عميد المحامين يوجه هذه الرسالة إلى وزارة العدل..    مجلس نواب الشعب يشارك في المؤتمر الخامس لرابطة برلمانيون من اجل القدس    الرابطة الأولى.. النتائج الكاملة للجولة 8 "بلاي آوت" والترتيب    انتخابات جامعة كرة القدم: إسقاط قائمة واصف جليل وإعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    طقس الليلة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    الشركات الأهلية : الإنطلاق في تكوين لجان جهوية    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    تخص الحديقة الأثرية بروما وقصر الجم.. إمضاء اتفاقية توأمة بين وزارتي الثقافة التونسية و الايطالية    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد مشعل ل»الشروق»: معركة غزة و الضفّة مصيرية...و أغلب الدول تساندنا
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005


أجرى الحوار: عبد الرؤوف المقدمي
على الساعة العاشرة إلا ربع صباحا رنّ هاتف غرفتي بالفندق وأتى صوت رقيق قال: أنا من طرف الأستاذ!
قلت لمخاطبي، سأكون في قاعة الاستقبال بعد دقائق قليلة، لكنه أجاب: العفو، العفو أنا مكلّف أن أصعد الغرفة. فتحت الباب، فإذا بوجه فيه الكثير من الملائكية وعليه مسحة من خجل متأصل وعلى عجل قال: امنحني كل ما ستحمله معك إلى حيث ستذهب، كلّ شيء آلة التسجيل، حقيبة اليد، الساعة.. وسأعيد الاتصال معك بعد ساعة.
مرّت أكثر من ساعة بقليل وعاد صاحب الصوت، لتتوجه بنا السيارة إلى مكان ما، بعد أن لفت ودارت بشوارع ومناطق كثيرة تعمّدت بدافع ذاتي صرف أن لا أعرف عنها شيئا.
وصلنا المكان الموعود الذي لن أصف منه أو عنه شيئا. سرت في القلب رهبة ما، وطمأنينة ما. وبين الاستراحة التي لم أكن أعرف كم ستدوم، كانت أقصى أمانيّ قهوة شرقية بلا سكّر، وسيجارة.
أتت القهوة، ومنعت السيجارة بلطف كبير.
طال وقت الانتظار. أو هكذا أحسست وعندما بدأت النّفس تتململ من ملل بدأ بدوره يزداد. فتح الباب فجأة، وبان خيال الأستاذ بين رجلين للحماية. إنه خالد مشعل زعيم حركة «حماس» وأول رأس مطلوب في اسرائيل، وواحد من المتهمين بالارهاب. قال بودّ خالص: المعذرة عن كلّ هذه الاجراءات الأمنية. قلت بل لعلّي فرحت لها كلّها رغم قلق الانتظار.
جلس الرجل الوسيم وظهرت من داخله وداعة، وداخل أفكار متضاربة عند بدايات اللقاء تذكرت سنة 1997، وقد كنت في عاصمة الأردن عمان عندما تعرض لتلك المحاولة الشهيرة لاغتياله من طرف عميل للموساد دخل الأردن بجواز سفر كندي، ورشّه بمادة كادت تقضي عليه. ولقد مثل ذلك العمل الأخرق بداية تصفية اسرائيل لقادة حركة «حماس» وعلى رأسها رئيس المكتب السياسي خالد مشعل الذي أصبح بعد غياب الشيخ ياسين زعيمها. وكان من الطبيعي أن يتفهّم الواحد الاجراءات الأمنية حوله، فخلال الأشهر القليلة الأخيرة وصلت اليد الاسرائيلية إلى اسماعيل أبو شنب وإلى الشيخ ياسين وإلى عبد العزيز الرنتيسي. كما تمّ مؤخرا اكتشاف مؤامرة كبيرة لاغتياله هو وبعض قادة آخرين لتنظيمات شرق أوسطية.
