إن كل زيادة في الأسعار تؤدي مباشرة الى انخفاض القدرة الشرائية للأجراء فعلى سبيل المثال : إذا كان ثمن الخبزة 240 مي فالقدرة الشرائية لدينار واحد هي 4 خبزات ،إذا أصبح ثمن الخبزة 280 مي فالقدرة الشرائية لدينار واحد هي 3 خبزات، كذلك كلما ارتفع مؤشر الأسعار تآكلت المقدرة الشرائية للأجر ووفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء فمؤشر الأسعار مرتبط بمدى تطور الأسعار وطبيعة العادات الاستهلاكية. لقد عرفت بلادنا منذ 1938 حوالي 8 مؤشرات الى يومنا هذا (2010) كلها ارتكزت على ميزانية واستهلاك السكان وحجم السلّة من السلع والخدمات (غذاء نقل سكن صحة لباس ثقافة وترفيه) . إن هذا المؤشر الذي اعتمده المعهد الوطني للإحصاء غير قادر على تحديد الأسعار بصفة صادقة لأنه يعتمد على نسب ترجيح لم تعد تواكبُ الواقع بسبب التحولات المتسارعة للعادات الاستهلاكية في تونس منذ سنة 2000 منذ عقد منها ما يلي : 1 استهلاك السلع الالكترونية والانترنات والبرمجيات والهوائيات والهواتف الجوالة والهواتف الناسخة ... 2 خدمات الصحة والتعليم والنقل أصبحت خاضعة لمنطق السوق والربح من خلال الخوصصة. 3 السلوك الاستهلاكي الجديد : اقتناء سيارات شعبية حاسوب عائلي قروض استهلاك شخصية. 4 استهلاك متواصل طوال السنة لمواد غذائية كانت في السابق موسمية (الغلال والخضر). فهذه السلع والخدمات أسعارها ترتفع بسرعة وحجمها يزداد وهو ما لم يأخذه بعين الاعتبار مؤشر الأسعار كما لم يراع التغير الذي طرأ على الأماكن التي يتسوق منها المستهلك كالمتاجر الكبرى (grandes surfaces) والمدن الثقافية وكان في السابق لا يتنقل لمستهلك إلا الى الحانوت (الدكان) أو السوق البلدي. وبناء على هذه المآخذ فإن تطور المقدرة الشرائية الذي يضبطه معهد الإحصاء غير موضوعي وغير واقعي أضف الى ذلك أن نصيب الشغالين من الثروة الوطنية يشهد نقصا متواصلا إذ وصلت نسبة الأجور الى 37 ٪ سنة 2003 بعد ما كانت 39 ٪ سنة 1983 رغم ازدياد نسبة الأجراء وتحسن نوعيتهم (متعلمون أصحاب شهادات وأصحاب مهارات). كما أن الزيادات المقررة لكل 3 سنوات منذ 1990 الى اليوم 2010 ما يقارب 8 جولات تفاوضية لم ترق الى المستوى الذي كانت عليه القدرة الشرائية في بداية الثمانينات وهذا واضح من خلال أصناف الأجور في قطاعات الإنتاج غير الفلاحي كالصناعات والخدمات إذا قسمنا كتلة الأجور على عدد الأجور نحصل على الأجر الحقيقي المتوسط أ. ح. م = كتلة الأجور / عدد الأجور = (2008 / (2009 ونلاحظ اعتمادا على الإحصاء والجداول التي أعدّها المعهد أن موشر الأجر الحقيقي في القطاع العمومي : شركات عمومية من مناجم وكهرباء وماء ونقل ومواصلات وبنوك وتأمين، رغم ملامحه الظاهرة للتوضيح فإن الأنشطة التي يسيطر عليها القطاع الخاص : مواد غذائية ، مواد بناء وخزف، صناعات ميكانيكية وكهربائية، صناعات نسيج، صناعات كيميائية تشهد تدهور المؤشر الأجر الحقيقي، وهو مرشح للتفاقم بسبب الخوصصة لمؤسسة القطاع العام وتعميم المناولة وحدّة المنافسة التي تؤدي الى الضغط على الأجور فتدهور المقدرة الشرائية وهذا يتناقض كليا مع الخطاب الرسمي الذي ما أنفك يؤكد الحرص على تحسين الأجر الأدنى خارج أطر المفاوضات والحال أن القدرة الشرائية لصنفي الأجر الأدنى الصناعي والفلاحي في تآكل مستمر من جراء التضخم المالي.