عاجل/ جامعة صفاقس تتحصّل على الاعتماد في دراسات الطب    عاجل/ إجتماع أوروبي في بروكسيل يناقش تعليق التجارة وفرض عقوبات على اسرائيل    السينما التونسية بين الماضي والحاضر: موضوع لقاء ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي    كاس افريقيا للاندية الفائزة بالكؤوس لكرة اليد: الترجي الرياضي يفوز على وداد سمارة المغربي 34-26 ويتاهل الى المربع الذهبي    تعيين خبراء لتدقيق التقرير المالي للنادي الإفريقي    القيروان: أسعار أضاحي العيد بين 700 و1200 دينار    السينما التونسية تحصد أربع جوائز في اختتام الدورة التاسعة لمهرجان العودة السينمائي الدولي    نابل تحتضن الدورة الثانية من الملتقى العربي للنص المعاصر تحت شعار " المجاز الأخير: الشعر تمرين على الوجود"    جمعية الصحة العالمية تعتمد بجينيف اتفاقية الوقاية من الجوائح الصحية والتأهب والاستجابة لها وتونس تصوت لصالحها    حيّ هلال: حجز 310 صفائح 'زطلة' و100 غرام كوكايين لدى زوجيْن    كأس افريقيا للأندية الفائزة بالكاس للسيدات: تأهل الجمعية النسائية بالساحل الى الدور نصف النهائي    من الهند إلى تونس: عيد الألوان يغسل الحزن بالفرح    عاجل/ بريطانيا تستدعي سفيرة اسرائيل لديها وتتّخذ هذا الإجراء    سعر الأضاحي يصل 1400 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    كرة اليد: مكتب جديد للرابطة النسائية برئاسة محمد علي الزياني    اتهام ابنتي نور الشريف بالاستيلاء على مليون جنيه    تونس: صابة قياسية في الفستق    في قضية رجل الأعمال يوسف الميموني: تمديد الإيقاف التحفظي بمحام    توننداكس يزيد ب10،25 بالمائة نهاية الثلاثي الأوّل من 2025    عاجل/ نتنياهو يهاجم هؤولاء الرؤساء..وهذا هو السبب..    بالفيديو تعرف على المشهد الذي أبكى عادل إمام وتفاصيله    تشامبرز: لن نعترف بأي قرارات جديدة من هيئة دخيل قبل استشارة فريق عملي    خلال ندوة رفيعة المستوى بجنيف.. تونس تبرز تجربتها في المشاركة المجتمعية في السياسات الصحّية    مشروع تنظيم صالون البناء في مصراتة بتنظيم مشترك بين غرفة التجارة بصفاقس ونظيرتها الليبية.    10 سنوات سجنا لمروج كوكايين بحي النصر والمنازه    كأس تونس لكرة القدم : تعيينات مباراتي الدور نصف النهائي    وزير الصحة يؤكد استعداد تونس لتكون منصة إقليمية لتصنيع اللقاحات والأدوية    هذا موعد عودة درجات الحرارة الى المعدلات العادية..    أمطار أفريل: الشمال والوسط يُسجّلان معدلات قياسية    في عيد الأم: 6 هدايا بسيطة... بقلوب كبيرة!    جريمة قتل مروعة/ فصل رأسه عن جسده: شاب ينهي حياة والده شيخ 95 سنة..!    مصر: سقوط طائرة عسكرية ومقتل طاقمها    نقابة التاكسي الفردي: نسبة نجاح الإضراب تجاوزت 95% وتعليق مؤقت في انتظار نتائج التفاوض    ساحة باردو: تحويل جزئي لحركة المرور ودعوة مستعملي الطريق إلى الحذر    في هذه الولاية..وفرة في الأضاحي وأسعار أقل ب150 دينار مقارنة بالسنة الماضية    انطلاق عملية التسجيل وإعادة التسجيل في رياض الأطفال البلدية التابعة لبلدية تونس للسنة التربوية 2026-2025    بشرى سارة: انخفاض أسعار الأضاحي بهذه الولاية..    