قال بعد حديث عن غزّة والاجراءات الأمنية الجديدة فيها (وقد نشر جوابه في «الشروق» إبانها) وذلك جوابا على سؤال قلت له فيه: طيب على افتراض أن شارون قرر الانسحاب من غزة بكل الشروط الفلسطينية، واضح أنه سوف ينقل ثقل معركته للضفة الغربية، في هذه الحالة كيف ستتصرف المقاومة، فالضفة معقدة أكثر من غزّة، ومن يرى الخريطة يلاحظ أنها كلّها مستوطنات مما يشير إلى استحالة حلّ ومما يشير إلى تعقيدات كبيرة أمام المقاومة في هذه الحالة كيف ستتصرفون؟ كيف سيتصرف العقل السياسي الفلسطيني؟ هل لديكم على الأقل قراءة استراتيجية أولية لما يمكن أن يتمّ؟
أجاب: شوف أخي لابدّ أن نطمئن القارئ التونسي العزيز، ان الشعب الفلسطيني شعب ناضج وطنيا لديه احساس عال جدا بالوطنية ولذلك هو قادر أن يسوس نفسه وأن يدير شأنه الداخلي إدارة ديمقراطية وطنية بأعلى درجات المسؤولية فإذا انسحب العدوّ من غزة على العرب أن لا يقلقوا وأن يطمئنوا على المستقبل الفلسطيني الذي سنديره بمسؤولية ووطنية وبعيدا عن الاقتتال الداخلي.
قلت: هذا نثق فيه تماما أنا أحكي عن معركة الضفة الغربية؟
قال: أنا فاهم، فاهم أحببت أن أبدأ بهذا أولا، أما في ما يخص الضفة فأنا مدرك أن شارون يريد تحييد غزة، حتى يتفرغ لمعركة الضفة. ولأن الضفة هي قلب الصراع، قلب المعركة، وهي كما تراها في الخارطة عبارة عن تجويف داخل الكيان الصهيوني لذلك ينظر لها العدوّ كعمق استراتيجي له. كما ينظر لها نظرة دينية باعتبارها هي «القدس» وأرض الميعاد. ولذلك المعركة ستكون شرسة ومن هنا الضفة زرعها العدوّ بمئات المستوطنات وهو في تصوراته يتحدث عن ضمّ الكتل الاستيطانية الكبرى سواء كتلة شمال الضفة: قلقيلية وطول كرم وجنين، أو الكتلة التي عند القدس والأخرى عند الخليل وغور الأردن.
هذه الكتل الكبرى هو يريد ضمها وجعلها وراء الجدار وهذا يقتطع عمليا 58 من الضفة الغربية. وهو بهذا يكون عمليا شكل عائقا أمام المقاومة، ودون تشكل كيان فلسطيني. هو يريد أن يقسّم الأرض في شكل كنتونات غير قابلة للتواصل وحتى مع الحاح أمريكا أنه لابد من درجة من درجات التواصل لتسمح لها بالحياة ستكون أيضا في شكل لا يعطيها حيوية للأرض المتصلة التي تصلح لكيان أو لدولة فلسطينية، ولأنه ليس مقتنعا بقيام دولة حقيقية أجبر العدو على الاعتراف بشكل ما لكيان قد يعطيها كما كان حزب العمل يفعل أحيانا اسم الدولة ولكنها في مضمونها على الأرض هي حكم ذاتي. وهذه خديعتهم. دولة منزوعة السيادة ومقطّعة الأوصال وممنوعة حتى من الاطلالة على العالم الخارجي. حتى في غزة هم عمليا يرفضون المطار والميناء. عليك عمليا كفلسطيني أن تكون في سجن كبير يخلصّه من أزمته الأمنية. فضلا عن أنه في قطاع غزة. كل المصالح الحيوية للناس مرتبطة بالكيان الصهيوني، شبكات الماء، الكهرباء، الهاتف فضلا عن الحياة اليومية. حقيقة هناك كذبة كبرى في مسألة الانسحاب منها. لذلك نحن نرى ان هذا كلّه لن يتحقق إلا إذا ما أنتزع انتزاعا بالمقاومة. عدوّنا إن ترك له الخيار لن يعطينا شيئا سيعطينا الفتات لخديعتنا ولخديعة العالم حتى لا يبدو أنه متعمّد. هذا لن يكون أي شيء حقيقي نعطى إياه إلا بالمقاومة. ودائما قوى الاحتلال في كل الدنيا وفي التاريخ لم تكن تتراجع إلا تحت المقاومة.
