احتفلت تونس مع سائر بلدان العالم يوم الجمعة الماضي الاول من ماي بعيد الشغل اعلاء لقيمة العمل وتقديرا لإسهامات العاملين بمختلف المواقع في تحقيق النمو والرفاه. وتزامن هذا الاحتفالمع تصنيف تونس الاولى عربيا وافريقيا وترتيبها ضمن البلدان الثلاثين الاوائل عالميا في مجال الاجور الدنيا من قبل مكتب العمل الدولي خلال الدورة 304 لمجلس ادارة منظمة العمل الدولة بما يؤكد صواب سياسة التأجير التي اعتمدتها منذ التغيير والقائمة على التوزيع العادل للثروات والتوفيق بين تحسين القدرة الشرائية للعمال ومراعاة طاقة مؤسسة الانتاج وامكانيات الاقتصاد الوطني. فقد تركز الاهتمام على تطوير العلاقات المهنية في اطار يضمن حقوق العامل ويعزز القدرة التنافسية للمؤسسة وعلى تحديث تشريع الشغل لملائمته مع متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومواكبة التشريع الدولي. وشهدت تونس فى هذا الاطار اقرار اجراءات وتدابير عديدة متتالية لتدعيم السياسة التعاقدية والحوار الاجتماعي وتحسين الطاقة الشرائية للأجراء خاصة من ذوي الدخل المحدود وتوسيع التغطية لمختلف اصناف الأجراء فضلا عن دعم تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في العمل والأجر واحترام مقاييس الصحة والسلامة المهنية. وتكتسي مختلف هذه الاصلاحات اهمية خاصة بالنظر الى دورها في تخفيف وقع التداعيات الاجتماعية للازمة المالية العالمية. وتعدّ المفاوضات الاجتماعية فى تونس العنوان الأبرز للحوار الاجتماعي على المستوى الوطني والقطاعي صلب المؤسسة وهي الأداة الفعلية لتشريك أطراف الانتاج في تحديد الأجور وضبط ظروف العمل. وشهدت سنة 2008 جولة جديدة تعدّ السابعة منذ سنة 1990 شملت القطاع الخاص والقطاع العمومي مما يجسم الحرص الثابت للرئيس زين العابدين بن علي على حماية القدرة الشرائية لسائر الشغالين وتحسين أوضاع الأجراء. وقد أفضت هذه الجولات التي اضحت من التقاليد الوطنية الى الترفيع دون انقطاع في 27 مرة منذ سنة 1987 في اجور العمال الخالصين بالأجر الادنى المضمون لمختلف المهن الذي تطور بنسبة 140 بالمائة والاجر الادنى الفلاحي المضمون بنسبة 154 بالمائة. كما يؤكد هذا الحرص الارتقاء بأوضاع الاجراء من خلال تطور الاتفاقيات المشتركة القطاعية البالغ مجموعها حاليا 51 اتفاقية تغطي حوالي مليون ونصف من العاملين في القطاعات غير الفلاحية الخاضعة لمجلة الشغل الى جانب مراجعة الاتفاقيات المشتركة القطاعية منذ سنة 1990 التي تُجرى بصفة منتظمة كل ثلاث سنوات. واعتبارا لأهمية المحافظة على المؤسسة لتأمين ديمومة العمل ولكونها الإطار الانسب لتدارس المسائل التي تحظى اليوم باهتمام اطراف الانتاج فقد انصرفت العناية الى اعادة تنظيم الحوار داخل المؤسسة بهدف اكسابه مزيد الجدوى والفعالية. وتم في هذا الإطار إحداث عديد المجالس واللجان الاستشارية كالمجلس الوطني للوقاية من المخاطر المهنية والمجلس الأعلى لتنمية الموارد البشرية من اجل تدعيم التكامل بين التربية والتكوين المهني والتشغيل. كما تم تركيز وحدات جهوية للنهوض بالحوار الاجتماعي والإحاطة بالمؤسسات لضمان متابعة هياكل الحوار داخل المؤسسة. وتعد مكاسب الضمان الاجتماعي التي تحققت للعمال ولسائر التونسيين بمختلف فئاتهم مدعاة اعتزاز للمضي قدما في تحسين نسبة التغطية التي بلغت 93 بالمائة سنة 2008 ومن المقرر رفعها الى 95 بالمائة مع نهاية سنة2009 . كما تدعمت حقوق المرأة في مجال تشريع الشغل من خلال حمايتها