لأنّني لم أر كما رأى الناس ويرون، فقد فوجئت أنّ نوعا من الصمم أصابني بحيث لم أعد أسمع ما يقال حولي وما يتردّد أمامي سواء بين الناس أو على أمواج الأثير المسموع والمرئي وحتى المنقول في الهاتف أحيانا كثيرة. والذي فوجئت به من بعد أنّ آلاما شديدة حلّت بي على مستوى، فكأنّ طبّالا «يرزم» داخله دون انقطاع. سألت طبيبتي عن الأمر. قالت: لست صغيرًا لنقول أنّ أزمة حصلت لك نتيجة تلك الصور الفظيعة التي يبثها التلفاز عن مجازر غزّة الصامدة. قلت: لا يمكن، لسبب بسيط وهو أنّني لم أر. قالت: لست مسؤولا سياسيا هاله ما رأى وما عرف فاستيقظ ضميره وطفق يفكّر فيما يجب عمله، فأوشك رأسه على الانفجار. قلت: ماذا فعلت بنفسي في هذا الباب. قالت: هل يدق قلبك بسرعة في بعض الأحيان؟ قلت: بل إنّه يتباطئ في الكثير منها. قالت: إذن تنام مدّة ساعات طويلة في اليوم؟ قلت: بالعكس. قالت: أين وجعك بالضبط؟ قلت: في رأسي. قالت: صفه لي. قلت: وجع وكفى قالت: قليل أم كثير؟ قلت: برشه قالت: جديد أم قديم؟ قلت: قالت: لأوّل مرّة أم سبق لك أن تألمت منه؟ قلت: قالت: هل أصبت في الشهر الأخير بأيّ ألم؟ قلت: قالت: هل غيّرت عاداتك في الشهر الأخير؟ قلت: ماذا تقصدين؟ قالت: كنت تنام، أصبحت لا تنام، كنت تأكل، أصبحت لا تأكل، كنت تقرأ، أصبحت لا تقرأ، كنت تلبس حذاء، أصبحت تلبس قبقابا... هذا معناه تغيير عادات قلت: قالت: هل تفهمني قلت: قالت: شيئا من الجدية من فضلك! قلت: قالت: ألا تعرف جوابا آخر غير هذا؟ قلت: قالت: بربّي فك عليّ، عندي ما نعمل. قلت: آش قلت؟ ثمّ نهضت من مكانها وغادرت الغرفة.