وواصل قائلا: لعلّي استرسلت ولكن في موضوع الضفة ومسألة المقاومة أنا مدرك أننا أمام مسرح معقد جدا أنت في سجن كبير، الأوصال مقطعة، والعدوّ يقوم بحرب استنزاف منذ بداية الانتفاضة وخاصة بعد اجتياح الضفة 2002، هو منذ ذلك التاريخ يستبيح كل شيء في الضفة الغربية، يدخل المدن، القرى، المخيمات دون حسيب. وهو بموازين المعركة متفوّق، ولذلك هو يستنزف المقاومة ولا يعطيها فرصة لالتقاط الأنفاس كلما خرج من مخيّم يعود لاستنزافنا خصوصا في ظل عدم وجود دعم عربي حقيقي. المقاتل في الداخل يقاتل بالصخر، بأصعب الظروف لأنه لا يجد دعما أو حدودا مفتوحة أو سندا. إذن ظروف المعركة قاسية جدا، ومع ذلك المقاومة وطّنت نفسها أنه لا خيار أمامها إلا الصمود. صحيح في ظروف صعبة لكن هذا قدرنا، ليس أمامنا بديل ولعلّ أحد أسباب هذا الاصرار الفلسطيني على الصمود رغم قسوة الظروف واختلال موازين القوى هو هذا. كلّ البدائل الأخرى جرّبت التسوية بكل أشكالها جرّبت، بكل عناوينها، الوعود الأمريكية والدولية جرّبت، حتى المشاريع العربية لم تنجح. لذلك لا خيار إلا الصمود، فنحن شعب عربي مسلم أصيل لا نتخلى عن أرضنا ومقدساتنا وحقوقنا، وهذه الأصالة تدفعنا للنضال بشجاعة وبكبرياء مهما كانت النتائج. وهناك عامل وهو أن شدّة العدوان تدفعك للتحدي وليس إلى الاستسلام. عندما ترى ابنك يستشهد رضيعك يقتل بيتك يهدم أرضك تجرف (العدوّ اقتلع أكثر من مليون شجرة) عندما ترى هذا القتل والتدمير والتخريب، تتحدى ولا تستسلم.
يواصل أيضا: المعركة في الضفة صعبة وتنتظرنا أيام صعبة، لكن شعبنا في مستوى التحدي إن ساعده العرب وهذا ما نرجو، سننتصر، ولكن ان تخلى عنا العالم، فلن نستسلم، لأننا مقتولون في كل الأحوال. إن استكان الشعب لا سمح اللّه سيقتل وإن صمد سيقتل لكن وهو صامد، هذا هو خيارنا.
قلت: سألقي عليك الآن سؤالا، لكن بألم...
ضحك وقال: قله.
قلت: وكأن الأرض ضاقت عليكم بما رحبت، ورغم أنكم صامدون فإن هذا يخيف لأن المعركة القادمة ستكون أشدّ، ولأن المشروع الصهيوني سيمتحن عمليا وربما نهائيا في الضفة، وهذا ما يخيف أكثر. فالرقعة الجغرافية القادمة للنضال صغيرة جدا، وضدّ نظام أمني عسكري رهيب وبلا أدنى أخلاق بل وحاقد. ألم يقتل خلال مدة قليلة وثلاثة قادة من «حماس»؟
قال: لكلّ أجل كتاب، واللّه وحده يختار لأي عبد متى يموت ومتى يحيى. لا شك ان ما قلته أخي الكريم صحيح. فاستشهاد القادة مؤلم. ولكن ولئن أصابتنا آلام مبرحة في قلوبنا وفي نفوسنا، وهي بلا شكّ خسارة من حيث جهدهم ومكانتهم، وتأثيرهم المعنوي فهم الذخيرة، لكن تلك مشيئة اللّه، القادة ذخيرة، وطاقة ضد الاحتلال، فأن يرحل الشيخ ياسين والدكتور الرنتيسي وأبو شنب وقبلهم آخرون فهذا قدرنا. الحرية لها ضريبة تحرير الأوطان له ضريبة، كل الشعوب العربية والاسلامية قدمت خيرة طاقتها ومع ذلك انتصرت.