طرابلس: العثور على 58 جثة مجهولة الهوية في مستشفى    إطلاق خط جوي جديد دبلن – النفيضة    اليوم في الجلسة العامّة: البرلمان يحسم في تنظيم العقود ومنع المناولة    السجن ثم السفارة: المصادقة على تعيين أب صهر ترامب سفيرًا بفرنسا وموناكو...مالقصة؟    تقلبات جوية منتظرة بداية من هذا التاريخ    رئيس الجمهورية: الثورة التشريعية لا يمكن أن تتحقق الا بثورة في إدارة المرافق العمومية    طقس اليوم: ظهور خلايا رعدية محلية مرفوقة بأمطار    طهران: تونس تدعو دول منظمة التعاون الاسلامي إلى إقامة شراكة متضامنة ومستدامة في مجال البحث العلمي    النائب رؤوف الفقيري: السجن لكل من يُمعن في التشغيل الهش... ومشروع القانون يقطع مع عقود المناولة نهائيًا    غياب الترشحات لرئاسة وعضوية الهيئة المديرة للنادي الصفاقسي    نابولي وإنتر دون مدربيهما في الجولة الختامية من الكاتشيو    الجزائر تتهم فرنسا بخرق اتفاق الجوازات الدبلوماسية    صفاقس: افتتاح وحدة حديثة لتصفية الدم بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر    خلال الحفل السنوي بفرنسا...تتويج تونسي في مهرجان «كان» السينمائي    المهدية... في اختتام شهر التراث.. «الجبة» واللّباس «المهدوي» في قائمة «اليونسكو»    موعد رصد هلال ذي الحجة    هذا موعد رصد هلال شهر ذي الحجة..#خبر_عاجل    الخطوط التونسيّة تؤمن 44 رحلة لنقل 5500 حاج خلال موسم الحج    رصد هلال ذو الحجة 1446 ه: الرؤية ممكنة مساء هذا التاريخ    لا تُضحِّ بها! هذه العيوب تُبطل أضحيتك    من تجب عليه الأضحية؟ تعرّف على الشروط التي تحدّد ذلك    









وداعا جورج.. وداعا أيّها المناضل
نشر في الشعب يوم 04 - 10 - 2008

أعتقد أنّ يوم الأحد 28 سبتمبر 2008 كان يوما حزينا في حياة المناضلين النقابيين والديمقراطيين في تونس وربّما كلّ الأحرار في الدنيا كلّها دونما أيّة مبالغة. ففي هذا اليوم توفي جورج عدّة الذي أحبّه كلّ من أحبّ العدل.. والحرية.. والإنسان.. فبرغم سنّه المتقدمة (92 سنة) وأمراضه العديدة التي كان يصارعها في صمت لم يكن أحد ممّن عرفه وأحبّه واحترمه يفكّر في موته وفقدانه إلى الأبد فكأنّنا كنّا نتمنّى له «الخلود».. لكن هيهات فالموت حقيقة والخلود المعنوي كذلك.
احترمه وأحبّه كلّ من عرفه وقرب منه، وأحببته شخصيا بل اعتبرته مثلي الأعلى لدرجة الالتزام المدهشة التي كان يتحلّى بها. التزام بالمبادئ الانسانية وقيم التقدم والحرية والعدالة، يتعامل مع كلّ من آمن بها وناضل من أجل نشرها وتكريسها في الواقع وبهذه الصفة كان مترفعا عن الصراعات الضيّقة والظرفية. ومنخرطا في كلّ التحركات التي يجد فيها دفاعا وسعيا ولو ضعيفا إلى تحقيق مكاسب ديمقراطية وتقدمية وكان يقولي لي «إنّ التاريخ يبنى لبنة، لبنة وكلّ جيل يؤدي دوره في ذلك..» ومن هنا كان شديد التفاؤل بمقت اليأس والاحباط لما فيهما من خمول وعدول عن النضال.
