لم يكن الجمهور بحاجة لأكثر ممّا شاهدهُ وتابعه ليلة السبت 24 جانفي 2009 بدار الثقافة ابن رشيق... لم يكن بحاجة لغير تلك الهامات التي تسامقت فوق الركح ابداعا والتزاما ووعيّا... لم يكن بحاجة لأكثر من تعانق فورة الشباب بحكمة الكبار في انسجام وتكامل لأداء الدور الحقيقي لكل طاقة ابداع تحركت وتكلمت ورقصت وغنّت ولم تستكن للصمت أو الخوف او الارتباك... لم يكن للجمهور الذي توافد منذ السابعة مساء ليلة السبت الى دار الثقافة بابن رشيق رغبة ما أكثر من رغبة مشاهدة قرابة خمسين مسرحي وسينمائي وموسيقى ورسام تناوبوا على فك طلاسم شكل مساندته لضحايا محرقة غزة... ولم يكن للاتحاد العام التونسي للشغل إلاّ أن يضيف لمختلف اشكال تضامنه مع قطاع غزّة (مسيرات، بيانات، مساعدة، محاضرات، رفع قضية ضد الكيان الصهيوني، أمسيات شعرية...) لم يكن له إلاّ أن ينظم حفلا بذاك الحجم دعما لغزة ولضحايا العدوان الهمجي.. فكما اشار الاخ عبيد البريكي الامين العام المساعد المسؤول عن قسم التكوين النقابي والتثقيف العمالي لدى افتتاحه لحفل «غزة في عيوننا» تتنزل هذه الخطوة في اطار تجسيم دعم الاتحاد لغزة والذي تجلى أيضا في الاقبال الكبير على اقتناء التذاكر بأكثر من أسعارها. توظيب ركحي مٌباغت كنا ننتظر حفلا تقليديّا تتناوب فيه الأصوات على المصدح غير أن منظمو الحفل باغتوا فينا العادي بتوظيب ركحي مختلف تميّز بالانسجام والتكامل حركة وتعبيرا حيث انتصب على الركح عدد من التشكيليين المستقلين منهم الامين ساسي والهاشمي غشام ومحمود شلبي وعمر الغدامسي وغيرهم فلم تسقط الريشة من بين اصابعهم طيلة الحفل وهم في حركتهم الدائبة بين الالوان والقماشة الضخمة المعلقة آخر الركح والتي تلطخت بالالوان كما تلطخت غزة بدم الاطفال ومع ذلك رُسم على طرفيها «علينا نحن أن نحرس ورد الشهداء»... المفاجأة ايضا انبثقت من فكرة قراءة تاريخ الظلم وتاريخ اغتصاب الارض الفلسطينية من خلال التذكير بأهم تمفصلاته ومنعرجاته السياسية والعسكرية بأصوات جمال المداني ولنبى نعمان وابراهيم بهلول وعبد المنعم شويات وليلى الشابي وسامي النصري ومنير العرقي وناجية الورغي وغيرهم، بعد التذكير بتجمع نقابات الفنون الدرامية والموسيقية والجمعيات السينمائية والرسامين المستقلين ببطحاء محمد علي من خلال الشريط الذي تم عرضه واعداده من قبل السينمائيين، وكذلك بعرضهم لشهادة الشاعر الراحل محمود درويش مع صحفية اسرائيلية... الحفل في بدايته ايضا انطلق بأغنية جماعية بعنوان «سامحيني يا بلادي الغالية» كما غنت درصاف الحمداني لفيروز اغنية «يا قدس» وقرأ المسرحي فتحي العكاري مقتطفا من نص مسرحي بعنوان «نعم انا مذنب» وغنى منير الطرودي «ياروح ثوري»و»دموعي نسكبهم» وقرأ جابر المطيري قصيدتان بالعامية أولى «برقية عاجلة الى ليفني» وثانية «ثورة الهمزة». حارسو ورد الشهداء في الحفل أيضا استمع الجمهور لنص «غز في عيوننا» الذي كتبه كل من الفاضل الجعايبي وجليلة بكار والحبيب بالهادي وفاطمة سعيدان ونوال اسكندراني ونزهة بن محمد، وغنّى جمال قلة «إن سرقوا الحجر» وغنى شكري بوزيان «أصبح الان عندي بندقية» وقد تبرّع بعدد كبير من عمله الجديد لدعم غزة اما مقداد السهيلي فغنى من تلحينه ومن كلمات ابو القاسم الشابي «الى طغاة العالم» كما غنت امال الحمروني «الانحناءات» للشاعر عبد الجبار العش والحان خميس البحري وغنت ايضا للشيخ امام عيسى اغنية «هم هم»، أما لبنى نعمان فغنت لمرسال خليفة اغنية «عصفور» وأيضا «لبيروت» ونوال بن صالح غنت «مدّ الخطوة» كما غنى سفيان سفطة اغنية «طيارة» لمرسال خليفة. «الرمل في دم بابا» نصٌ ثاقبٌ ومشحون ذاك الذي كتبه نورالدين الورغي وقرأه جمال المداني وهو بعنوان «الرمل في دم بابا»... مقطعٌ قاطعٌ واختيارٌ مباغتٌ للوتريات الليلية لمظفر النواب بصوت فتحي العكاري وعود احسان العريبي... ما الذي أبلغ من تمثيل الكيان الصهيوني بالحمار الغبي الجائر الذي يأكل زرع فلسطين ويدهس سياج الورد؟ ما الذي ابلغ من النص الذي قرأه عبد المنعم شويات... واحدٌ من الذين صرخوا ملئ حناجرهم بكل اللغات ضد الظلم «واحد منّا» لجعفر القاسمي لم تتغيب عن ركح ابن رشيق باختياره لمقطع منسجم مع السياق الذي لم تخرج عنه ايضا ليلى الشابي بفاصلتها المسرحية المعبّرة حركة وقولا عن الحجر العالق بأرض السنابل... ولم يكن ينقصنا نحن لنفترق كُلٌّ نحو أمله وحلمه سوى صعود أسامة فرحات وكل المشاركين في الحفل لتتردّد في جنبات دار الثقافة ابن رشيق كلمات أحمد فؤاد نجم وألحان الشيخ امام عيسى... ما الذي ينقص هذه الاسطر سوى عذر كل من سهوتُ عن ذكر اسمه، فعله، صوته، أصابعه، ريشته، حلمه، حضوره، تصفيقه... خارج المكان... خارج الزمان كدت أن أنسى ذكر وسائل الاعلام الوطنية التي واكبت الحفل بالتصوير المباشر والنقل الفوري للفقرات الفنية والاستجوابات التلفزية والاذاعية مع المشاركين في الرسم والغناء والرقص ومع الحاضرين من الجمهور فلهم أحني هامتي شكرا واحترامًا لما يبذلونه من جهد اعلامي!!!