بالمعنى المادي وبالنظرة القريبة لا شك أن رحيل القادة خسارة ولكن بالمعنى المعنوي والاستراتيجي استشهاد هؤلاء هو وقود للمعركة وتسريع لانجاز المشروع الوطني. هذا يزيد الشعوب حماسة. والشعوب المؤمنة لا يكسرها رحيل القادة. ونحن شعب مؤمن وتعوّد على العطاء والايمان باللّه وبعدالة قضيتنا ولدينا احساس مفعم بالعزة والكرامة وبالشرف أننا ندافع عن أرضنا المباركة المقدسة وان اللّه اختارنا للدفاع عن أرض الاسراء والمعراج وعن قلب الأمة فلسطين، وان اللّه اختارنا لمواجهة الخطر الصهيوني الذي هو خطر على العالم كلّه وليس على العرب والمسلمين فقط. هي صحيح معركة صعبة لكن الرجال هم الذين يعدّون لمثل هذه المفاصل التاريخية كما قال الشاعر:
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جرّ الذيول
التاريخ لا يذكر إلا المحطات الصعبة، المحطات الكبيرة وان كانت مؤلمة وجراحها نازفة وثمنها باهظ. الأمر الآخر، نحن لدينا ثقة بأن التاريخ متحول ومتغير، الأمور لا تبقى على حالها، حالة الضعف لا تدوم كما ان حالة القوة لأي كيان لا تدوم. الأمم بين صعود وهبوط بين بناء وانحلال، حتى الحضارة العربية الاسلامية بلغت الأوج والذروة ثم حصل لها انحدار، بريطانيا كانت امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، الاتحاد السوفياتي إنهار وأمريكا ليست خارجة عن هذه السنة، الكيان الصهيوني يعيش حالة من التفوق في المنطقة لا شك وهو مدعوم من أمريكا، ومع ذلك هذه حالة لا تدوم فلا يجوز أن نحكم على قضية كبيرة بحجم فلسطين بموازين اللحظة الراهنة إنما بسياق كامل، ودائما هناك قانون لم يحرّف كل شعب طلب حريته نال ذلك. قد يطول الأمر، قد يصعب. لكن لابدّ من نهاية الصليبيون جلسوا في أرضنا 200 عام وفي القدس 90 سنة وأخرجوا منها.
لذلك أكرر: رحيل القادة كان تفجيرا للثورة وليس وأدا لها. لازلنا نذكر الشيخ عزالدين القسام وهو بالمناسبة سوري وليس فلسطينيا ولكنه اكتسب رمزية عالية في النضال الفلسطيني واستشهاده عام 1935 أعطى قوّة ضخمة بدأت بثورة 36، وغيره كثير وكثير. وهذا ما سيكون عليه حال الشيخ ياسين. فأنا أطمئن كل العرب والمسلمين وحتى أحرار العالم ألا يخافوا ولا يحزنوا. والمستقبل لنا والمقاومة لديها قدرة عالية على الصمود.
وأنا أريد أن ألفت النظر إلى شيء هام، وهو أن المقاومة الشعبية وحرب العصابات دائما لها قانون ولها مظهر عام، هذا المظهر أحيانا إذا لم يحسن الانسان قراءته يقع في خطإ، ليس هناك ايقاع ثابت للمقاومة الشعبية أو لحرب العصابات، ليس هناك مسار ثابت، هناك حالة موجيّة هكذا أسميها شخصيا، صعود وهبوط، مدّ وجزر، قمم وعكسها.. لذلك حرب العصابات كرّ وفرّ. لذلك تأتي لحظات قد يحكم عليها الانسان (لحظة التراجع) حكما ليس صحيحا. أنا أقول لا، حالتنا متكررة وعادية.
قلت له: أستاذ خالد كلّ ما تقوله هام وصحيح، عندما قتل الشيخ ياسين كان كلّ من يفهم الأمور بعقله يعرف أن ردّكم لن يكون كما يتصوّره العامة، كنّا نعرف أنه لن يأتي ردّ بسرعة وبشكل مدوّ. فالمسألة ليست مسألة ثأر رغم عمق الجرح.
قال: نعم، نعم.
واصلت: كنا نعرف أن اسرائيل كانت مستنفرة كلها حتى قبل عملية القتل لكن نحن نطرح للدرس أمرين: أولا خطاب سياسي إعلامي عربي صادر للأسف عن أناس وقحين جدا نراهم على الفضائيات يقيمون الدنيا ولا يقعدونها ضدّ المقاومة ويطالبون بالتخلّص من كلّ مقاوم لكي تتحرّر فلسطين. هذا أولا أما ثانيا فقد بدأنا نشعر أن «حماس» أصبحت تمثل عبئا ما على النظام العربي وهذا مفهوم لأنه نظام يتعرض لضغوطات قوية خارجية تربط بين المقاومة والارهاب. داخل هذه المعادلات، مع معادلة اعتقاد الرأي العام في الغرب بأن عملكم هو الارهاب، وهو ما وضعكم حتى على اللائحة الأوروبية للمنظمات الارهابية داخل هذا كلّه. كيف ستتصرفون.