عرفته عن كثب سنة 1993 عندما جاء للاتحاد العام التونسي للشغل مؤكدا وجوب ايلاء المشاكل المرتبطة بالضمان الاجتماعي أهمية كبرى، منبّها بصفة مبكرة للاشكاليات والمخاطر التي نعيشها اليوم. ولم يكن حرصه واصراره هذا بالقول فقط بل بمئات المقالات التي كتبها وكان يصرّ على ترجمتها ونشرها بجريدة «الشعب» وكذلك من خلال مختلف الندوات التي حضرها وقدم فيها مداخلات بأسلوب جذّاب جلب إليه احترام ومحبّة النقابيين والعمّال.
هؤلاء كانوا ينادونه باسمه الصغير «جورج» لأنّه كان يرفض صفة الأستاذ أو الخبير بل يعتز فقط بصفة المناضل، وعندما أقعده المرض عن المشاركة في الندوات كان الجميع يسألون عنه وعن صحّته وكنت أبلغه بذلك فيبتهج ويسألني عن كلّ صغيرة وكبيرة وعن ردود الفعل على مقالاته وعمّا يقوم به الاتحاد دفاعا عن مصالح العمّال.
لقد كان يطالع جريدة «الشعب» رغم الصعوبة التي يلقاها في فهم اللغة العربيّة وكانت له دائما مواقف نقدية عن الشكل والمحتوى ويقترح المواضيع وطريقة معالجتها وأسلوبها الذي يجب أن يكون سهلا ومفهوما لدى العمّال ولا أدّل عن ذلك من مقالاته السنوية حول تدهور المقدرة الشرائية للسميار والمطالبة بتداركه تحقيقا للعدل والانصاف وتنشيطا للتجارة الداخلية التي هي بأمسّ الحاجة إلى الزيادة في أجور العمّال.
عرفته أيضا من خلال موضوعيته في الدفاع عن حقوق الشغالين وعن البلاد والديمقراطية فكان حرّا في تفكيره ملتزما بمواقفه ومؤمنا بالحوار، لكنّه كان «متطرّفا» في الدفاع عن الحقّ وهي صفة كنت أطلقها عليه عندما يتحدّث عن القضية الفلسطينية فقد كان يعتبر أنّ قيام دولة اسرائيل هو استعمار واغتصاب لأرض فلسطينية عربيّة كان يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود وكان شديد الايمان بأنّ كلّ استعمار يجب أن يزول وسوف يزول الاستعمار الصهيوني لأرض فلسطين وعندما أقول له إنّ هذا الموقف «طوباوي» ومثالي غير قابل للتحقيق في الواقع كان يستشهد بمثال الاستعمار في جنوب افريقيا ونظام الميز العنصري الذي تواصل 370 سنة وفي الأخير انهار وعاد الحقّ إلى أصحابه. لقد كانت معاداته للصهيونية نشيطة وعمليّة من خلال انخراطه الفاعل في تأسيس حركة عالمية مناهضة للاستعمار الصهيوني وادعائه الباطل في «حقّ العودة» وهي حركة تضمّ مفكرين ومؤرخين وشخصيات عالمية شهيرة.
هذا بعض ممّا عرفته في جورج عدّة، لكن هل يكفي هذا البعض وهذه الأسطر لايفاء هذا المناضل الفذّ حقّه، طبعا لا لأنّ مسيرته والتزامه وصدقه وحريّة تفكيره يجب أن تبرز وتقدم كمثال لأجيالنا لعلّها تستفيد منه في حياتها.
قال أبو الطيب المتنبي:
إذا كانت النفوس كبارا.. تعبت في مرادها الأجسام.
هكذا كنت يا جورج كبيرا في نضجك وحكمتك وعقلك لكن جسمك لم يتبع، كان يذوب شيئا فشيئا وهذه سنّة الحياة والوجود المادي للانسان. فالموت حقيقة مرّة لكن موتك فاجعة.. وداعا جورج عدّة وداعا أيّها المناضل كما أحببت دائما أن نناديك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.