تم بيع 35 بالمائة من رأسمال «اتصالات تونس» لشركة تيكوم ديغ الاجنبية رغم المعارضة التي ابداها الطرف النقابي والذي بنى رفضه على عديد الاعتبارات من اهمها ان قطاع الاتصالات هو قطاع استراتيجي له صلة وثيقة بأمن البلاد وسيادة الوطن كما انه قطاع مربح جدا يمول خزينة الدولة وينعش الاقتصاد الوطني. الكفاءات الوطنية هي القادرة على تحقيق التطور الفعلي وليس الشكلي لقد تبين بوضوح ان استيراد القوالب التكنولوجية والهيكلية الجاهزة من الغرب ومحاولة إلباسها لمؤسساتنا بكل الطرق هو نهج خاطئ يشكل خطرا متعاظما على البنية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا. فالتطور الحقيقي هو الذي ينبع من خصوصيات الواقع الملموس لكل مؤسساتنا الوطنية، وهذا التطور لا يتحقق الا عند الوقوف على النقائص لتجاوزها وحصر الايجابيات لدعمها وتعميقها. ولن يقدر على تحقيق ذلك الا ابن تونس الذي يغار على مؤسسته ووطنه والذي يعرف تفاصيل العناصر المؤثرة في تطور المؤسسة. فجيش المهندسين والعلماء التونسيين يملكون من المعارف ما يخول لهم تحقيق معجزات في مجال النهوض بمؤسساتنا الوطنية شريطة ان يتم توفير الظروف والعوامل الملائمة لهم. غير ان الذي حصل هو غير ذلك. فتجسيدا لمخططات الشريك الاستراتيجي عملت ادارة المؤسسة على تكبيل أيادي وعقول الاطار التونسي الذي تربى داخل المؤسسة وخنق كل مبادراته. وعمدت الى انتداب مجموعة من الاطر العليا التي تشبعت بالمفاهيم ومناهج العمل الغربية وتمرست على تنفيذ البرامج المعدة لتحقيق اهداف الشريك الاستراتيجي التي لا تلتقي مع اهدافنا الوطنية الا في عنصر الربح فقط. وحيث ان الاطارات التونسية هي في منظور شريكنا الاجنبي ليست سوى مشروع مسرحين او مطرودين فلا يحق لهم التمتع بأي دعم او تشجيع. اما الاطر العليا المستوردون والذين تم انتدابهم حديثا فانهم يتمتعون بأجور تفوق قيمة أجور ابناء المؤسسة من نفس الرتبة بعشر مرات او اكثر!! (تتراوح قيمتها بين 14 و 30 الف دينار شهريا) وهذا ما ادى الى انتفاخ كتلة الاجور من 125 مليون دينار سنة 2006 الى 152 مليون دينار سنة 2007 علما بأن المؤسسة لم تنتدب خلال هذه المدة سوى هؤلاء المسؤولين الجدد. ان مؤسسة اتصالات تونس تسلك سياستين في كل المجالات حتى في مستوى التأجير. التفويت في خدمات اتصالات تونس تخريب لمؤسسة استراتيجية ان الذي يثير القلق والاستياء هو انه رغم اتضاح سلبيات ومخاطر هذا التوجه الا ان بعض الاطراف ما زالت مصرة على التمسك به. فقد ورد في احد المواقع الاقتصادية على شبكة الانترنيت ان اتصالات تونس تعتزم اخراج الخدمات الاتصالية من الوكالات التجارية وتسليمها للخواص في اطار مشاريع اطلقت عليها اسما بالانليزية «TT shop» وفاء للمصدر الذي استمدت منه هذا النموذج وسيكون هذا الدكان بمثابة وكالة تجارية مصغرة تقوم بكل العمليات بما فيها خلاص فاتورات استهلاك الهاتف وبيع بطاقات الهاتف الجوال والقار. فعوضا عن ايلاء عناية اكثر بالوكالات التجارية وطاقاتها البشرية حتى توصل الارتقاء بخدماتها الى ما يرضي الجميع يتم التنقيب عن وسائل مبتدعة لسحب البساط من الوكالات التجارية التي شكلت بزادها البشري العمود الفقري للنشاط التجاري للمؤسسة والتي أسهمت بشكل كبير في القفزة النوعية التي تحققت قبل بيع جزء من رأسمال المؤسسة. ومن جهة اخرى عمدت ادارة «اتصالات تونس» الى اتباع اشكال قروسطية في التشغيل تفوح منها رائحة العبودية. فقد قامت بقبول مطالب مجموعة من المتحصلين على شهادة عليا للقيام بتربص للاعداد للحياة المهنية وتشغيلهم في مراكز النداء مكان الاعوان المرسمين الذين تمت دعوتهم للخروج في اجازات اجبارية. لقد توخى المسؤول على مراكز النداء هذه الطريقة لتحقيق ثلاثة اهداف: أولا تجنب القوانين الشغلية التي تمنح العون حقوقا «تحرم» الادارة من استغلاله بشكل فاحش. ثانيا العمل على التخلص من الاعوان القارين الذين أفنوا حياتهم من اجل تطوير مؤسستهم وذلك نظرا لكونهم اصبحوا بمثابة الآلة المعطبة التي يجب التخلص منها في اقرب الآجال. ثالثا تهيئة ارضية مراكز النداء لعرضها للبيع للأجانب. وقد وقعت محاولات لبيع هذه المراكز منذ سنتين ثم وقع تأجيل هذه المسألة. هكذا اذن تجر عقلية الشريك الاجنبي مؤسساتنا الوطنية الى السقوط في مزالق خطيرة تمس أبسط الحقوق الانسانية. هل حان وقت تأميم اتصالات تونس لقد نبهنا في مقالات سابقة من هذا النهج لاستعبادي الذي لا يتوانى في التعدي على أبسط الحقوق الانسانية من اجل تحقيق الربح. والجميع يعلم ان هذه القيم اللاانسانية ليست وليدة اجتهادات بعض الافراد او المسؤولين في الشركات الوطنية بل هي امتداد لنهج العولمة التي روجت له الدوائر المالية العالمية التي تشرف عليها الولاياتالمتحدةالامريكية. فقد شهد هذا النظام الرأسمالي العالمي هذه الايام نتيجة قيمه الجشعة المهينة للذات الانسانية أخطر ازمة منذ ازمة 1929، اذ مني المراهنون على القطاع الخاص في اكبر الدول الرأسمالية الغربية بخسائر فادحة اجبرتهم على تأميم بعض الشركات لتجنيبها الكارثة. بينما بقيت البلدان المعتمدة على القطاع العام في منأى عن اي تأثيرات من هذه الازمة العالمية، فهل تنسج الدولة التونسية على منوال العديد من الدول التي سارعت بتأميم القطاعات الاستراتيجية والحيوية تفاديا لتبعات الازمة العالمية وتقوم بتأميم «اتصالات تونس»؟ الاتحاد العام التونسي للشغل مستعد لمد اليد لكل من يعمل على صيانة المكتسبات والثروات الوطنية ويؤكد ان الدفاع عن الوطن من مصاصي الدماء العالميين هو الكفيل بضمان نهضة البلاد ورخاء كل جماهير الشعب. الكاتب العام للنقابة الاساسية