أجاب: شوف أخي، أولا أي حركة وجودها ومشروعية وجودها لا تنبع من الآخر البعيد عنها، بل من الأرض التي أنبتتها، وحتى تكون مقبولا ومحترما عند الآخرين ينبغي أن تكون مقبولا في تربتك المحلية، أن تكون ابن أرضك وبيئتك ووطنك. لذلك هذا البعد واضح لدينا، جذورنا عميقة في الشعب الفلسطيني وهذا ما يعرفه كلّ العالم. هذا أولا، النقطة الثانية أنا أدرك أن العدو الصهيوني يدفع أطرافا اقليمية ودولية لمحاصرتنا ولوصمنا بصفة الارهاب وأدرك أن أمريكا تحاول الخلط بين المقاومة والارهاب، وهي تلاحقنا استجابة للموقف الصهيوني والسياسة الخارجية الأمريكية كما تعرفون مركّبة على السياسة الاسرائيلية. فهذا يشكل لا شك عائقا أمام المقاومة وأمام الحركة، بل ويشكل علينا شبه إعلان حرب. ويدفع بعض الأطراف الأوروبية والعربية إلى التماهي مع الموقف الأمريكي وأخذ سياسات هي أشبه بالنفاق إما خضوعا أو جبنا. ولذلك أوروبا وضعتنا على قائمة الارهاب، بعض العرب تسمعون تصريحاتهم غير المتوازنة. نعلم ان هذه حالة معيقة للمقاومة وتشكل تحديا. ومع ذلك أقول لك ظاهر الصورة لا يعكس حقيقة الصورة. كيف؟ العرب رغم اضطرارهم لمجاملة الموقف الأمريكي فإنهم لا يعلنون علينا حربا. لدينا علاقات جيدة مع معظم الدول العربية والاسلامية، والعرب في قرارة أنفسهم يدركون ماذا نمثّل بل ومعجبون بأداء المقاومة. هذا لا يعني أن هناك أطرافا أخرى لها مواقف سيئة من المقاومة وحركة حماس. لكنها أطراف محدودة.
قلت: وقد يكون لأن المقاومة نظرا للظروف الحالية تمثل خط دفاع حتى على النظام العربي؟
قال: بالضبط، والعاقل يدرك ذلك. وأن انكسار المقاومة سيضعف الموقف العربي. لذلك الأغلبية يحترموننا ويؤيدوننا ولو بالسرّ. أما على المستوى الأوروبي فرغم وضع «حماس» على قائمة الارهاب فإن حماس تتواصل مع الدول الأوروبية ولدينا اتصالات معهم لقناعتهم أننا لسنا حركة ارهابية إنما هو الضغط الأمريكي والابتزاز الصهيوني. هم يدركون أننا حركة وطنية نقاتل الاحتلال ونحصر صراعنا داخل فلسطين وليس خارجها، وهم أيضا يدركون أنه لا يمكن صنع سلام واستقرار في المنطقة بدون موافقة المقاومة، وهم جرّبوا فرض اتفاقات على الأرض لكنها فشلت لأنهم يعلمون ان قوى المقاومة ترفض هذه المشاريع.
نحن نعلم صعوبة هذا الزمن، فيه ابتزاز صهيوني، تغوّل أمريكي، ولكن نحن لا نأبه لهذا وسنمضي في مسيرتنا والعالم في النهاية سيعترف بنا كما اعترف بمانديلا بعد 27 سنة سجنا الذي عاد زعيما بل ورئيسا لدولة الكيان العنصري.
قلت: هل أفهم من ذلك أنكم ستواصلون العمل المقاوم بنفس الاشكال القديمة؟
فهم الأستاذ حقيقة السؤال بالضبط، وقال: المشكلة ليست في الجانب الشكلي، «حماس» لديها ثوابت، رفض الاحتلال وحق مقاومته، التمسك بالحقوق وبالوحدة الوطنية الفلسطينية الارتباط بالعمق العربي والاسلامي. هذه هي مبادئنا نمارسها بأشكال مختلفة تتطور مع الزمن.