وتكريس المساواة بينها وبين الرجل في العمل بالتنصيص في مجلة الشغل على مبدإ عدم التمييز بين الجنسين. وتعززت ايضا حقوق الطفل في مجال العمل بإقرار اجراءات وتدابير تتعلق بتحديد سن دنيا لتشغيل الاطفال وهو 16 سنة ضمانا لحماية الأطفال من التشغيل المبكّر ومن الإستغلال الاقتصادي. ولضمان تكافؤ الفرص وتساوي الحظوظ بين فئات المجتمع كافة لا سيما الفئات الهشة تم باذن من رئيس الدولة اقرار برنامج خصوصي لدفع تشغيل ابناء العائلات المعوزة من خلال تمكين احد ابنائها العاطلين عن العمل من موطن شغل قار، ويجسد البرنامج الرئاسي لتشغيل أبناء العائلات المعوزة هذه السياسة الاجتماعية المتضامنة اذ شمل ايضا الإدماج عن طريق التكوين والتدريب المهني للإنتداب للعمل بالقطاعين العام والخاص أو احداث المشاريع للحساب الخاص. ويظل التشغيل أولوية دائمة لا سيما ضمن اهداف البرامج الإنتخابية لرئيس الدولة وفي سائر البرامج الوطنية والقطاعية للتنمية ورهانا كبيرا تعمل تونس على توظيف مختلف الطاقات لكسبه باعتباره من حقوق الانسان الاساسية ومن مقومات كرامة الفرد. وتتيح الهيكلة الجديدة للسياسة النشيطة للتشغيل التي أقرّها رئيس الدولة في 02 جانفي 2009 آفاقا اوسع لإدماج افضل لطالبي الشغل من مختلف المستويات التعليمية والتكوينية في مؤسسات القطاع الخاص مع الحرص على تصويبها نحو الفئات التي تلاقي صعوبات في الإدماج. كما استأثرت حماية الاشخاص المعوقين بالاهتمام في مجال الشغل وبرزت مبادرات عديدة لدعم فرص تشغيلهم بالمؤسسات العمومية والخاصة لا سيما بتخصيص نسبة 1 بالمائة من الانتدابات السنوية بمختلف الوزارات تسند اليهم بالأولوية. وقد بلغ عدد المنتدبين بالوظيفة العمومية 381 من حاملي الإعاقة سنة 2008 وعدد المشغلين من المعوقين بالمؤسسات الخاصة خلال السنة نفسها 427 معوقا، ويحظى قطاع الصحة والسلامة المهنية بكل العناية فى تونس من خلال احداث الهياكل المختصة وسنّ الحوافز والتشجيعات وانجاز البحوث والدراسات ودعم حملات التحسيس والتوعية وترسيخ ثقافة الوقاية. وقد بلغت نسبة التغطية في مجال طب الشغل 40 بالمائة من اليد العاملة الخاضعة لمجلة الشغل. وارتفع عدد العمال المنتفعين من 585817 سنة 2007 الى 616220 عاملا سنة 2008 وقد انخرطت تونس مبكرا في مفهوم العمل اللائق وجسمت التزامها بالاهداف والمبادىء التي تسعى منظمة العمل الدولية الى تكريسها ومن اهمها العدالة والسلم الاجتماعية وصادقت تونس في هذا الصدد على 58 اتفاقية عمل دولية من بينها ثماني اتفاقيات متعلقة بالحقوق الاساسية في العمل. واقترنت هذه الجهود بالحرص على الحفاظ على مواطن الشغل في ظل الازمة العالمية اذ أقر رئيس الجمهورية قانون 30 ديسمبر 2008 المتضمن اجراءات ظرفية لمساندة المؤسسات الاقتصادية لمواصلة نشاطها من خلال اقرار التخفيف من الأعباء الاجتماعية التي تتحملها المؤسسة بعنوان التغطية الاجتماعية لفائدة عمالها. ولتحفيز العمال والمؤسسات على مزيد البذل والتميز يتم سنويا اسناد جوائز العامل المثالي والتقدم الاجتماعي واللجان الاستشارية للمؤسسات ونيابات العملة وفق معايير تعتمد تميز العمال بروح المبادرة والابداع . وتترجم نجاحات تونس التنموية أهمية المكاسب الاجتماعية التي تحققت منذ التغيير لجميع الفئات ضمن مقاربة شاملة قوامها التلازم المتين بين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والحرص على ترسيخ قيم التضامن والحوار والوفاق بين الاطراف الإجتماعيين.