تمنّيت لو أنّ فريق القوافل الرياضية بفصة كان هو الطرف الثاني في مقابلة كأس تونس التي ستجرى عشية السبت. ولو تحققت الأمنية الأولى، لكنت تمنّيت أن يفوز فريق القوافل بالكأس. أكيد أنّ بعضكم ضحك من أمنياتي، خاصة وأنكم أعرف الناس بالفرق بين الأماني وبين الحقيقة، وليقبل منّي فريقا مقابلة النهائي هذا «الهبال» ويعذراني عليه، فإنّ لي في تلك الأمنيات مآرب معينة. ولأنّ الواقع حكم بأن تجري مقابلة الدور النهائي للكأس عشية هذا السبت بين فريقي (1) الترجي الرياضي التونسي والنجم الرياضي الساحلي، فإنّني أغتنم الفرصة لإبداء بعض الأفكار التي يمكن أن تجعل من هذه المقابلة الرياضية فرصة جديدة للتحابب بين التونسيين خاصة وأنّ ما يجمعهم أكبر من كثير ممّا قد يفرّقهم، وأكبر بكثير من نتيجة مقابلة عابرة يمكن أن تؤول لهذا الفريق أو لذاك. إنّ أوّل ما يجمع بين الفريقين، حضور رئيس الدولة لمقابلتهما، ليس فقط لأنّه رئيس كل التونسيين، وليس فقط لأنّه رئيس الدولة، ومن واجبه أو مهامه حضور مثل هذه المقابلة ولكن لأنّ للرئيس بن علي بالذات علاقة خاصة بالفريقين يعلمها الخاص والعام، ولاشك أنّه من بين قلائل التونسيين، بل لعلّه التونسي الوحيد الذي يقف في الوسط تماما بين الفريقين، ولاشك أنّّه أحرص الناس أن يكون الكاسب من بين الفريقين، ذلك الذي يلعب أفضل وأحسن. يجمع بين الفريقين تاريخ طويل ومجيد بدأ في العشرينات من الفرق الماضي عندما اقتنع تونسيون وطنيون، متحمسون مخلصون ان مستقبل تونس إنّما يبنيه شبابها، وأنّ هذا الشباب هو وحده القادر على تحريرها من ربقة الاستعمار، وان الفرق الرياضية هي أفضل فضاءات يمكن من خلالها استقطاب الشباب واستيعابه وتربيته على حبّ الوطن من خلال حبّ الفرق الرياضية التي يجب تأسيسها. لذلك ظهر الترجي التونسي والنادي الافريقي والأولمبي الكافي وجندوبة الرياضية والنجم الساحلي والنادي التونسي (الصفاقسي) والنادي البنزرتي وغيرها ممّا لا أذكر تحديدا. ولأنّ الذاكرة خانتني حقيقة وأنا بصدد تحرير هذه المقالة آخر الليل، فإنني لم استحضر في أي مرجع قرأت أو في أيّ محاضرة أو رواية عن دور الرياضة في الحركة الوطنية سمعت أنّ بعض الأشخاص الذين أسسوا الترجي، ساهموا بطريقة مباشرة (للبعض) وغير مباشرة (للبعض الآخر) في تأسيس الافريقي والنجم وبقيّة الجمعيات التي تأسست بين 1920 و1930 وهي عشرية شهدت أيضا وبالخصوص تأسيس الحزب الحر الدستوري التونسي على يد الزعيم الشاب زمنها عبد العزيز الثعالبي وتأسيس جامعة عموم العملة التونسية على يد الزعيم الشاب زمنها محمد علي الحامي وتأسيس حركة الشباب التونسي على يد الزعيم الشاب زمنها علي باش حامبة، اضافة الى عدّة جمعيات ثقافية. حيث كان هدف المؤسسين الاحاطة، بالشباب سياسيا، فكريا، نقابيا، ورياضيا، وتوفير فرص اللقاء، ظاهرا لإجراء المقابلات ولكن في الواقع لعقد الاجتماعات وتمرير تعليمات النضال وتحركات مقاومة الاستعمار في جميع مظاهره، ولم ينقل لنا التاريخ اي حديث عن مشاحنات او اعتداءات او احداث حصلت بين مشجعي فرق البطولة انذاك وحتى سنة 1955 ومنها الترجي والنجم والافريقي والصفاقسي وحمام الانف وغيرها...
