لقد قامت الدولة بداية من 1995 بفتح المجال امام الخواص لاقتحام قطاع النقل البحري الذي كان في السابق تحتكره شركتان عموميتان من بينهما الشركة التونسية للملاحة التي تخلت عن بعض أنشطتها الحيوية ذات المردودية المؤكدة كنقل السوائل، الخطوط الساحلية، خط تونس شمال أوروبا والنقل حسب الطلب مقابل ذلك حافظت على النشاط المتعلق بنقل المسافرين والمجرورات عبر خطوط منتظمة في الحوض الغربي للبحر الابيض المتوسط. ورغم ما تعرضت له الشركة من صعوبات بسبب المنافسة الشرسة التي جاءت كنتيجة حتمية لتحرير الاسواق وفتح الحدود الا انها ثبتت وفرضت نفسها كمجهز عنيد ليس من السهل زعزعته بفضل ما يتوفر لديه من حرفية وتجربة طويلة وكفاءة ابنائه. وهكذا أمكن لها تحقيق النجاح وساهمت بصفة جلية في استقطاب الاستثمارات الخارجية عبر استغلال سفن حديثة من الصنف الاول ذات تكلفة عالية تستجيب تماما لمتطلبات الصناعيين المنتصبين بتونس وذلك من حيث وفرة طاقة استيعاب الحمولة والسرعة الكافية لاحترام المواقيت مع التزامها بما تنص عليه المنظومة المنتهجة والمنظمة للجودة والسلامة كما كانت دائما في الموعد لتأمين تصدير المواد الفلاحية بأسعار لا تقبل المنافسة بشهادة اصحاب المهنة. في الآن نفسه ورغم ما وفرته الدولة من حوافز وتشجيعات لفائدة المجهزين الخواص الا ان أغلبهم لم يعمر طويلا وهكذا بقيت حصة الاسطول التونسي في تأمين الصادرات متدنية مقارنة بما هو ما متوفر، فتحركت الدولة مرة اخرى وجاءت القرارات الرائدة لسيادة رئيس الجمهورية في 28 جانفي 2009 لوضع الآليات اللازمة لتحفيز القطاع ومن بينها تقديم الدعم اللازم للشركة التونسية للملاحة حتى تواصل بكل ثبات مسيرتها التنموية فأذن لها بتدعيم أسطولها بباخرة لنقل المسافرين وسفينتي دحرجة سيمكنها في القريب العاجل من الاستغناء عن السفينتين المستأجرتين ذات التكلفة الباهضة الموضوعتين على الخط المنتظم تونس مرسيليا تونس. فكانت لتلك القرارات المهمة الصدى الطيب لدى ابناء المؤسسة كافة لعمق دلالاتها في خضم الفرحة العارمة فوجئنا في الايام الماضية بحادثة عكرت الاجواء حيث عمد احد المجهزين دون سابق اعلام اقتحام الخط المنتظم التي تستغله بنجاح الشركة منذ خمسة عقود والذي بنيت عليه بالاساس مشاريعها المستقبلية مستغلا في العملية التسهيلات التي وفرتها له بعض الجهات. ان النتائج المتوقعة لهذا الاقتحام تتلخص في ما يلي: 1 التهديد المباشر لمستقبل المؤسسة باعتبار استراتيجية الخط الذي لا يحتاج على الاقل في الوقت الراهن لمجهز اضافي لتأمينه وذلك للمحافظة على التوازن المالي النسبي للمؤسسة نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة الراهنة. 2 إن الاقتحام بهذه الكيفية سيدفع بباقي المجهزين وخاصة الأجانب منهم للنسج على المنوال كما سيؤثر سلبا على مردودية الخط حيث لا مفر في تلك الحالة غير اللجوء الى تقديم تعريفات منخفضة قد تؤدي الى الافلاس وترك الخط لمجهزين أجانب تتوفر لديهم الموارد والامكانيات الكبيرة اللازمة للرجوع بقوة وبسرعة والاستيلاء على الخط. 3 هذه العملية يمكن ان تؤدي الى إسقاط المشاريع المستقبلية للشركة في الماء لأن تلك المشاريع بنيت بالاساس على الأولوية التي لدى الشركة التونسية للملاحة لاستغلال الخط وربما ستجد نفسها مضطرة لمجابهة الصعوبات المحتملة الى مراجعة حساباتها في عدة اشياء. 4 برمجة المجهز الجديد لرحلات تتزامن مع البرامج المطبقة من طرف الشركة زيادة على كونه سيلحق بالتأكيد الضرر بالمؤسسة وسيعمق الاختناق الموجود بميناء رادس نظرا لمحدودية طاقة استيعابه سيزيد من مدة انتظار باقي السفن التي تترقب دورها لتفريغ اوشحن البضائع وهو ما سيدفع بعض الحرفاء للتخلي على وجهة تونس لتلافي التكلفة الباهضة لمدة الترقب. 5 إن حتمية وضرورة الرفع من حصة المجهزين التونسيين في عمليات التصدير لتصبح في حدود 20 عام 2016 حسب ما أقره سيادة رئيس الجمهورية ليس معناه الدخول في منافسة الشركة التونسية للملاحة التي هي بصدد القيام بواجباتها على احسن وجه بل استغلال الامكانيات الاخرى الشاسعة المتوفرة في النقل البحري كنقل الصلب والسوائل. من منطلق غيرتنا على المصالح العليا وتمسكنا بديمومة المؤسسة وثقتنا الكبيرة في امكانياتها لربح الرهانات لا يمكن لنا في هذه الحالة غير الرفض للعملية مع مناشدتنا كل الاطراف الفاعلة للتدخل قصد ابطالها حتى يقع تجنب الدخول في ازمة اجتماعية داخلية غير مرغوب فيها. وقد طالبت نقابات الشركة التونسية للملاحة وزارة النقل بالتدخل الحازم وأخذ الاجراءات اللازمة لوضع حدّ لهذه الوضعية المتأزمة حتى لا تدخل المؤسسة في أزمة اجتماعية داخلية.