا أمام مغالطة حقيقيّة نعتقد أنّه ينبغي اعادة النظر في مكوّنات السلة للمواطن التونسي فإلى جانب المواد الأساسيّة المتعارف عليها ينبغي إدراج مواد استهلاكيّة جديدة مثل الهاتف الجوّال والأنترنات سواء عند الشراء أو الشحن والحاسوب العائلي والسيارة الشعبيّة... فرغم الزيادات المتتالية للأجور عبر مفاوضات مضنية لسنين طوال فاقت ال 15 سنة يعجز الشهّار يومابعد يوم على الإيفاء بحاجياته مما جعل أصواتا كثيرة ترتفع لتطالب «بإيقاف زحف الاسعار» وعدم جدوى الزيادات في الأجور لان ذلك لا معنى له امام الزحف المريع للاسعار والذي تسبب في إتلاف الاجور وفي امتصاص الزيادات في ايام قليلة، فيبدو الأجر هزيلا أمام «غول الأسعار» مما أثر بدوره في الحركة الاقتصادية في البلاد ورفع نسب الركود... إن الاجور تتآكل منذ عشرات السنين ولم تنفعها الزيادات المتتاليّة كل 3 سنوات.. الاندماج في الدورة الاقتصادية العالمية جعل الاسعار تقترب من بعضها البعض في مختلف بلدان العالم لكن الفوارق في الاجور بقيت متباعدة بل هي في ازدياد وأن الاسعار بيننا وبين بلدان الاتحاد الاوروبي متقاربة وأحيانا هي أقل ارتفاعا مثلما هو الحال بالنسبة الى بعض أسعار المواد الغذائيّة كاللحوم الحمراء ولحم الدجاج والخضر والغلال والبيض والحليب والياغورت... أو أسعار الآلات الكهربائية والسيارات وغيرها.. فالأجر الأدنى المضمون لسنة 2007 لبلدان الاتحاد الاوروبي بما فيه من تفاوت بين البلدان الغنية وبلدان الكتلة الاشتراكية سابقا، بلدان فقيرة انضمت حديثا للاتحاد، يتجاوز الاجر الادنى الصناعي المضمون عندنا بكثير رغم تقارب أسعار المواد الاستهلاكية بيننا وبينهم: 1) الأجر الأدنى المضمون لسنة 2007 بالأورو (1) ثم بالدينار: بعد هذه المعطيات وهذه المقارنات في الأجر وفي الأسعار بيننا وبين بلدان الشمال التي تربطنا بها اتفاقية الشراكة... كم سيكون حجم الزيادات التي سيتم الاتفاق عليها في الرواتب خلال هذه الجولة الجديدة الرابعة من المفاوضات الاجتماعية 2008 / 2010؟ هذا هو السؤال المحوري الذي يردده الأجراء وهذا هو موضوع الساعة الأجراء اليوم يرفضون المسكنات ويطالبون بزيادات حقيقية تمكنهم من تعويض فعلي على تهرئة الشهرية ولم لا زيادات تلحقهم على الاقل بفقراء أوروبا ما دمنا نذهب الى نفس السوق ونحمل نفس السلّة ونمارس نمطا استهلاكيا مشابها لسكان الضفة الشمالية للبحر الابيض المتوسط..؟ بقلم مولدي القرّاوي عضو الاتحاد الجهوي للشغل بسيدي بوزيد (1) اعتمدنا 1 أورو = 1.800د وذلك دون التقيّد بالتقلبات اليوميّة للصرف (2) : ضبط هذه الاسعار تم بالتعاون مع مواطنينا في الخارج