أم «السعد» امرأة ثمانينيّة اليوم تتنهد وهي تذكر أيّام الشباب وتقول «الصُغر بياية» بمعنى أنّ فترة الشباب والصغر هي أزهى الفترات حتى أنّها تشبه حكم الباي، تقول الحاجة أم السعد أنّها عندما كانت شابة حديثة عهد بالزواج كان شهر رمضان قد واتته مواسم كثيرة تتصادف مع فصل الصيف وكان للحاجة أبناء رُضّع في ذاك الوقت وكانت تقوم بإرضاعهم وهي صائمة وكانت ترحي القمح كل يوم من أجل دقيق الخبز أو طبخ الكسكسي، فكانت تجمع حطَبَها وتوقد تنورها وتعجن وتعرك خبزها ثمّ تخبزه في وقتِ قريب من زمن الافطار حتى يكون طازجًا ويكون في نفس الوقت العشاء يطبخ على موقد طيني ثانٍ، لم نكن نطبخ أكثر من طبق تقول الحاجة أم السعد. كنّا نأكل الخضر طازجة وليست سلاطة، كنّا نضع إناء به فلفلا وطماطما وبصلا ونأكل ما نشتهي منها مع خبز وزيت أو نأكل الكسكسي بالدجاج العربي ثمّ نحلّي بدلاعة نضعها طيلة ما بعد الظهر في ساقية البئر حتى تبرد، كما كنّا نشرب لبنًا طريّا نأتي به من عند الجيران أصحاب البقرات، ويكون السهر مع كأس الشاي الثقيل الذي تُعدّ له العدّة قبل الاذان ويكون قد بدأ طهيه حتى يكون جاهزا للشرب مع آخر يد من الأكل. لم يكن هناك تلفاز في ذاك الزمان بل كنّا نتحلّق حول جهاز راديو قديم كان مفخرة العائلة القادمة من «برّ الشام» أو كنّا نقضي الوقت في السمر والحديث وكنتُ امّا أغزلُ الصوف على مصطبة عالية أو أستمع لحكايات حَمَايَ الشيقة.. لقد كانت الأيّام جميلة ولكن اليوم ماعادش صحّة.