قلت: قال الرئيس بوش أخيرا انه يعتبر المقاومة العراقية مشروعة بشرط أن يكون الذي يقاوم يرمي بالرصاص ولا يفجّر نفسه! فالأول مناضل والثاني ارهابي. ما رأيك في هذه «التخريجة»؟
أجاب: لا بوش ولا غيره يصنع لنا القيم، ولا يشكل لنا القناعات الغرب يكيل بمكيالين، يعطي لنفسه حقوقا لا يعطيها لغيره الأوروبيون قاتلوا النازية بكل أنواع القتال بما في ذلك ما يسمونه بالعمليات الانتحارية، اليابانيون كان الغرب ينظر لهم باعجاب رغم العداوة القائمة بينهما. الشعب الأمريكي خاض حرب استقلال قبل قرون ضد بريطانيا. فلماذا لا نفعل نحن ذلك. ما نقتنع به، نتمسّك به وغدا عندما نصل إلى أهدافنا ستصبح هذه القيم هي السائدة. ثم انه من السخرية أن عدونا يحتلنا ويحتل أرضنا ويشردنا ويقتلنا بكل الأدوات، ثم هو يريد أن يتحكم في الشكل المسموح لنا أن نقاومه به. هل هذا يعقل؟ لا خيار أمامنا في شكل مقاومتنا إلا المتاح أمامنا، الشعوب تقاتل بإمكاناتها. فليتوفر لنا سلاح اسرائيل عند ذلك سنغيّر الشكل. سنقاتلهم بالدبابات والطائرات ولن نضطرّ إلى تفجير أنفسنا.
إن هذا يعكس حقيقة وحالة القلق لدى المعتدين، لأن الشعوب الضعيفة تجاوزت ضعفها وتغلّبت على اختلال ميزان القوى من خلال سلاح مفاجئ، هذا شيء يرعبهم.
قلت: لقد لاحظنا بعد اغتيال 11 عسكريا اسرائيليا بسلاح دكّ دبّابتهم، ان ردّة فعل شارون كانت أجنّ وأشرس من أي عملية يموت فيه مستوطنون.
قال: نعم، نعم عملية حيّ الزيتون. وشارون يحتجّ بالمدنيين ليؤلّب علينا العالم ويصمنا بالارهاب، ولكن في العقيدة الصهيونية غير مسموح مقاتلة أي اسرائيلي سواء الجندي او ما يسمى بالمدني انما هي فقط ألاعيب شارون وغيره من قادة الكيان الصهيوني. أمريكا ايضا أدانت حتى عملية قتل الجنود الذين تحدثت عنهم ثم جنود شارون كان موتهم بالنسبة له اهانة كبرى للجيش الذي لا يقهر واهانة صادرة عن شباب صغار سن هو يخشى على معنويات جنوده ولذلك قامت فيه حالة رعب حقيقية. ومرة أخرى أكرر نفسنا طويل ولدينا قدرة لخوض معركة طويلة وعدوّنا لا يقدر على ذلك، لقد تعوّد على الانتصار في حروب سريعة خاطفة، لقد هزم الدول العربية في أيام ولم يستطع ذلك مع شعبنا وهوالاعزل وها هو منذ سنوات عاجز عن هزم الانتفاضة، ونحن لا نطلب من العرب تدخلا لوقف الانتفاضة بل لدعمنا ماديا وسياسيا واعلاميا هذا هو المطلوب ولا نقول لهم تعالوا لممارسة أدوار أمنية ووقف نضالنا.
قلت : نختم الآن بآخر سؤال وأرجو أن لا أكون أطلت، ماذا عن الحوار الوطني؟
قال : بيننا كفلسطينيين لا تجوز الا لغة الحوار والحوار فقط، ليست لغة الاحتراب والصراع هذا التزامنا. قد نختلف سياسيا لكن ليس عسكريا. الآن هناك حوارات دائمة في الداخل والخارج حتى نصل لصورة حقيقية ولتوافق سياسي يشترك فيه الجميع ونطرحه على العالم حتى لا يتحجج أحد بأننا على اختلاف.
يعني نطمئن أنه لن يكون هناك اقتتال فلسطيني فلسطيني.
قال جازما : لن يكون هذا أبدا وإذا ما وُجد من بيننا من يستحلّ الدم الفلسطيني لتحقيق أغراضه أو لزعامته فهذا منبوذ لا يمثل الحالة العامة السائدة لدى الشعب الفلسطيني ولن يجد أي نجاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.