تحادنا هذا الصرح العظيم اتحادنا هذه المنارة المضيئة على الدوام في زمن الظلام والإقصاء والتهميش، هذه المنظمة الجماهيرية العمالية الحاضنة للكادحين في الارض والتي أسس لنشأتها ووجودها رجال بررة عاهدوا الله والوطن والعمال على بقائها متوهجة أبد الدهر، مدافعة عن كرامة العمال وحقوقهم في زمن الاستعمار وزمن الانعتاق والتحرر وزمن البناء والتشيد. ونحن على ابواب انعقاد المؤتمر العام لمنظمتنا العتيدة تحت شعار «صمود ونضال وتقدّم» ينبغي علينا ان نستقرأ الماض والحاضر حتى نبني لمستقبل افضل... فتاريخيا شكل الاتحاد العام التونسي للشغل خلال مراحل كفاحه قوة تحديثية باستمرار ولقد عانق الروعة في الدفاع عن الوطن والكرامة وحقوق العمّال و لعب دورا اساسيا في المحافظة على نسق الحداثة ودعم المكتسبات المدنية والحضارية وكل الضربات والفتن والتقزيم الذي عاشها في فترات متفاوتة من تاريخه الناصع الا وزادته قوّة وصلابة وإيمانا بدوره الريادي في مجالات تدخله وكبر وزنه وتعاظم شأنه وإشعاعه وطنيا وعربيا وافريقيا واقليميا وعالميا بفضل ما تحلّ به رموزه الشهداء المؤسسين (محمد علي حشاد التليلي عاشور) واحفادهم الصادقين لما لهم من رؤى ثاقبة وصادقة للرقيّ بالبلاد والعباد وهنا استشهد بكلمات الشهيد فرحات حشاد حيث قال «الاتحاد من اعظم ادوات الرقيّ في هذه البلاد في جميع الميادين وهو مدرسة اجتماعية وانسانية». اما حاضرنا ومنذ مؤتمر «جربة» فالنجاحات المتتالية التي تحققت في نسيج العمل النقابي لمنظمتنا رغم بعض الثغرات فهي تدل على دقة الخيارات والمثابرة على انجاحها والايام اثبتت هذا التمشي السليم والواقعي والهادف والامثلة عديدة وساطعة ودامغة. فمثلا على مستوى البنية التحتية فلقد شيّدت ورممت دور كل الاتحادات الجهوية والمحلية واصبحت منارة مضيئة على الدوام في سماء المجتمع المدني يومُها النقابيون والعمال مجهزّة باحدث وسائل الاتصال والعمل وذلك في انتظار بناء وتشييد الجوهرة الام «دار الاتحاد العام التونسي للشغل» دار الشغالين كما يحلو للبعض تسميتها، وبهذا يتحقق حلم راود شهداء الحركة العمالية اما في ما يخص العمل النقابي اليومي فهناك تناغم وتقاسم للادوار بين اقسامه على المستوى المركزي والجهوي وهي المجهزة باحدث وسائل العمل الحديثة (الاعلامية، وسائل إتصال متطورة... مواقع جهوية ووطنية وعالمية... وتغطية شاملة لكل اعماله ومؤتمراته وندواته بجريدة الشعب المشرقة او بموقعها على الأنترنيت).. إنها لحق ثورة في العمل النقابي رائدة واستشرافية متخذة من ثوابت المنظمة منارة وأرضية ومن الرقي بالعمل النقابي وتحقيق الازدهار الاجتماعي هدفا منشودا مع كل المتغيرات العالمية الجديدة والمستحدثة وخاصة في ظل العولمة. هذا الماضي والحاضر اما المستقبل وامام هذه التحديات الجديدة الناتجة عن العولمة في جميع ميادين الحياة وغيرها من المتسجدات منها تفاقم ظاهرة تسريح العمّال وفقدان الهوية المهنية وعدم استقرار المؤسسة وبداية عصر جديد لانماط الشغل بتشريعات جديدة، فانه من الضروري البحث عن الحلول الملائمة لمعالجتها والحدّ من تأثيرها على الطبقة الشغيلة في القطاع العام والدواوين والقطاع الخاص أساسا وذلك من خلال: إيلاء العناية الكاملة لنوأة العمل النقابي القاعدي المتمثلة في النقابة الاساسية وذلك بمزيد الإحاطة بها وتخصيص ميزانية التصرف (تنظيم الاجتماعات الطبع والنشر التنقل..) دعم التكوين والتثقيف النقابي والعمالي حتى تساير التشريعات الحديثة للشغل وتستثمر في إفادة العمّال. الإقرار بالمكاسب التي تحققت في القطاع الخاص ومنها الاتفاقية الدولية 135 ومزيد الدعاية لها لنقلّص من العراقيل والتهميش في العمل النقابي.. إيجاد آليات جديدة لتطبيق القانون الحمائي للمنخرطين والهياكل النقابية المشرفة على القطاع الخاص في مستوى النقابات الاساسية حتى لا يقصوا ويهمّشوا من طرف الاعراف. تكثيف الانخراطات ودعم الانتساب للمنظمة دعم مبدأ تكريس الديمقراطية وخاصة في المؤتمرات وإحترام الرأي المخالف والعمل الجماعي لمختلف الالوان وذلك لصالح العمّال حتى ترفع راية ولون المنظمة عالية خفاقة على كلّ الرايات والألوان. التفعيل السريع والشامل لقوانين النظام الداخلي للمنظمة حتى نحافظ على صفاء نسيج العمل النقابي. وبما ان كل النقابيين وجلّ العمال يلمسون ما تحقق من مكاسب عديدة في العقدين الاخيرين والجهد اليومي للارتقاء بالعمل النقابي يجب اعادة النظر في معلوم الانخراط في القطاع العام والخاص وذلك بتعديله من ناحية (مثال حيث لا يعقل أن يخصم نفس المقدار على عامل تنظيف بلدي او عامل في مؤسسة خاصة وموظف سام ونحن في منظمة جماهيرية تطالب بعدالة إجتماعية...) والترفيع فيه من ناحية اخرى حتى تُلبي منظمتنا المصاريف الضخمة مع ضرورة حسن وشفافية التصرف. ننوّه بما حققته منظمتنا من إشعاع دولي ومكاسب من جرّاء تواجدها الفاعل وعلاقتها المميزة في صلب الاتحادات الدولية للعمّال، حيث فُعلت افكارها في عديد القضايا العربية والافريقية والعالمية وأخرها المنزلة التي تحظى بها في توحيد الاتحادات الدولية للعمال ولكن نطالب بتفعيل اكثر لدور منظمتنا على المستوى المغاربي ليتحقق الحلم الاتحاد المغاربي المنشود. هذه بعض الافكار والمقترحات التي اردت من خلالها المساهمة في الرؤى المستقبلية لتطوير أداء العمل النقابي عموما لانني مؤمن بان الكفاح الذي يخوضه الاتحاد العام التونسي للشغل على جميع الاصعدة يجعل من حركتنا النقابية دائمة التجدد والتطور في اساليب عملها حتى تساير المتغيرات وتطوعها لخدمة العمّال والازدهار الاجتماعي.