شاهدت حصّة تلفزية في إحدى الفضائيات العربية كان الشاعر الفلسطيني سميح القاسم ضيفا عليها وقبل أن يجيب عن أسئلة المقدم استأذنه سميح القاسم في أن يتقدّم بنداء لكل المشاهدين العرب وكان له ذلك حيث طلب الشاعر الفلسطيني الكبير من كل العرب رؤساء ومرؤوسين بأنّه من حقهم أن يفرحوا ويلعبوا ويقيموا الأعراس والمسرات كما يشاؤون لكن بشيء من الخجل، فرجاء بشيء من الخجل ثمّ أعطى السبب لماذا طلب من الجميع أن يعتري أفراحهم شيء من الخجل قال لأنّنا نعيش فترة ضعف وتخلف وإذلال ومهانة ولأنّنا مسلوبي الإرادة والقرار حتى فوق أراضينا ومع بعضنا البعض، لقد قال سميح القاسم هذا الكلام أيّاما معدودات قبل أن يجتاح الصهاينة بآلياتهم المدمرة قطاع غزة وكأنّه بحكم تواجده وتجاربه مع المعتدين استشف بحكم تجربته هذه الوضعية وكذلك هذه المواقف الرسمية العربية المتواضعة جدّا والمخجلة لحد الآن والتي كان من المنتظر أن تكون في مستوى المأمول من طرف الشعوب العربية العريضة التي كان من المفروض أن تكون فرصة للتلاحم والتجاوب بين الشعوب وحكامها الذين كان بإمكانهم اعمال ذكائهم ودهاء مستشاريهم لإستغلال مثل هذه المناسبات القومية التي يمتزج فيها الإنتماء للأمة بروابط الدم والدين هذه العوامل هي البقية الباقية من ثوابت تواصل الشعوب العربية ببعضها البعض بقطع النظر عن فشل الرسميين في التقارب في كل الميادين السياسية والاقتصادية والتجارية وحتى التعليمية وتواصل تباعدهم حتى في مثل هذه القضايا القومية باعتبارنا جميعا من العرب ومن الانسانية باعتبارنا جميعا من جنس البشر وقد أكد ذلك الإمام كلي كرم اللّّه وجهه عندما بعث برسالة لأحد عمّاله في الوطن العربي وهو يوصيه خيرا بالرعية ماذا قال له؟ إنّهم اخوان لك في الدين فإن لم يكونوا كذلك فنظراء لك في الانسانية وأعتقد أنّ أهل غزة جمعوا بين الأمرين لكن وبكل أسف أنكر عنهم الرسميون هذا وذاك. والغريب في الأمر أنّ جانب التعاطف والمواساة جاء من خارج هذه الأمة جاء من مسلم تركي الأصل مازال يعترف لهذه الأمة بواجب الإنتماء الديني رغم أنّ بلاده تعتمد المنهج العلماني في دستورها في حين أنّ كل الحكام العرب وخاصة دول الجوار لفلسطين تراجعوا إلى الوراء تحت الضغط الصهيوني والأمريكي تحت عديد التأويلات وحملوا بصريح العبارة الضحية مسؤولية ما يأتيه الجلاد من مجازر وحشية واعتداءات لم يشهد لها التاريخ مثيلا في الفضاعة واحداث الخراب والقتل والجوع والتشريد بطريقة فيها الكثير من الجنون والحقد المبرّر له من ذوي القربى قبل الغرب أمام كل هذه الفظاعات التي اهتز لها كل العالم بما في ذلك جانب كبير من اليهود أنفسهم تقدّم رئيس الوزراء التركي بمبادرة لحل هذه الأزمة العربية الاسرائيلية رغم ما تنطوي عليه هذه المبادرة من نوايا طيبة لكنّها جاءت هي أيضا مخجلة جدّا لأنّّه من غير المقبول أن يتوسط التركي لدى دول عربية تعتبر نفسها في مقدمة المدافعين عن القومية والعروبة والاسلام وأنّها حجر الزاوية في هذا الجانب اذا ما تعلّق الأمر به داخل الوطن العربي أو بأحد أطرافه القطرية أو الإقليمية لقد قام هذا الرجل بجولته الماكوكية حول دول الشرق الأوسط والدول المؤثرة في الموضوع منتظرا منهم الدعم وأخذ الأمور بأكثر جدية وبكل روح مسؤولة تأخذ في الحسبان الجانب الانساني قبل حتى الجانب العرقي أو الديني والإنتماء الإقليمي ولم يكتف عند هذا الحد بل تحمّل مسؤولياته كاملة حتى يضع مبادرته في وضعيتها الصحيحة والتامة في المشهد العالمي والاسلامي للقضية وحتى لا تبقى هذه المبادرة مبتورة ويبرهن للعالم وللعرب أجمعين بأنّ المبادرات لابد أن نذهب بها إلى النهاية ولابد أن نقيم بها الحجة للجميع وعلى الجميع ولقد أراد الرجل أن يعطي مثالا صادقا للديمقراطية