يجمع بين الترجي والنجم انهما في صدارة الفرق التي تؤمن الاحاطة بعدد غير قليل من شباب اليوم في عدة رياضات وانهما يوفران للمنتخبات الوطنية اكبر عدد ممكن من اللاعبين، كما يجمع بينهما انهما سيلتقيان في مقابلات اخرى كثيرة جدا سواء في البطولة او الكأس او المسابقات العربية والافريقية. ولأن الامر كذلك، وتأكيدا لجوّ الوئام الذي اصبح سائدا بينهما لا سيما بعد المصالحات الكثيرة التي حصلت هنا وهناك، فانني اقترح بعض «الحركات» التي من شأنها ابعاد التوتر والتشنج عن جماهير الفريقين ولاعبيهما ومسؤوليهما ومنها: تقدم لاعبي الفريقين الى جماهير الملعب وعند الخروج من حجرة الملابس مجتمعين، الكل يدا في يد، والوقوف مختلطين لتحية الجماهير (لاعب من الترجي ثم لاعب من النجم ثم من الترجي ثم من النجم وهكذا الى اخر لاعب). التقاط صورة تذكارية مشتركة بنفس الاسلوب خاصة وان الاغلبية الساحقة من لاعبي الفريقين يلتقون في المنتخب الوطني. جلوس (أو وقوف) السيدين حمدي المؤدب ومعز ادريس جنبا الى جنب في مكان بارز وواضح من الملعب بحيث يراهم الجميع وذلك على الاقل الى الدقائق الاولى من انطلاق المقابلة، ولقاؤهما عقب المقابلة ليهنئ الفائز زميله، على ان يتم ذلك بنفس الوضوح. تولي لاعبي الفريق الفائز، وقبل التفرغ للاحتفال بانتصارهم، التسليم على زملائهم من الفريق المنافس وتوديعهم بمثل ما وقع الاستقبال، واعتذار البعض للبعض واصلاح ذات البين اذا حصل خلاف اثناء اللعب. الاتفاق منذ البداية على تبادل القمصان، على ان يتم ذلك بكامل الوضوح والبروز امام الجماهير. انتباه لجان الاحباء ومسؤولي الفريقين الى ضرورة إزالة اي لافتة او صورة من شأنها الاساءة للطرف الاخر ومقاطعة والغاء اي عبارات نابية واستفزازية. تنبيه اللاعبين الى واجب التحفظ واللباقة والكياسة عند الادلاء بالتصريحات وتبجيل العبارات الداعية الى التحابب والتآخي واحترام المنافس. إلزام اللاعبين بالاعتدال المفرط والتصرف المهذب الى أبعد الحدود عند التعبير عن الفرحة بتسجيل الاهداف ودعوتهم الى تفادي النقاش مع الحكم كتفادي الشجار مع اللاعبين المنافسين. دعوة الزملاء الصحافيين الى التزام اقصى حدود الحياد بين الفريقين واقصى حدود الموضوعية عند تحرير المقالات الخاصة بهذه المقابلة وغيرها من المقابلات. دعوة الاصدقاء المخرجين ومصوري القنوات التلفزية الى تركيز لقطاتهم وخاصة اطالتها المجسمة لمظاهر التحابب والتوادد والانسجام بين مسؤولي الفريقين والمدربين واللاعبين وكل اللقطات التي تدعم صفاء العلاقات بين جماهير الفريقين على غرار بقية الاطراف. استبعاد اي اطراف اخرى يمكن ان تستغل المقابلة للاساءة الى هذا الطرف او ذاك من خلال لافتة او صورة او عبارة او استفزاز لسبب او لآخر.
كنت قد تعرضت الى مثل هذه الاقتراحات في مناسبات أخرى وقد شجعني على العودة إليها برنامج الرابعة الذي خصصه الزميل عادل بوهلال على قناة حنبعل للحديث عن الجهويات والتعصب في كرة القدم قبل اسبوعين. والحقيقة ان ردود الفعل التي لمستها لدى جمهور النقابيين زادت فشجعتني مع الاخوة محمد الطرابلسي ورضا بوزريبة الامينين العامين المساعدين للاتحاد والمنجي عبد الرحيم الكاتب العام لجامعة المهن والخدمات على مشاهدة الاعادة للتمعن في بعض الاقتراحات الصادرة عن بعض الضيوف الذين شاركوا في ذلك البرنامج وهنا نقصد بالاساس السيد سليم شيبوب رئيس الترجي سابقا والزميل الالمعي برهان بسيّس. فلقد استرعت انتباهنا بشكل خاص ملاحظة اثارها السيد سليم شيبوب في باب الحلول المقترحة للحيلولة دون استفحال العنف في الملاعب، وهي المتمثلة في انتداب حراس يتولون السهر على سلامة المتفرجين والحيلولة دون اي اشتباك بينهم وضمان سلامة الجميع كسلامة المعدات والوسائل. الاخ المنجي عبد الرحيم كان الاكثر انتباها الى الملاحظة والاكثر ترحيبا بها بما ان مثل هذا النوع من الحراس على غرار حراس المؤسسات هم من منظوري جامعته. ولان الشيء بالشيء يذكر، فقد استحضر الاخ المنجي من خلال علاقاته مع النقابات الفرنسية، مثال حراس ملعب ساندوني الفرنسي الشهير حيث تكفلت هذه النقابات بالموضوع فتولت تأسيس تعاضديات عمالية خاصة عملت على انتداب مثل هؤلاء الحراس وتكوينهم وتكليفهم عند الحاجة بالسهر على سلامة المتفرجين والملعب ومعداته. الفكرة نجحت وأدت الى نتائج طيبة للغاية (من خلال تقارير عديدة توفرت لنا في الايام الاخيرة) مما جعلنا جميعا نعلق الامل على ظهور مثل هذه التعاضديات في بلادنا، حيث يتوقع ان تنجح التجربة في الاحاطة بالمتفرجين وتأمين سلامتهم ولكن ايضا في توفير فرص عمل كثيرة لعدد كبير من الشغالين، سواء منهم المسرّحين من العمل او المطرودين او المنقطعين او لطالبي الشغل لاول مرة وذهب الاخ المنجي في آماله بعيدا حيث توقع مثلا ان انتداب حملة شهادات لشغل مثل هذا العمل من شأنه ان يساعد على تهذيب الشعارات التي يتغنى بها المتفرجون بالنظر إلى ارتفاع مستواهم التعليمي، كما اقترح ان تكون الهياكل المشغلة تعاضديات يستوي فيها المنخرطون فيؤدّون افضل الخدمات بأجور قانونية محترمة تحفظ لهم كرامتهم وحقوقهم وذلك عملا بمقولة جديدة اصبحت رائجة في قطاع الخدمات وهي القائمة على قبول اعلى عرض (Le mieux - disant) وليس اقل عرض (Le moins - disant) مثلما جرت العادة حتى الآن.