التقيناه صباح يوم صيام، كان نشيطا رغم سنواته السبعين يتحرك باستمرار ويقوم بشؤون كثيرة دفعة واحدة: يسقي اعشاب الحديقة ويشذب شجيرات الورد ثم يرتب أدواته في غرفة الزوائد في الاقامة انه «عمّ علي» الحارس الذي لا يكاد يهدأ عن النشاط فهو الذي يصلح كل ما تفسده يد العابثين وهو الذي يبلّط المأوى ويدهن الجدران ويستجيب لكل طلبات المتساكنين بسرور والابتسامة لا تفارقه سألته عن رمضان زمان وعن الصيام في الصيف فأجابني باسما كعادته: «كان بُكلُّوا برْكة رمضان زمان يابنيتي» سنة 1973 كان رمضان قد صادف شهر جويلية في عزّ أوسو «وكنتُ أعمل في ليبيا ورغم صعوبة حياة العامل المهاجر إلاّ ان البرّ كان سائدا ولم نكن نتفطن للجوع ولا للعطش فقد كنا في عزّ الشباب وعندما كنتُ أعود الى العائلة في تونس كانت سعادة رمضان تكتمل فلم تكن توجد ثلاجات كهربائية في بيوتنا لذلك كان الاكل طازجا دائما ويطبخ كل يوم. كانت الحلالم بيتيّة وتكون جاهزة قبل الاذان بفترة حتى تبرد وكنا نأكل الخير والبركة من الكسكسي الدياري وكسكسي القمح فقد كان الماء زُلالا نشربه من القلّة او الزير التي نغلّفها بأكياس مبلولة لتحفظ البرودة ونسعى الى ان يكون الماء من البئر رغم الحنفيات كان الخبز في الغالب يصنع في البيت كل يوم وكان للبن في مقفول الطين طعما عجيبا كنا نقصد البراري المجاورة لجهة قصر السعيد في سنوات منتصف السبعينيات فنقطف ثمار التين الشوكي (الهندي) لنأكلها بعد الافطار مع البسيسة، وكانت ثمار الدلاّع شهيّة.. لم تكن التلفزات قد غزت البيوت لذلك كنا نجلس للسمر مع العائلة والاقارب وقد نستمع لبعض الروايات في الراديو ونحن نأكل من مخارق باجة بالعسل.... كان السحور مسفوفا بالزبدة العربي مع كاس رايب،،، إنّ لرمضان زمان طعما خاصا في ذاكرتي لم تمحه رمضانات هذه السنوات... ربما كان ذاك طعم الشباب والسعادة وربما ان الدنيا تغيّرت فعلا.