وعدم الانحياز وأنّ الوساطات لها قواعدها وطرقها وهو في اعتقادي لم يراع الأطراف المتنازعة أو الأطراف الخارجية الدولية بل هو يأخذ في الحسبان نظرة حكومته وكذلك شعبه له في نهاية المطاف وهذا هو الأهم وأعتقد أيضا بأنّ السيد رئيس الوزراء التركي أراد أن يعطينا درسا في الديمقراطية واحترام المسؤولين لشعوبهم من خلال مواقفهم سواء من القضايا الداخلية أو الخارجية. لقد ذهب السيد أوردوان إلى ماهو محرم عند العرب ألا وهو الحديث عن حماس ومع حماس في هذه الظروف التي لابد للمتكلّم أن يقرأ ألف حساب للنطق بأي كلمة يمكن أن تحسب عليه مستقبلا وهو سلوك أصبح شائعا لدى الجميع عندنا نحن العرب، لقد أعطى هذا الرجل للمقاومة حقّها في التشاور باعتبارها طرفا مباشرا في القضية لا يمكن تجاوزه أو إغفاله تحت أي مبرّر من المبررات التي يتستّر ورائها غيره بل انّه ذهب الى ماهو أبعد من ذلك فلقد حمّل صراحة اسرائيل ورئيس وزرائها المسؤولية كاملة فيما حدث ويحدث في غزة ولقد أقام الحجة على الجميع بأنّه تدخل لدى الصهاينة لتقريب وجهات النظر مع حركة المقاومة الفلسطينية لإيجاد أرضية تفاهم لكنّهم رفضوا ولقد كان أجرأ بكثير من العرب حيث صرّح بأنّه سوف يحمل أراء ومواقف بل شروط المقاومة الفلسطينية لمجلس الأمن. إن مثل هذه الجرأة التي يفتقدها غيره لا يمكن أن تتوفّر له ما إذا لم تكن بلده تمثّل ثقلا إقليميا ودوليا يقرأ له ألف حساب على مستوى العالم بأسره والشواهد كثيرة على ذلك، وهنا سؤال يطرح نفسه ما الذي جعل هذا التركي المسلم يتطوّع للوساطة في مثل هذا الأمر وفي هذا التوقيت بالذات؟ في حين أنّ المتشدقون من دول الطوق بالتزامهم بالقضية الفلسطينية يمتلكون من أوراق الضغط ما لا يتوفّر عنده في بلده وهم كثر جدّا لما يكون الأمر للمفاخرة أمّا في ساعة الجد ففلسطين لها رب يحميها!!! والجواب هنا هو أنّ السيد أوردوان يعرف جيدا أنّ المعادلة غير مستقيمة بين الطرفين العربي والاسرائيلي وأنّ أهالي غزة سوف يدفعون الفاتورة وحدهم وأنّ جانب الظلم المشرع من العرب للغاصب بأن يسحق حركة المقاومة غير المرغوب فيها من الأمريكان والصهاينة وخاصة الرئيس الأمريكي الذي يريد أن يسجّل ولو نصرا واحدا ووحيدا على المقاومة حيث ما كانت وبعض العرب الأوفياء لأولياء نعمتهم لا يريدونه أن يخرج بخفي حنين من الدورتين الرئاسيتين، لكن المقاومة وأنصار المقاومة أخرجوه بخفي «منتظر» من العراق وسوف يخرج الصهاينة وأذنابهم أيضا بخفي حنين من غزة وإنّي أعتقد جازما بأنّ رئيس الوزراء التركي أصيب بخيبة أمل في كل المقابلات التي أجراها مع الحكام والملوك العرب التي مرّ بهم في طريقه ويكفيه بلسما لجراحه أنّه التقى مع رموز المقاومة الفلسطينية، وهنا تأتي مقولة سميح القاسم رجاء شيئا من الخجل أمام الأجساد الممزقة بالصواريخ الصهيونية، شيئا من الخجل أمام البيوت والجوامع والمعاهد والكليات المهدمة بالقنابل الصهيونية، شيئا من الخجل أمام الأطباء الأجانب الواقفون عند باب معبر رفح للدخول لمد يد المساعدة الانسانية للأطفال المصابين قبل الكبار والأخ العربي يمنعهم من ذلك بدعوى الخوف عن سلامتهم، شيئا من الخجل أمام طوابير الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والأدوية أمام معبر رفح والأهل بالداخل يتضورون جوعا ويئنون ألما، شيئا من الخجل أمام هذه الشعوب المستفزة مشاعرها لهول ما جرى ويجري ويشاهدون، شيئا من الخجل أمام شيوخ ونساء غزة وهم يستصرخون أهاليهم في كل دول الجوار ولا من مجيب شيئا من الخجل حينما يجيبهم التركي قبل العربي لكن أيضا شيئا من الخجل عندما تنتصر المقاومة وينتكس الصهاينة ومناصريهم وأتباعهم وكما انتصرت المقاومة في جنوب لبنان سوف تنتصر حتما في قطاع غزة وسوف يخجل المتواطؤون.